دخلت مجلة أكتوبر منذ 42 عامًا بقرار من أستاذى أنيس منصور .. وخرجت منها بفرمان من الجماعة الإرهابية بعزلى من رئاسة التحرير ضمن مخططها المشبوه لاغتيال الصحافة و«أخونتها» فى فترة حالكة السواد من تاريخ مصر..!
وما بين قرار دخولى وفرمان عزلى خضت معارك عديدة مع قوى الفساد والضلال والظلام.. أهمها معاركى مع الجماعة المحظورة التى اختطفت مصر فى غفلة من الزمان؛ فأصبحت «محظوظة» بعد أن كانت «محظورة»..!
لقد كتبت، فى عز قوة الجماعة الإرهابية، عن «تكويش» الأهل والعشيرة على كل مفاصل الدولة حتى إننى اقترحت، ساخرا فى مقالى الرئيسى فى صدر المجلة، أن تكوش الجماعة الإرهابية بالمرة على كرسى البابا، بعد وفاة البابا شنودة ؛ لأنه كان الكرسى الوحيد الشاغر فى الدولة بعد أن كوشوا على كل شىء..!
وظهرت المجلة بغلاف ساخر يصور القيادى الإخوانى عصام العريان جالسا على كرسى مارمرقس التاريخى..!
وأذكر أننى خضت على صفحات المجلة معارك شرسة ضد شركات توظيف الأموال كاشفا ألاعيبها للضحك على دقون المصريين والاستيلاء على أموالهم باسم الدين..
وعلى الرغم من كل تلك المعارك التى خضتها ضد عمليات النصب باسم توظيف الأموال.. إلا أنها مازالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ وكأن الكل.. الحكومة والشعب لديهم ذاكرة السمكة..!
لقد خضت على صفحات المجلة معارك ضد بيع أصول الدولة الناجحة، العامة الناجحة.. لأننى كنت، ومازلت، أرى أن ذلك تفريط فى أموال الشعب..!
وكانت وجهة نظرى التى أوضحتها، فى أكثر من مناسبة، أن الدولة يجب أن تحتفظ بأصولها خاصة الاستراتيجية منها والمرتبطة بالأمن القومى.. كمصانع الأدوية والبتروكيماويات والأسمنت والحديد والصلب وغيرها؛ حتى يمكنها ضبط حركة السوق؛ وحماية المواطنين من استغلال وتغول رأس المال الخاص الأجنبى والمحلى.
وقلت ومازلت أقول إن العديد من دول العالم العتيدة فى الرأسمالية ؛ كالولايات المتحدة فى عهد الرئيس كلينتون، وبريطانيا فى عهد تونى بلير، فعلت ذلك؛ وانتهجت ما أطلقت عليه «الطريق الثالث.. وهو ببساطة شديدة، محاولة للتوفيق بين مزايا كل من الاشتراكية والرأسمالية.. وتجنب أخطائهما.
وأذكر أننى كتبت نقدا لاذعا لحكومة الدكتور نظيف قلت فيه: «أنا عندى فكرة بمليون جنيه للحكومة.. فبعد أن باعت البلد كلها.. ياريت تبيع الشعب بالمرة لمستثمر رئيسى.. واحد هيقولي طيب وبعد الحكومة ما تبيع الشعب لمستثمر رئيسى هتعمل إيه..؟! أرد عليه وأقول وهى دلوقت يعنى بتعمل إيه»..؟!!
يعنى حكومة «زى قلتها»، كما يقول العامة..!!
وعلى الرغم أيضا من كل المعارك التى خضتها ضد القرارات الفوقية التى تصدر من المكاتب المكيفة فيما يتعلق ب سعر صرف الجنيه ؛ إلا أن ظاهرة تلك القرارات الفوقية مازالت قائمة حتى الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن.. وهى دون أى مواربة هى السبب فيما نشهده الآن من تخبط وتدهور فى سعر صرف الجنيه المصرى.
ومن أهم المعارك الصحفية التى خضتها على صفحات المجلة.. المعركة ضد منظمات المجتمع المدنى المشبوهة الأمريكية التى كانت تعمل فى مصر دون ترخيص؛ وتمول الفوضى فى الشارع المصرى؛ ومعها المنظمات المصرية التى تآمر أصحابها بالليل مع أعداء الوطن لنشر الفوضى والسعى لإسقاط مصر.. عمود الخيمة فى المنطقة والعالم.
وانتقدت السفيرة الأمريكية فى القاهرة آنذاك آن باترسون ووصفتها بأنها «سفيرة جهنم التى تشعل النار فى التحرير».. مما أدى إلى أزمة حادة بين مصر والولايات المتحدة؛ حتى إن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية آنذاك «فيكتوريا نولاند» خرجت ببيان نارى تهاجمنى فيه وتهاجم المجلس العسكرى؛ وتتهمه بالتحريض على خلق مناخ معادٍ للولايات المتحدة..
وقالت نولاند إن باترسون واحدة من أفضل السفراء الأمريكيين بالخارج وإن وصفها بـ «سفيرة جهنم» هو أمر غير مقبول..!
وهاجمت وسائل الإعلام والصحف الأمريكية المجلة والمجلس العسكرى ونشرت فى صدر صفحاتها صورة الغلاف والمقال.. سبب الأزمة..!
وحمل غلاف عدد الأسبوع التالى من مجلة أكتوبر صورا لمقالات الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية التى هاجمت مصر والمجلة.. وتحتها عنوان مقالى الجديد «سر حملة الإعلام الأمريكى ضد أكتوبر».
واستضافتني قناة «العربية» الإخبارية للحديث عن الأزمة، وأسباب هجومى الحاد على الولايات المتحدة.. وكان فى مواجهتى أستاذ جامعى أمريكى يتحدث من واشنطن.
ووقتها قلت على الهواء مباشرة إنه من غير المقبول أن تثير أمريكا القلاقل فى مصر من خلال تمويل مشبوه لمنظمات المجتمع المدنى.. كما أنه من غير المقبول أن تعمل أكبر أربع منظمات أمريكية فى مصر دون ترخيص.. فمصر ليست جمهورية من جمهوريات الموز فى الفناء الخلفى الأمريكى.. بل هى دولة عريقة لها وزنها ودورها المحورى فى محيطها العربى والدولى.
ولأن المجال لا يتسع لذكر كل المعارك التى خضتها كرئيس تحرير لمجلتى الغالية أكتوبر.. فليسمح لى القارئ بأن ألخص مشوار حياتى الصحفية كلها فى كلمات أقتبسها من كتابى الأول «أسرار 50 سنة صحافة»؛ ومن كتابى الثانى «الاقتصاد وسنينه»؛ وهو أول كتاب اقتصادى ساخر فى المكتبة العربية.. أقول فيها:
طوال ما يقرب من نصف قرن وأنا أكتب عن نفس القضايا ونفس المشاكل الاقتصادية ورؤيتى العملية لحلها.. لكن لا حياة لمن تنادى..!
كتبت عن الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد المصرى التى تحتاج لتصحيح لا يتم على أكمل وجه، وعن الأسعار التي لا تنخفض أبدا، والعجز المزمن فى الموازنة العامة للدولة، وأسعار الصرف المضطربة دائما والسوق السوداء للعملات والبورصة التى تحتاج لثورة تصحيح..!
كتبت وقلت وأعدت وزدت عن كل الحكومات التي عملت «ودن من طين وأخرى من عجين» تجاه مطالب الناس وصرخاتهم وأناتهم من صعوبة العيش والاكتواء بالغلاء، ورداءة نوعية الحياة بسبب تردى مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة وشركاتها؛ التي تحتكر كل الخدمات من مياه الشرب والكهرباء والاتصالات؛ حتى إنها حاولت فى فترة من الفترات احتكار الأكلة الشعبية الأولى.. طعام المصريين، فأنشأت جهازا تابعا لوزارة التموين أطلقت عليه اسم «جهاز الفول والطعمية».. أى والله جهاز الفول والطعمية..!
لكن الله الرءوف الرحيم بعباده المصريين الغلابة أفشل تلك التجربة «العبيطة»، وأبعد الطعمية أم خلطة والفول أبو زيت حار بتاع الغلابة، بعيدا عن شنبات وهيمنة الحكومة..!
كتبت عن كل ذلك وأكثر، لكن الحكومات كلها دون استثناء كانت تسير على نفس الكتالوج: نحن نكتب ما نريد وهم يفعلون بنا ما يريدون..!