حورية عبيدة تكتب: نمُوتُ انتِحاراً أَم قَتْلاً ؟

حورية عبيدة تكتب: نمُوتُ انتِحاراً أَم قَتْلاً ؟حورية عبيدة تكتب: نمُوتُ انتِحاراً أَم قَتْلاً ؟

*سلايد رئيسى10-12-2018 | 11:39

"يتوجَّب علينا العمل على تقسيم العالَم العربي إلى أقليات؛ وبدَورِها ستمزّقه طائفياً ومذهبياً وعرقياً ودينياً"، قالها "زيغنيو بريجينسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ولأنّا لا نلقي اللائمة دَوماً على كاهل نظرية المؤامرة وحدها، نرى أن هناك حتماً أسباباً وعوامل داخلية تُفتّت الأمم وبها تنهار، فالحضارات قد لا تموت قتلاً؛ وإنّما تموت انتحاراً" طِبقا لمقولة المؤرخ البريطاني الشهير "أرنولد توينبي" صاحب (قصة حضارة).

الأمة الميتة تلك التي تنمو سُكانياً؛ وتضمحل سياسياً واستراتيجياً، وكما يرى المؤرخون تُبنى الأُمم على أركان أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والمنظومة الأخلاقية، والعلوم والفنون، ويبدأ البناء من حيث ينتهي القلق والاضطراب، لأن الإنسان حين تتحرَّر نفْسُه من المخاوف؛ ويستشعر الأمن يتولد لديه التطلع؛ والإبداع؛ والقدرة على الإنشاء؛ والابتكار.

وإذا كان "ابن خلدون" يرى للدّول دورة حياة تماماً كالإنسان: أي تُولد؛ ويقوَى عودها ويشتد؛ وتهرم؛ ثم تموت؛ فهذا لا يعني أنه بالضرورة حدوث كل المراحل كما بيّنها مُفسرو كتاباته وشارحوها، بمعنى أن المسببات التي من شأنها تمِيد الأمم وتتَداعَي بذات الوقت تكون سبب نجاحها وتواصلها إذا ما اجتُنبت.. فمثلاً: الاستبداد بالسُّلطة والسلطان؛ الفراغ؛ الخنوع؛ تقليد الآخرين؛ إبعاد الصالحين الناصحين؛ الاصطناع والاتكاء على بطانة السوء أو تلك التي نطلق عليها "حمَلة المباخر"؛ فك التلازم الآكد بين الروح الوطنية والقومية والدِّين.. حريٌّ بكل هذا أن تقود مرحلة السقوط، في ذات الحين تغدو ِمن عوامل ازدهارها إذا تم تلافيها.

لا مراء أن انهيار المنظومة الدينية والأخلاقية في مقدمة عوامل الضعف والسقوط، والأدلة على ذلك لا تُحصى ولا تُعد في تاريخنا الحديث والقديم، تُلقيها علينا قصص القرآن الكريم؛ وتدونه كُتب التاريخ عن حضارات اندثرت -والتي يحصيها البعض بأنها قد بلغت 22 حضارة- أضِف إلى ذلك المنظومة التعليمية وهي العامل الآكد والرئيس في نقل القيم والثقافة للأجيال اللاحقة، والتي من شأنها تجده رصيداً تتوكأ عليه؛ فيوجهها ويحفزها على إنهاض أمتها، والتمسك بوحدتها، والتعالي فوق أي خلافات؛ موقنةً أن التناحر والحروب جالبةً لهلاك البلاد والعباد، كذلك الوعي بالتحديات؛ بمعنى أن الصعود رديف المواجهة؛ مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وغنيٌّ عن الإسهاب أنَّ ضرب الرموز الدينية والوطنية والزعامات والتي تُعد بمثابة قوى تحفيزية لشعوبها يفتُّ في عَضد البناء المرجو.

لن ننسى الأخطار المُحدقة بإنهاض دُولنا إذا استُخدمت سياسة إحباط وتيئيس الشباب؛ حتى يتركوا السَّفين؛ فتستقطبهم البلدان الباحثة عن العقول الفارَّة من ديارنا؛ بلدانٌ أدركتْ أن احتلال العقول أثمن وأنجع من الاحتلال العسكري، وكذاك إلهاء الناس بتوافه الأمور؛ وإغراق الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي في حكايا الجنس؛ والمخدرات؛ والرياضة؛ والحوادث؛ والفن وأهله وفضائحهم؛ ونشطاء "الفيسبوك" علماء اللسان جاهلي العقول -كما يرى خبراء الإعلام- من شان كل ذلك خلق جماهير غير واعية؛ تتصف انفعالاتها بالخفَّة؛ والنَّزق؛ والتطرف؛ وتضخيم الأمور؛ والتأثر السريع؛ والتصديق دون تمحيص غثّه مِن ثمينه؛ والسَّذاجة؛ والسطحية؛ والخضوع؛ والخنوع، وهنا يغدو التعصب فضيلة والأوهام حقيقة! لذا قيل: جمهورٌ جاهل لا يعرف ما يريد أسهل في القيادة مِن جمهور متعلم يعرف ما له وما عليه"، وهنا يسهل السبيل لقيادته تخريبياً وتدميرياً، فالجماهير "أُنثوية الطَّبع" كما يصفها علماء الاجتماع؛ أي يسهل التأثير على عواطفها كلما تدنَّى مستواها التعليمي والثقافي.

حل مشاكلنا يبدأ بالإدراك السليم لها؛ ولمصادر أوجاعنا؛ والتحديات المنوط بنا مجابهتها، لأجل أنَّ ذلك يُيسر حلّها، لأن العجز عن المُجابهة يعني فشل عمليات الابتكار والتجديد والإبداع، مما يجعل الأمم تعيش مرحلة "الشَّرخ في الرُّوح" -كما يطلق عليها المؤرخون- فيؤدي إلى موتها عاجلاً غير آجِل... هو دورٌ يتحتَّم على الجميع المشاركة فيه بجدية، بِدأً من مؤسسات الدولة كافَّة، وعلى كاهل العلماء والمثقفين والأكاديميين والحقيقيين من الأدباء والمبدعين والإعلاميين والفنانين إدراك جسامة التَّحديات، لأن عدم الفهم ينذر بأفول السُّطوع المؤمّل لأي وطن.

أضف تعليق

إعلان آراك 2