ونحن نحتفل بميلاد خير خلق الله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذى أرسله ربنا تبارك وتعالى رحمة للعالمين بشيراً ونذيرًا، النبي الأكرم والرسول الأعظم صاحب الشفاعة، والاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات، فمولده كان بزوغ الرحمة الألهية المهداة والنعمة المسداة الذي أنعم الله تعالى به على البرية كلها واعاد فيها الأمن بعد زواله، وأعاد إتزان أخلاق البشرية على وجه الأرض بعدما انتشرت الشرور والجهالة والضلالة والفساد والشرك.
هذا النبي الكريم الذي حث على العمل بأمر ربه القائل سبحانه وتعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وذلك ترغيباً في العمل والدعوة اليه أخذاً بأسباب الحياة وجودتها، والأمر بالإعتناء بإتقان العمل واتخاذ الأسباب من أجل تحصيل منافعه.
وسنة رسولنا الكريم حافلة بالمواقف والاحاديث التى تُرغب فى العمل وتحثُ عليه فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال { ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام}، وقال أيضاً {أطلبوا الرزق في خبايا الأرض}، كما جعل النبي عليه الصلاة والسلام طلب الرزق والتماس الحصول عليه فريضه حيث قال {طلب الكسب فريضة على كل مسلم}.
والانبياء كانوا يعملون بأيديهم فسيدنا أدم عليه السلام زرع الحِنطة وسقاها وحصدها وطحنها وعجنها وخبزها وأكلها، وسيدنا نوح عمل نجاراً، وسيدنا ابراهيم كانة بزازاً وسيدنا داوود كان يصنع الدروع، وسيدنا سليمان كان يصنع الخوص ويصنع منها المكاتل، وسيدنا زكريا كان نجاراً ونبينا صلى الله عليه وسلم كان راعياً للغنم، وهذا ما يؤكد على قيمة العمل في ديننا الكريم والاديان السماوية كلها.
وهذا ما يدعو الناس إلى العمل وعدم التكاسل والتواكل وقد حافظ رسولنا الكريم على العامل حيث دعا صلى الله عليه وسلم أرباب الأعمال وأصحابها إلى حُسن معاملة العمال ، وإلى الشفقة عليهم، والبرِّ بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، بل إنه صلى الله عليه وسلم ارتقى بمنزلة العامل والخادم إلى مكانة الأخ، حيث قال {إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم}، وكذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب العمل أن يسارع بأداء حق العامل من الأجر الذي يكافئ الجهد المبذول فقد ورد عن النبي إنه قال {أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه}.
وقد حذر الله تعالى من ذلك وجعل آكل حق الأجير خِصماً له يوم القيامة، فقد ورد فى الحديث القدسى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال {قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره}.
وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً من ظلم العمال باقتطاع شيئاً من أجورهم ولو كان صغيراً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من اقتطع حقّ مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النّار، قالوا: وإن كان شيئًا يسيراً ؟ قال: وإن كان قضيباً (عودا) من أراك (سواك)}.
إن نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، حدد الطريق في المعاملة فقال {الدين المعاملة} وكان سابقاً لكل الأنظمة والقوانين والمواثيق في حفظ حقوق العمال والخدم بغض النظر عن ديانتهم وجنسياتهم، وجعل العلاقة بين صاحب العمل والعامل محكومة بقواعد واضحة الزمت العامل أيضًا أن يُحسن عمله على الوجه المطلوب والأكمل ويراقب اللهَ فيه وأن يُحقق فيه حُسن الأداء فقال صلى الله عليه وسلم {إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} في إشارة منه صلى الله عليه وسلم ان يكون العامل ماهراً محافظاً على حق صاحب العمل وأن يؤدى العمل الاداء الكامل التام وأن يحافظ على حق صاحب المال في ماله.
فرسولنا الكريم الذي نحتفل بذكراه الشريفة حدد أطرالعلاقة بين العامل ورب العمل في إطار من حفظ الحقوق بين الطرفين وعدم ظلم أي من الطرفين للأخر.
وصدق ربنا تبارك وتعالى القائل في حق رسولنا الكريم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ... وكل عام وأنتم بخير.