شيطان "التيك توك"

شيطان "التيك توك"غلاب الحطاب

الرأى7-9-2024 | 21:43

لن نغوص اليوم فى الماضي السحيق، ولن نتحدث عن الحضارة الفرعونية أو البابلية أو الرومانية أو حتى الإسلامية، تلك الحضارات التليدة التى شيدها رجال حفروا فى الصخور بيوتا وقصورا وحدائقا وأنهارا،
ومازالت آثارهم باقية شاخصة تنطق بلسان حالها عن عظمة هؤلاء الرجال.

ولن نتحدث عن الفتوحات الإسلامية التى خضع لها طوعا الشرق والغرب، هؤلاء الأبطال الذين تركوا لنا تاريخا زاخرا مازلنا نزهوا به فخرا وتيها، ولما لا وقد أناروا لنا القلوب قبل العقول.

ولن نتحدث عن عظمة حقبة النهضة بقيادة محمد علي ورجاله فلقد شيدوا لنا صروحا صناعية وثقافية وزراعية ومعمارية وعرفت مصر القناطر و الأوبرا ونظام الري الحديث، وشهدت تلك الفترة تغيير مجرى النيل وما واكب ذلك من نهضة ثقافية غير مسبوقة وعرفت مصر الإذاعة و السينما والتليفزيون والطرب الأصيل جنبا إلى جنب أساطين قراء القرآن الكريم.

عصر كريم مازلنا نشتم عبقه ورونقه كلما سيرنا فى شوارع وبين عمارات وسط القاهرة، مرورا بالمكتبات العريقة ودور النشر ومقهى ريش وخان الخليلى وبهاء المعز لدين الله الفاطمي ورواق الأزهر الشريف،

مرورا بجرحنا العميق وانتكاستنا التى لم تستمر طويلا بفضل جنودنا وأبطالنا البواسل، وانتصرنا وعبرنا لتاريخ جديد وكان الثمن دماء الشهداء وخيرة الشباب، كل ذلك ولم يكن بين أيدينا الهواتف المحمولة ولا عرفنا الإنترنت وما كانت ثورة تكنولوجيا المعلومات قد أطلت علينا.

ثم جاء زمان تزاوج وسائل الاتصالات مع التطور الهائل لأجهزة الحاسب الآلى لينتجا لنا ابنهم البكري الذى أطلق عليه "الإنترنت" ومن "الإنترنت" تعرفنا على العالم بطريقة مختلفة وفتحت أمامنا ثقافات جديدة، وأصبح من خلال محرك البحث الشهير الوقوف على كم هائل من المعلومات فى أقل وقت ممكن، وأصبح فى الإمكان الحصول على محتوى أمهات الكتب والمراجع بضغطة زر واحدة.

لكن للأسف هذا الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل كلما تقدمنا فى تكنولوجيا الإنترنت كلما كشف لنا عن وجهه القبيح وظهور تطبيقات التواصل الاجتماعى المتعارف عليها حتى وصل بنا الحال إلى ما يسمى" تيك توك"

وما أدراكم بهذا التطبيق الشيطاني الذى راح يهدم بلا رحمة كل الحضارات وكل الثقافات وكل الثوابت،

راح يهرس الأخلاق والمبادئ هرسا، ورأينا من خلاله مجموعات من الشباب ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، حتى الكهل جرفه سيل الابتذال والصبيانية ليقع الجميع فريسة لهذا التطبيق المدمر.
شاهدنا من خلال هذا التطبيق غرف النوم وقد هتك سترها، وشاهدنا التعري والخلاعة فى أبشع صورها، وأحاديثا مبتذلة وألفاظا ومصطلحات غريبة على مسامعنا، كل ذلك من أجل الحصول على المال والمكسب السريع، وأصبحت غواية الشهرة وجمع المال هى الغاية بغض النظر عن الوسيلة مهما كان انحطاطها ووضاعتها.

أقولها وبصدق: إن هذا التطبيق يجر المجتمع وكافة ثوابته الدينية والأخلاقية إلى الهاوية، هذا التطبيق يجر شبابنا إلى الرذيلة وتكدير أمن المجتمع، فكم من الجرائم ارتكبت، ودماء سفكت وأموال سلبت، بفضل هذا التطبيق الشيطانى؟!

رأينا من خلاله نماذج لأراذل الشباب وأقبحهم، وللأسف هؤلاء من تصدروا منصات الميديا ونواصي التكريم والشهرة، وفى أقل وقت تحصلوا على أموال طائلة وأثروا ثراء فاحشا، فى حين أن أقرانهم من شباب العلم والتعليم والبحث لا يجدون قوت يومهم، حتى أصبحت "التيك توكر" مهنة ولها صناعها ومحترفيها، وأصبحت نسبة المشاهدات والمتابعات هى الفيصل بين "تيك توكر" شاطر وآخر "خايب"، الأمر الذى جعل البعض يمثل جرائمه على البث المباشر وآخر يخترع مؤامرة لخطفه من أجل زيادة نسبة المشاهدات، وآخر يبدع ويتفنن فى خلق جدل من خلال إثارة بعض النوازع الاجتماعية كما حدث مؤخرا قيام أحد المحامين للأسف بتبني فكرة ما يسمى بالمساكنة.
والسؤال الذى يفرض نفسه

وماذا بعد كل هذا الهراء؟!، وإلى متى سنظل فريسة لهؤلاء الذين باعوا مبادئهم وأخلاقهم وشرفهم من أجل المال.
إذن اصبح لزاما على كل صاحب تاريخ وحضارة أن يدرك ويحافظ على ما تبقى من تاريخ وحضارة وثوابت، من عبث العابثين الذين باعوا أنفسهم لشيطان "التيك توك" وطوقوا رقابهم بحبال متينة من الخزى والعار.

أضف تعليق

حكايات الأبطال

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2