الهبوط التدريجي الذي يشهده الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليس فقط بسبب المؤشرات الإيجابية، التي يسجلها الاقتصاد الكلي في مصر خلال الشهور الأخيرة، وإنما جاء كنتيجة طبيعية لزيادة التدفقات النقدية العالمية من الدولار للاستثمار في الاقتصاد المصري، سواء من خلال الاستثمار المباشر بالمشاريع الوطنية، أو ارتفاع حصيلة الاستحواذات الأجنبية بالسوق المصري، أو حتى الاستثمار الدولي في أذون الخزانة المصرية.
الزيادة الملحوظة في التدفقات النقدية الدولارية المتجهة للسوق المصري، جاءت بفعل تخوفات الاستثمارات العالمية من قرار البنك الفيدرالي الأمريكي المرتقب لخفض سعر الفائدة على الدولار للمرة الأولى منذ سنوات خلال اجتماعه يوم 18 سبتمبر الجاري، ما جعلها تهرب من الأسواق العالمية ، تجنبا من الخسائر التي يمكن أن تتكبدها في حال استمرار رحلة تراجع أسعار الفائدة على الدولار، والتي من المتوقع أن تستمر بعدما نجح «الفيدرالي الأمريكي» في الوصول بالتضخم إلى المعدلات المستهدفة.
التوقعات تشير إلى اتجاه الفيدرالي الأمريكي إلى اتخاذ قرار الخفض المرتقب خلال اجتماعه المقبل بنحو 25 نقطة أساس قبل المضي قدمًا في خطط خفض الفائدة على مراحل، وهو ما اعتبره البعض من خبراء الاقتصاد والمال تدعيما لموقف الحزب الديمقراطي ومرشحته كمالا هاريس في الانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي أعرب فيه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، عن رفضه التام لقرار خفض أسعار الفائدة على العملة الأمريكية قبل الانتهاء من إجراء الانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أن اتخاذ مثل هذا القرار في هذا التوقيت ما هو إلا دعم للمرشحة الديمقراطية دون النظر لمصالح الاقتصاد الأمريكي حول العالم.
السياسة النقدية في مصر لابد أن تواكب مثل هذه القرار المرتقب بالنظر إلى أسعار الفائدة بالسوق المصري، مع وضع المكاسب التي حققها الجنيه المصري أمام الدولار في الحسبان، وبناء خط دفاع قوي في السياسة النقدية لمواجهة تداعيات أي هروب للأموال الساخنة من مصر، أو استفادة تلك الأموال من سعر الفائدة العالية في السوق المصري.
إلى جانب ذلك، ضرورة وضع معدلات التضخم في ميزان السياسة النقدية حتى لا يتأثر محدودو الدخل من التراجع المتوقع لأسعار الفائدة خلال المرحلة المقبلة، فضلاً عن السعي نحو التوسع في إقامة المشاريع التي تخلق فرص عمل جديدة، من خلال جذب المزيد من الاستثمارات المباشرة خصوصا في قطاعات الصناعة والسياحة والعقارات، حمى الله مصر وشعبها العظيم.