قدَّم أحمد أبو الغيط الأمين العام ل جامعة الدول العربية التهنئة لوزير الخارجية وشئون المغتربين للجمهورية اليمنية، بمناسبة تولي الجمهورية اليمنية رئاسة أعمال الدورة 162 للمجلس الوزاري، معربا عن أمنياته بالتوفيق والنجاح لجمهورية اليمن الشقيقة.
وعُقدت الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري الدورة العادية (162) مساء اليوم بمقر الأمانة العامة ل جامعة الدول العربية وبحضور السفير حسام زكى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية.
وألقى أبو الغيط كلمة على هامش هذه الجلسة قال فيها: إننا نقترب هذه الأيام من مرور عام كامل على العدوان الوحشي على أهلنا في غزة، وفي فلسطين كلها.. عام من الإجرام.. عام من الإبادة والتطهير العرقي، الذي يتبجح ولا يختبئ... يُباهي بالجريمة ويُفاخر بالعار.. غير عابئ بحساب أو عقاب... عام قُتل فيه 17 ألف طفل.. 17 ألف طفل و11 ألف امرأة.
وأضاف الأمين العام للجامعة العربية: مر عام من عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة.. بل وإسهام بعض القوى الغربية – لا سيما مع بداية العدوان– في تقديم مظلة أمان للإجرام لكي يتمادى، وغطاء سياسي للقتل لكي يتواصل.. بل ويتوسع من غزة الصامدة إلى جنوب لبنان إلى الضفة الغربية... في الضفة وحدها ارتقى سبعمائة شهيد منذ السابع من أكتوبر.. ناهينا عن الدمار والخراب والخسائر الهائلة.
وتابع: إن القوة الكبرى في عالم اليوم إما لا ترغب في ممارسة الضغط على الاحتلال، وإما أنها لا تستطيع إيقاف هذه البلطجة والوحشية... لقد مرت شهور قبل أن تنطق دول بعينها بكلمة وقف إطلاق النار... وعندما أدركوا فداحة الجريمة وطالبوا بوقف الحرب، كان الوقت قد تأخر... وصار المعتدي واثقاً من أن أحداً لن يراجعه، وأنه فوق القانون.. وفوق المساءلة.. وفوق العدالة الدولية، سواء محكمة العدل أو المحكمة الجنائية.. وفوق الأمم المتحدة وقراراتها... بل وفوق مجلس الأمن وما يصدر عنه من قرارات تدعو بوضوح لوقف إطلاق النار.
واستطرد قائلا : إن الاحتلال يُمارس الإجرام من أجل الانتقام فهو مُدان بالقتل ومُجرد من الإنسانية.. ولكن الهدف يتعدى الانتقام، والغاية أبعد من مجرد الإخضاع والترويع... لدى الاحتلال وهمٌ بأنه باقٍ أبد الدهر... وأنه سيلتهم الأرض مجردة من سكانها.. لذلك فإن أجندته الحقيقية تتخفى خلف حجة الأمن التي يخاطب بها العالم.. هي أجندة قوامها تصفية القضية وضم الأراضي وتحقيق التطهير العرقي والتهجير.
وأكمل كلمته النارية قائلا: إن التصريحات الرسمية بشأن التطهير والإبادة ليست من اختراعنا.. وهي مسجلة ولن تُنسى أو تُمحى من الذاكرة.. أما نوايا التهجير القسري فمؤكدة، والعمل على تحقيقه متواصل.. بل هو يشمل غزة والضفة معاً.. ويُمارَس كل يوم في صورة تهجير قسري داخلي يُطلقون عليه مُسمى مخففاً هو "أوامر الإخلاء".
وشدَّد "أبو الغيط" على ثبات الموقف العربي والإسلامي قائلا: لقد تصدينا جميعاً -متضامنين وبصوت واحد- لهذه المخططات، وسنستمر في مواجهتها وإحباطها، باللسان وبالعمل... نفضحها في العالم كله ليعرف بنوايا الاحتلال ومراميه.. ونعمل بشكل متواصل على دعم صمود الفلسطيني على أرضه... الفلسطينيون يبذلون دماءهم في هذا الصمود البطولي النبيل.. وأقل ما نقدمه هو أسباب الدعم والمساندة لهذا الصمود الذي هو – في واقع الأمور- جوهر قضية فلسطين ومعناها وامتدادها الباقي على الأرض... لقد ارتقى أكثر من 41 ألف شهيد ولكن هناك ستة ملايين باقون على أرض فلسطين، ولا يُمكن إخراجهم منها.
وأضاف: خلال الشهور المنصرمة على أكثر من صعيد في حملة دبلوماسية مكثفة، قادتها اللجنة الوزارية العربية الإسلامية برئاسة المملكة العربية السعودية... اقتربت المواقف في العالم من مواقفنا بالتدريج... ووجدنا الحكومات تُبدّل من لغتها.. والاعتراف بالدولة الفلسطينية تتوسع رقعته.. والشعوب تُعبر عن رأيها في ظلمٍ إنساني لا ينكره سوى من تجرد من الضمير وانسلخ من الإنسانية.
وأكد على أهمية مواصلة الجهد مع الشركاء المقتنعين بعدالة القضية.. والساعين إلى تجسيد حل الدولتين على الأرض، وليس فقط الترويج له بالكلام.
ولفت "أبو الغيط" إلى أن وقف إطلاق النار اليوم لم يعد مطلباً عربياً فحسب.. بل هو مطلب عالمي يحظى بإجماع مشهود... هو ضرورة إنسانية وأخلاقية.. وهدف استراتيجي لتجنيب هذه المنطقة شرور حرب موسعة ليست احتمالاتها ببعيدة... بل إن شراراتها تلوح في أفق المنطقة منذرةً بالخراب للجميع بغير استثناء.
وأوضح "أبو الغيط" أن الاحتلال مستمر في غيّه... مُمعن في الهرب إلى الأمام عبر اختراع الأكاذيب واعتماد أساليب التلفيق المكشوف... يدّعي رئيس حكومة الاحتلال أن "محور فيلادلفيا" هو ما يُعطل صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار.. والحقُ أن رفض وجود قوات الاحتلال على الحدود بين مصر وقطاع غزة هو موقف مصري مدعومٌ عربياً بشكل واضح.. ويتأسس على رفض إعادة فرض الاحتلال على القطاع، ورفض اقتطاع أجزاء منه.
وكشف "الأمين العام" أنه قد اتضح للجميع أن نتنياهو غير مستعد لإبرام صفقة لأنه لا يريد دفع المقابل .. لا يريد وقف هذه الحرب العدوانية حتى بهدف إنقاذ أبناء شعبه الذين صار أغلبهم واعين بحقيقة مراوغاته وأجندته المكشوفة.
وأكمل: ونسمعه يقول بالأمس القريب إنه من دون السيف لا يمكن العيش في الشرق الأوسط... ونقول له لن يكون أمام إسرائيل بعد كل هذا القتل والتدمير سوى أن تقبل بدولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل... فالسيف لن يحل المشكلة، والترويع لن يُجدي مع الشعب الفلسطيني البطل.
وتطرق "أبو الغيط" للحديث عن السودان قائلا: إن الجرح المفتوح في فلسطين لا يحرف أنظارنا عن جراح مفتوحة في أوطان عزيزة علينا.. لا زال السودان يعيش أزمة قد تكون هي الأشد وطأة من الزاوية الإنسانية... التسوية السياسية ووقف الاحتراب ما زالت أهدافاً بعيدة المنال.. والأزمة مستحكمة.. وجاءت كارثة الفيضانات والسيول لتضيف مزيداً من الألم إلى المعاناة القائمة.. لقد تضررت نحو 32 ألف أسرة في 13 ولاية من ولايات السودان.. وقال مدير منظمة الصحة العالمية في زيارته لبورتسودان قبل يومين إن النظام الصحي في المدينة على وشك الانهيار.. لقد بات الأمر يحتاج من الجميع -دولاً ومنظماتٍ- إلى تكاتف عاجل مع السودان وأهله لتجاوز هذه المحنة الإنسانية التي يعيشها الشعب على أكثر من صعيد.. فالأزمة الغذائية في هذا البلد هي الأسوأ على مستوى العالم.. وأوضاع النازحين بالغة الهشاشة.. ولا يجب أبداً أن يُترك السودان وحده في مواجهة هذه النوازل.
وعن الوضع في ليبيا قال "الأمين العام": وفي ليبيا.. لا يسعني سوى الإعراب عن الأسف والقلق مما آلت إليه التطورات مؤخراً في هذا البلد العربي العزيز... فالانقسام لا يلتئم وإنما تتسع الهوة بين الشرق والغرب... وتتصلب المواقف بصورة لا تخدم وحدة ليبيا، ولا وحدة مؤسساتها بما في ذلك تلك المؤسسات التي يستفيد منها المواطن الليبي في كافة أرجاء الوطن.. ونناشد الأطراف الفاعلة أن تضع مصلحة الشعب والحفاظ على مقدراته نصب أعينها... وندعو من هنا .. كافة الأطراف للعودة للحوار البنّاء تحت مظلة بيت العرب لتجاوز الخلافات، تمهيداً لإتمام المصالحة الوطنية الشاملة وإجراء الانتخابات التي طال انتظارها.
واختتم "أبو الغيط" كلمته بقوله: إن القضايا كثيرة ... والمرحلة التي تمر بها أمتنا حاسمة ولا تحتمل سوى التضامن والتآزر والعمل المشترك... فلن نعبُر أزماتنا سوى بالتضامن بين بعضنا البعض.