مثل المراهق الذي يقع في الغرام لأول مرة، تأسست علاقتي بـ مجلة أكتوبر ، وقد أقسم أستاذي الدكتور محمود علم الدين - رحمه الله - أن يكافأني على ما رآه تميزًا في طالبه بكلية الإعلام، فأرسلني إلي الأستاذ أنيس منصور ، وقد طلب منه الأخير أن يرشح له اثنين من طلابه، ليعملوا معه في مجلة وادي النيل ، فكنت واحدًا منهما، وبعد أن أخبرني الدكتور محمود بساعات أن أذهب وأطلب مقابلة الأستاذ، كنت أقف أمام موظف الاستقبال في المبنى رقم 1119 كورنيش النيل، الذي تعلوه يافطة مضيئة تحمل اسم: " دار المعارف "، كان الأستاذ أنيس قد ترك قبلها بشهور رئاسة تحرير " أكتوبر "، التي تصدر عن مؤسسة " دار المعارف " القومية، لكن تم اختياره لإصدار مجلة جديدة، تعبّر عن التكامل بين مصر والسودان، فكانت "وادي النيل"، ومن مكتبه في الدور التاسع بـ دار المعارف ، أصدر الأستاذ المجلة ، معتمدًا علي محرري أكتوبر، والأقسام المساعدة والطباعة في دار المعارف ، التي بدأت فيها أول عمل احترافي منتظم في الصحافة ، واندمجت مع صحفيي مجلة أكتوبر ، وارتبطت معهم في علاقات عمل، وصداقة، فلما وقع انقلاب البشير في السودان، وتجمدت أنشطة التكامل مع مصر، توقف صدور مجلة "وادي النيل"، وهنا طلب مني الأستاذ شريف رضا، سكرتير عام تحرير "أكتوبر" أن أنضم للعمل في "أكتوبر" فتحقق حلمي القديم في الالتحاق بالمعشوقة التي وقعت في غرامها وأنا طالب بكلية الإعلام، من حديث الدكتور محمود علم الدين عنها، وقد كانت موضوع رسالته للماجستير، وصرت حريصًا علي اقتناء أعدادها وقراءاتها من غلافها الأول حتي الأخير، ولا أزال أتذكر أسماء كبار كتّابها، موضوعاتهم، الصحفيين، الذين شرفت بمزاملة العديد منهم فيما بعد، وأتذكر مقالات وموضوعات كانت تمسني بسحر كلماتها وعباراتها، وأسماء كتاّب مثل ليليان، وإبراهيم زكي خورشيد، والدكتور حسين مؤنس، وبالطبع المايسترو والقائد أنيس منصور .
ولدت أكتوبر لتتصدر منذ عددها الأول وتصبح المجلة الأولي في مصر، ودرة الصحافة العربية، وتاج رأس الصحافة المصرية، ولما التحقت بالعمل فيها، كان مؤسسها ورئيس تحريرها الأول قد غادر، وتولي صلاح منتصر، لكن انطلاقة "أكتوبر" الهائلة كانت مستمرة، حتي بعد أن تغيرت في الشكل والمضمون، مع صلاح منتصر، فالمجلة أي مجلة ما هي إلا "نزوة رئيس التحرير"، ومع كل رئيس تحرير تولي بعد منصور ومنتصر، كانت أكتوبر تتغير، حسب رؤية رئيس التحرير، خبرته، مهنيته، حتي وصلت إلي رئيس تحريرها الحالي محمد أمين ، الذي احتفلنا معه الأسبوع الماضي بالشمعة 2500 في "تورتة" أكتوبر ، الطفرة، والمثال الذي علّم أجيالا، وخرّج أساتذة.. كانت ولا تزال.. وسوف تبقي دائمًا بإذن الله بجهد أبنائها المخلصين.