بعد دعم واشنطن للعضوية الدائمة لـ إفريقيا.. مجلس الأمن على أبواب إصلاحات جديدة

بعد دعم واشنطن للعضوية الدائمة لـ إفريقيا.. مجلس الأمن على أبواب إصلاحات جديدةمجلس الأمن

عرب وعالم18-9-2024 | 20:16

مع انطلاق الدورة السنوية الـ 79 للجمعية العامة لـ الأمم المتحدة في 24 سبتمبر الجاري، تجددت الآمال في الاستجابة للحاجة الملحة لإصلاح مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة عن دعمها لحصول إفريقيا على مقعدين دائمين بالمجلس، وإن كان من دون حق النقض (الفيتو)، فهل من الممكن أن يشهد أخيرا المجلس الأممى تغييرات على بنيته وهيكليته؟! وهل تتمكن إفريقيا من الحصول على مقعد دائم إلى جانب الدول الكبار، بعد سنوات طويلة من المطالبات الإفريقية بمنح القارة السمراء مكانا في الهيئة الأممية الأكثر قوة؟!

وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد في مؤتمر نظمه "مجلس العلاقات الخارجية" غير الحكومي، إن " الولايات المتحدة تدعم إحداث مقعدين دائمين لأفريقيا في المجلس"، معترفة بأن "المشكلة هي أن هذه المقاعد المنتخبة لا تسمح للبلدان الأفريقية باستغلال معرفتها وصوتها فى عمل المجلس".

كما دعت السفيرة الأمريكية إلى تخصيص مقعد غير دائم للدول الجزرية الصغيرة النامية، من دون تحديد العدد الإجمالي للأعضاء الدائمين وغير الدائمين الذين يمكن أن يضمهم المجلس.

لكن جرينفيلد أوضحت فى الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لا تؤيد توسيع حق النقض للأعضاء الجدد، وعدم إلغائه للأعضاء الحاليين، قائلة: "لا يوجد عضو دائم يرغب فى التخلى عن حق النقض، بما فى ذلك نحن، أنا صادقة.. ونعتقد أن توسيع حق النقض من شأنه أن يجعل المجلس أكثر اختلالا".

وذكرت "رويترز" فى تقرير لها أن الخطوة الأمريكية تأتى فى وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إصلاح علاقاتها مع أفريقيا حيث يشعر كثيرون بعدم الرضا عن دعم واشنطن للحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، فضلا عن تعميق العلاقات مع دول جزر المحيط الهادئ سعيا لمواجهة النفوذ الصيني فى المنطقة. وتدعم واشنطن أيضا منذ فترة طويلة حصول الهند واليابان وألمانيا على مقاعد دائمة فى المجلس.

ومن جهتها، تطالب دول نامية منذ فترة طويلة بالحصول على مقاعد دائمة فى مجلس الأمن، الهيئة الأكثر قوة فى الأمم المتحدة، دون جدوى رغم سنوات من المحادثات حول الإصلاح. ومن غير الواضح ما إذا كان الدعم الأمريكى قد يعطى دفعة لتلك المطالب، حسب "رويترز".

و مجلس الأمن الدولى، هو أحد الأجهزة الرئيسية الـ6 للأمم المتحدة، ومقره فى مدينة نيويورك، ويتولى مسئولية حفظ السلام والأمن الدوليين، طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما يقوم بالتوصية بقبول أعضاء جدد فى الجمعية العامة ب الأمم المتحدة والموافقة على أى تغييرات فى ميثاق المنظمة.

ول مجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذا تعد قراراته ملزمة للدول الأعضاء (بحسب المادة الرابعة من الميثاق)، وتشمل سلطاته إرسال بعثات حفظ السلام، وفرض العقوبات، وحظر الأسلحة، وتمرير القرارات، والتفويض باستخدام القوة.

وكان المجلس يتألف من 11 عضوًا عند تأسيس الأمم المتحدة فى 1945 قبل زيادة العدد إلى 15 عضوا فى 1965، خمسة دائمين لديهم حق النقض، هم روسيا والصين وفرنسا و الولايات المتحدة وبريطانيا، و10 دول منتخبة، حيث تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة عامين وفق توزيع جغرافي محدد (اثنان من آسيا، واثنان من أمريكا اللاتينية، وثلاثة من أفريقيا، واثنان من أوروبا الغربية، ثم بلد واحد من الكتلة الشيوعية الشرقية السابقة).

أزمة شرعية
ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن " مجلس الأمن بصورته الحالية يعبر تماما عن الوضع بعد الحرب العالمية الثانية.. وفي ذلك أزمة شرعية، وأزمة تتعلق بالفاعلية، ويحتاج إلى الإصلاح "، حسبما نقلت عنه "رويترز"

وإدخال تعديلات على عضوية مجلس الأمن يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يحتاج إلى موافقة وتصديق ثلثى أعضاء الجمعية العامة البالغ عددهم 193 دولة، بما فى ذلك الدول الخمس الدائمين فى المجلس.

ومنذ أكثر من عقد، تناقش الجمعية العامة، التي تنعقد سنويا، قضية إصلاح مجلس الأمن فى كل دورة انعقاد، لكن المسألة اكتسبت قوة دافعة فى السنوات القليلة الماضية مع تعثر مجلس الأمن الحالى عن اتخاذ قرارات حاسمة، فى ظل منافسات جيوسياسية بين أعضائه، أدت إلى وصول المجلس لطريق مسدود حول العديد من القضايا، خاصة منذ بداية الحرب الروسية فى أوكرانيا فى فبراير 2022، ثم استخدام موسكو حق النقض لمنع أى إجراء من جانب الهيئة. كما تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات واسعة بسبب حماية حليفتها إسرائيل من إجراءات المجلس.

كما يرى البعض، حسب تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI، أن مجلس الأمن يعزز أوجه عدم المساواة القائمة فى النظام الدولى، فعلى سبيل المثال، لا يمثل أى من أعضائه الدائمين البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل، ولا يعكسون جميع مناطق العالم (يغيب بشكل ملحوظ، على سبيل المثال، أى أعضاء دائمين من أفريقيا، أو أمريكا الوسطى والجنوبية، أو الشرق الأوسط).

ويذكر المركز الأوروبى أيضا أن الأمم المتحدة حققت نجاحًا محدودًا فى إحباط الحروب والأزمات الإنسانية أو الاستجابة لها، مما يشير إلى أن التغيير قد يكون ضروريًا لتمكين حلول أكثر فعالية.

ويضيف المركز فى تقريره أن المجلس قد أصبح فى نظر نسبة متزايدة من حكومات العالم ومواطنيه، عاجزًا وغير عادل، إذ تهيمن عليه قوى غير مسئولة وغير تمثيلية تميل إلى إساءة استخدام مناصبها بدلاً من حماية السلام. ويؤكد المنتقدون أن استعادة فعالية المجلس وشرعيته تتطلب تحديث تركيبته التي عفا عليها الزمن وقواعد صنع القرار غير العادلة لكي تعكس بشكل أفضل التحولات المستمرة فى القوة العالمية والمراكز الناشئة للسلطة الأخلاقية.

وتشمل أفكار الإصلاح توسيع عضوية المجلس من خلال إضافة المزيد من الأعضاء الدائمين أو المنتخبين لفترة قصيرة لتعكس العالم بشكل أفضل، والحد من حق النقض الذي تتمتع به حاليا الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.

وعلى المستوى الإفريقى، فقد سعت القارة منذ عقود إلى تحقيق "عدالة النظام الدولى"، وأطلق زعماؤها فى عام 1999 "إعلان سرت" لإصلاح الأمم المتحدة، وفى عام 2005 اعتمد الاتحاد الإفريقى إجماع إيزولوينى (فى سوازيلاند)، وفيه تبنت دول القارة موقفا مشتركا يطالب بمنحها مقعدين دائمين يتمتعان بجميع حقوق وامتيازات العضوية الدائمة، بما فى ذلك حق النقض، فضلاً عن خمسة مقاعد غير دائمة فى المجلس.

مطالب مشروعة
ويقول باحثون إن المطالب الأفريقية تنطلق من عدة أسباب موضوعية، أولها أن القارة تمتلك 28% من عضوية الأمم المتحدة، إذ يبلغ عدد دول القارة 54 دولة من إجمالى الـ 193 دولة عضو فى الأمم المتحدة، وهي ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان (أكثر من مليار نسمة)، ولا تتمتع بمقاعد دائمة فى مجلس الأمن، فى حين أن قارة أوروبا، التي لا تُمثل سوى 10% من سكان العالم، لديها نصف عدد المقاعد الدائمة.

كذلك فإن قضايا القارة السمراء تهيمن على مداولات مجلس الأمن، خصوصا الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة فيها، لذا يلزم سماع آراء أصحاب الأزمات أنفسهم.

كما أن إفريقيا هى الأكثر تضررا من الأزمات الدولية المستجدة، مثل التغير المناخى والإرهاب واللاجئين وانعدام الأمن الغذائي.

ومع انعقاد الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الحالى، يتسلط الضوء مجددا على الحاجة لإصلاح مجلس الأمن الأممى بما يعالج مشكلة التمثيل غير العادل فى المجلس الموروث إلى حد كبير من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن مسألة إصلاحه تشكل معضلة نظرا لاختلاف وجهات النظر حول الصيغة المستقبلية ومصير حق النقض.

فى هذا السياق، قالت "سى إن إن" فى تقرير مطول، إن مجلس الأمن الدولى الواقع فى مانهاتن، أشهر مناطق نيويورك، قد قاوم إضافة أى عضو جديد لمدة تقارب الثمانية عقود، فى حين هيمن على المجلس خمس دول فقط (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة) ، منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان معظم العالم لا يزال تحت الحكم الاستعماري.

وبينما أُتيحت الفرصة اليوم للدول فى جميع أنحاء العالم لأخذ دورها فى المجلس كأعضاء غير دائمين، إلا أنه لا تتمتع أى دولة من الشرق الأوسط، أو أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، أو منطقة البحر الكاريبى، بسلطة حق النقض الحاسم الذي يمتلكه الأعضاء الدائمون.

ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن القضايا الأفريقية تشغل ما يقرب من 50% من الأعمال اليومية لمجلس الأمن، وتشكل الجزء الأكبر من قراراته المتعلقة بالسلام والأمن.

كما أن القارة الأفريقية تضم أكثر من ربع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وتعد موطنا لأكثر من مليار شخص فى العالم، لكنها "لا تزال لا تحظى سوى بتمثيل ناقص بهذه الهيئة الحيوية فى الأمم المتحدة".

وأشار التقرير أيضا إلى أن الفيتو يسمح للأعضاء الدائمين والمعروفين باسم P5، بمنع أى قرار، بدءا من بعثات حفظ السلام وصولا إلى العقوبات، دفاعا عن مصالحهم الوطنية وسياساتها الخارجية.

كما أدت الخلافات العميقة بين الأعضاء الدائمين فى المجلس، إلى إحباط متزايد من عدم قدرته على التصدى لأكبر مشكلات العالم، بدءا من الصراعات الدامية فى غزة وأوكرانيا، إلى تهديد الأسلحة النووية وتغير المناخ.

وتقول خبيرة الأمم المتحدة وأستاذة السياسة الدولية بجامعة فوردهام، أنجالى دايال، لـ "سى إن إن": "غالباً ما تستخدم الولايات المتحدة وروسيا حق النقض إما لحماية دولة حليفة، أو لحماية مصالحهما الوطنية الخاصة"، مشيرة إلى أن فرنسا والمملكة المتحدة قللتا من استخدامهما لحق النقض منذ عام 1989، ولكن فى سنوات ما بعد الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة وروسيا والصين المجلس "لتبرئة حلفائهم وحماية أنفسهم من عواقب قراراتهم غير الشعبية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية".

معوقات التغيير
وأشارت الشبكة الأمريكية فى تقريرها إلى أنه بالرغم من وجود اتفاق بين الأعضاء الدائمين فى المجلس والدبلوماسيين فى أروقة المجمع الشهير للأمم المتحدة فى وسط مانهاتن على أنه قد حان الوقت للتطور، إلا أن المنافسات بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وإعلاء مصالحهم الوطنية، قد أعاقت محاولات التغيير، حيث يكافحون من أجل الاتفاق على الدول التى يجب تضمينها فى المجلس، وحجم التوسع فى عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، ومدى صلاحياتهم.

على سبيل المثال، أفاد أحد الدبلوماسيين ب الأمم المتحدة أن البرازيل والهند، تسعيان للحصول على مقاعد دائمة فى المجلس، لكن هذا الطلب قد يواجه رفضاً من منافسى الهند التقليديين، باكستان والصين، وكذلك من الأرجنتين والمكسيك فى حالة البرازيل.

فى نفس الإطار، قال كبير المحللين فى مجموعة الأزمات الدولية، دانيال فورتى، لـ "سى إن إن": إن "هذه محادثات مستمرة منذ عقود. بالرغم من ذلك، لم يتفق الدبلوماسيون بعد على صيغة بشأن كيفية توسيع المجلس بطريقة تحظى بموافقة أغلبية الثلثين بالإضافة إلى موافقة واشنطن وموسكو وبكين".

وأضاف فورتى أن "هناك زخماً سياسياً أكبر لهذه المسألة، لكن هذا لا يعنى بالضرورة أننا أصبحنا أقرب إلى تحقيق الإصلاح".

ووفقاً لما قاله دبلوماسي رفيع فى الأمم المتحدة، فإنه، على سبيل المثال، أى محاولة لإزالة صلاحيات النقض (الفيتو) من القوى الخمس الكبرى (P5) ستكون غير قابلة للتنفيذ، فهو شىء لن توافق عليه القوى الثلاث الكبرى وهي ( الولايات المتحدة وروسيا والصين).

ولكن ما قد يكون ممكناً، وفقا لخبراء ودبلوماسيين، هو "إصلاح صغير"، مشيرين إلى مبادرة قدمتها ليختنشتاين فى عام 2022 والتي تم تبنيها من قبل الجمعية العامة، ونصت المبادرة فى حينها، على أن أى حالة نقض من القوى الخمس الكبرى يجب أن تُناقش فى الجمعية العامة.

ورغم أن هذه العملية لا يمكنها إلغاء النقض نهائياً، لكنها ستجعل استخدام القوى الكبرى لسلطتها الأحادية أكثر صعوبة من الناحية السياسية.

وعن إمكانية الإصلاح، اختتمت "سى إن إن" بالقول بأن المؤيدين يرون أن التوسع ممكن، مشيرين إلى عام 1963 عندما تم توسيع المجلس من 10 إلى 15 دولة عضوا، ونقلت عن دبلوماسي رفيع فى الأمم المتحدة: "لذا، ربما قد تكون هذه فرصة "، مضيفاً: "أعتقد أن كون الناس يتحدثون عن الموضوع يعنى أنه يحظى بانتشار أكبر"، وتابع قائلاً: " لكننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق إصلاح حقيقي وقابل للتنفيذ فى مجلس الأمن".

أضف تعليق

أكتوبر .. تفاصيل الحكاية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا