الأزمات والقيم

الأزمات والقيممحسن عليوة

الرأى20-8-2024 | 02:29

إن ا لأزمات و التحديات التى تحياها المجتمعات فى هذه المرحلة المليئة بالمتناقضات ليست تحديات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تكنولوجية فقط ولكنها تتجاوز ذلك كله لتُصبح أزمة قيم مجتمعية ، وا لأزمات عادة ما تكشف عن المخزون القيمى والرصيد الحضارى والأخلاقى للأمم والشعوب والمجتمعات،وتُظهر معادن الناس وجواهرها ودائماً ما تُعد ا لأزمات إختباراً واقعياً للقيم وبه تُقَاس الإنسانية فى كل المجتمعات ، فالقيم تبعث الحياة فى القلوب و تصنع الأمل فى النفوس.

ومواجهة ا لأزمات الاجتماعية تتطلب امتلاك منظومات مثالية من إنسانية الأخلاق والعادات والتقاليد، و تلك هى القواعد المنظّمة لسلوكيات وأخلاقيات الأفراد والمجتمعات.

و حيث أن أزمة القيم أصبحت تشكل خطورة قصوى فى حاضرنا المعاصر ، و لها دوراً أساسياً فى تشكيل ملامح المجتمعات بالعديد من المفاهيم كالخير والعدل والشجاعة والإقدام والجمال والقواعد الأخلاقية والدينية التى تؤسس للعلاقات السوية بين الناس وخالقهم سبحانه وتعالى .

إن منظومة القيم تُعتبر قاسماً مشتركاً فى حياة المجتمعات أرتباطاً بأخلاقيات وسلوكيات الأفراد و ذلك بوضع معايير حديثة لقيم الأداب والفنون ودورها فى تكوين الوعى الجمعى .

إن أزمة القيم لا يمكن اختزالها فقط فى أبعاد محددة بل تجاوزت كل مناحى الحياة، السياسية والثقافة والفكرية ، لإن هذه الأزمة ما هى إلا انسحاب لكثير من معايير الإنسانية كالدين والفلسفة والتاريخ والتى كانت الأساس الذى يُشكل منظومة القيم داخل المجتمعات.

وتعيش المجتمعات حالة من تراجع واضح للأخلاقيات والقيم فمثلاً ما يحدث من تفاهات فيما يُطلقون عليه حفلات التخرج الدخيلة على مجتمعاتنا ،والتى لا تلتزم بالقيم إذ أنه لابد أن يعى هؤلاء الشباب أن التعبير عن الفرح والنجاح يجب أن يكون ضمن الإطار العام للقيم والأخلاق حيث أن الاحتفال بالنجاح والتخرج من الأمور التى يجب أن تتم فى إطار التقاليد والأعراف المجتمعية دون شطط أو تجاوز للضوابط الأخلاقية والدينية .

وعند غياب المبادئ يتطاول الأقزام على الكبار فى محاولات مستميتة لهدم ثوابت و رموز المجتمع فليس هناك مجتمع أو أمة من المجتمعات أو الأمم تعيش بلا رموز مضيئة تُنير لها طريقها، ومؤسسات تمنحها قوة وثباتاً ورسوخاً وامتداداً وتطوراً واتساعاً، ونظراً لتأثير القادة الرموز فى مجتمعاتهم فإن هناك العديد من المحاولات المستمرة لتغييب دور أصحاب الفكر من العلماء وأهل الرأى وهذا لغياب القيم المجتمعية .

ولا ينتهى هؤلاء عند ذلك بل امتدت محاولاتهم لتشمل هدم الثوابت الوطنية الراسخة مستخدمين شعارات زائفة لا وجود لها على أرض الواقع ، وذلك من خلال السعى نحو تشويه وهدم الرموز والثوابت فى المجتمع.

كما أن هناك أيضاً من يحاول تغييب وطمس الهُوية الوطنية وثوابتها التى عانى و كابد الآباء والأجداد لصيانتها والحفاظ عليها .

وهناك العديد ممن يطلق عليهم السياسيين الجدد والذين يمنهجون أعمالهم لتقويض رموزاً وثوابت وطنية، وذلك إستجابة لتأثيرات المفاهيم الاجتماعية الجديدة التى تسللت فى غفلة من الزمن للمكون المجتمعى للوطن اعتقاداً منهم انهم يشكلون نسيجاً سياسياً يوافق أهوائهم معتمداً على ملاءة مالية بأنانية خبيثة وخاطئة ، معتقدين أن ذلك يخلق سياسيين يسهُل التحكم فى توجهاتهم ، وهذا يعتبر من أخطر عوامل هدم القيم السياسية وتهميش دور المثقفين والمفكرين وأصحاب الرؤى .

إن غياب مقومات الأخلاق المجتمعية يُزيد من تمكن مستخدمى حروب الجيل الرابع ، من نشر الشبهات وترويج الشائعات ، والتشكيك فى الإنجازات وتشويه الرموز ، والسعى نحو خلق ا لأزمات ، بطرق ممنهجة و مدروسة باستخدام سيئ للإمكانيات الإلكترونية للإضرار بالمجتمعات دون وازع من خُلقٍ أو دين ولا وطنية أو إنسانية .

ويرى علماء الاجتماع أن أزمة القيم والمبادئ المجتمعية ترجع إلى العديد من الأسباب منها تدهور وغياب دور العديد من الأسر وحدوث خلل وتغيرات فى المفاهيم الاجتماعية، وغياب الفكر المستنير فى مواجهة الحداثة العالمية دون التنبه واليقظة الى ما لا يتماشى مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، كما أن تراجع و غياب دور الفكر والاعلام التنويرى والتثقيفى المعتدل ،و الذى كان من أولوياته توجيه وتشكيل الرأى العام نحو التمسكك بالعادات والتقاليد والاخلاق و المثل العُليا فى المجتمع .

إن مجتمعاتنا فى هذه الفترة التاريخية التى تضج بازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية تحتاج الى ثورة اخلاقية قيمية و بناء مفاهيم فكرية وثقافية وذلك لنتمكن من تجاوز التحديات والعقبات المحلية والعالمية التى تواجه المجتمعات .

و هناك أشخاصاً طبيعين واعتباريين لهم حضور وثقل فى مجتمعاتهم عليهم الوقوف مدافعين عن الثوابت و حمايتها ، هؤلاء هم رموز الوطن واهل العلم ، يبرز ويظهر دورهم عندما يلتبس الحق بالباطل، وتسُود الأهواء والفتن فيوضحون ويُضيئون للناس دروبهم .

هؤلاء القادة هم القادرون على تصديرالفكر الواعى وطرح الأفكار البنَاءة وتوضيح حقيقة القيم الزائفة التى انتشرت واثرت بالسلب على مكونات مجتمعاتنا وضيعت العديد من قيمنا ومبادئنا ومدى تأثيرها على الأجيال القادمة من أبناء لوطن.

إننا ونحن نعيش هذه المراحل المتسارعة من تاريخنا لنحتاج الى فهم الواقع وفهم ما يدور حولنا وما يواجه البلاد من تحديات تحتاج الى ليقظة المستمرة والتسلح بالعلم وفقه خطورة المرحلة حتى نتمكن من تجاوزها محافظين على سلامة وطننا الغالى أمناً واستقراراً وتنمية وبناء ليعم بإذن الله الرخاء.

حفظ الله مصر

أضف تعليق