سيرة نبي الدم و ورثته

سيرة نبي الدم و ورثتهعاطف عبد الغني

الرأى13-10-2024 | 14:54

يقدس الصهاينة المعاصرون شخصًا اسمه زئيف فلاديمير جابوتنسكي ، الذي ولد في مدينة أوديسا الأوكرانية في 17 أكتوبر 1880، ومثل كثير من أطفال فقراء اليهود ، ومتوسطي الحال، بعد فطامه عن لبن أمه ، ألحقوه بمدارس التعليم الديني (يشيفا) التي تغذي أبناء اليهود علي كراهية الجوييم (كل من هو غير يهودي) لكنه تحرر سريعًا من الرداء الحاريدي وهجر "الطاليس والكيباه" متحولاً إلي الصهيونية العلمانية ، وسافر إلي أوروبا فدرس القانون، وعمل بالصحافة ، ونشر موضوعاته باسم مستعار "ألتلينا" باللغات الروسية واليديشية (العبرية القديمة) والعبرية الحديثة، وأظهر في كتاباته تأثره الشديد بآراء الصهاينة الأوائل مثل هرتزل وبنسكر ، وفي عام 1903 بدأ نشاطه الصهيوني العملي فشارك في المؤتمر الصهيوني السادس ، وانتقل إلي إسطنبول بتركيا وأسس شبكة صحافة صهيونية واسعة وتبني حملة معارضة كبيرة لمشروع إنشاء وطن قومي لليهود في شرق إفريقيا كحل للمسألة اليهودية ، داعيًا لاستيطان فلسطين ، ويبدو أنه اقتنع ألا طائل من الكلام، فألقي بالقلم وحمل البندقية ، وطاف البلاد يدعو ويؤسس لفيلق يهودي، يحارب به إلي جانب الإنجليز في الحرب العالمية الأولي ، وتكّون الفيلق في 5 تشكيلات عسكرية، و6400 متطوع يهودي شاركوا إلي جانب بريطانيا في الحرب ليكسب تأييدها في إنشاء وطن لليهود في فلسطين، وكسب رهانه في تحقيق وعد بلفور، لكن أخطر ما فعله هذا الصهيوني بعد انتهاء الحرب، واكتساب خبرة الفيلق اليهودي، أن عمل علي تجنيد اليهود في شكل عصابات مسلحة تتوجه إلي فلسطين بحجة حماية المستوطنات اليهودية التي بدأت تنتشر فيها، مع الربع الأول من القرن العشرين، وانخرط هو نفسه في نشاط عصابة "الهاجاناة" قبل أن ينفصل ويؤسس حركة بيتار سنة 1923، وقد عبّر عن الإيديولوجية التي يعتنقها بالقول: "لكل يهودي الحق في دخول فلسطين؛ والانتقام النشط فقط هو الذي من شأنه أن يردع العرب والبريطانيين؛ والقوة المسلحة اليهودية فقط هي التي تضمن الدولة اليهودية"، وظل جابوتنسكي يمارس من خلال عصابات العنف المسلح اليهودية أعمال الإبادة، والترويع، وإجبار الفلسطينيين علي النزوح من أراضيهم وأملاكهم وتركها لليهود، حتي مات في 3 أغسطس 1940 عن 59 عامًا لكن استمرت عصابات الصهيونية، حتي إعلان دولة إسرائيل في 1948، فكانت نواة لجيشها، الذي واصل المهمة، حتي زحم كتاب التاريخ بسير مذابحه وكوارثه الإنسانية.

واليوم وبعد مرور370 يومًا علي أحدث وأفظع مذبحة صهيونية في فلسطين يواصل أحفاد جابوتنسكي، نبي الدم ، حصد أرواح الفلسطينيين، حتي بلغت أعداد الضحايا 42 ألف روح بشرية، وأكثر من 100 ألف مصاب، سوف يعيش أغلبهم بعاهاتهم إذا قُدر لهم الحياة.. والأرقام تتحرك أمام أعيننا بالزيادة كل ساعة، ولا نملك ما نستطيع به أن نوقف المذبحة، أو نعطل آلة الزمن، حتي لا تستمر المأساة التي تجاوزت في بعض فصولها استيعاب العقل البشري.

أضف تعليق

إعلان آراك 2