إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: كل مرة.. أول مرة!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: كل مرة.. أول مرة!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: كل مرة.. أول مرة!

*سلايد رئيسى11-12-2018 | 16:01

 تصلنى يوميًا رسائل تليفونية مختلفة على "الواتس آب" يرسلها لى أصدقاء وزملاء وأقارب..معظم هذه الرسائل أحاديث وأدعية دينية.. بعضها طويل جدًا وبعضها قصير.. والحقيقة أننى أكتفى بقراءة سطرين أو ثلاثة من الرسائل الطويلة التى أجدها مرهقة لعينى أحيانًا ولأعصابى أحيانًا أخرى!..

خاصة الرسائل التى تنتهى بعبارة مثل أرسلها لعشرة أشخاص فتكون لك صدقة جارية.. أو ابعث بها إلى مائة شخص فلا تموت قبل أن ترى مقعدك فى الجنة..

وليس معنى ذلك أننى أتجاهل قراءة كل الرسائل التى من هذه النوعية، فهناك رسائل أقرأها وأستمتع بها وأتأمل معناها ومغزاها وأحفظها فى ذاكرة الهاتف.

وصلتنى يومًا رسالة من زميلة قديمة تعودت أن ترسل لى رسائل تليفونية يومية تنهمر على هاتفى كما ينهمر المطر على البشر.

قرأت الرسالة وكانت قصيرة جدًا فوجدت نفسى مبهورًا.

كانت الرسالة دعاءً صغيرًا يقول.. اللهم لك الحمد حتى ترضى.. ولك الحمد إذا رضيت.. ولك الحمد بعد الرضا.

وجدت نفسى منبهرًا كما ذكرت ورحت أتأمل المعنى فوجدت نفسى أمام كنز أغنى وأكبر وأعظم من أى كنز.. ووجدت نفسى أصرخ بكلمات الدعاء بدون صوت.. فقد صرخت بها ليس بلسانى وإنما بقلبى.

بعد خمس دقائق تقريبًا دق جرس هاتفى فوجدت المتصل شيخ الجامع القريب من منزلنا والذى تعودنا أن نصلى فيه كل جمعة.

كان شيخ الجامع قد طلب منى قبل أربع سنوات رقم هاتفى.. وطوال هذه السنوات لم يتصل بى إلا مرة واحدة طلب منى خلالها مساهمة فى عمل خير.. كانت هذه المكالمة هى المكالمة الوحيدة التى سمعت فيها صوته على امتداد السنوات الأربع.. صحيح أنه لم يتوقف يومًا عن إرسال الأدعية والأحاديث والمواعظ الدينية.. لكننى لم أسمع صوته إلا مرة واحدة.

ولهذه الأسباب أدهشنى اتصاله بى لكننى على أية حال رددت على مكالمته.

أهلا يا شيخ أحمد..

أهلا بالذين يحمدون الله..

.. .. .. .. (!!!)

أردت فقط أن أطمئن عليك والحمد لله أنك بخير.. السلام عليكم!

أنهى الشيخ مكالمته القصيرة.. وتركنى أضرب أخماسًا فى أسداس!

ما هو معنى عبارة الشيخ.. أهلا بالذين يحمدون الله!.. وما هو الارتباط بين مكالمة الشيخ والرسالة التى وصلتنى؟

شغلتنى هذه الحكاية يومًا بأكمله فقررت أن أضع حدًّا لحيرتى.

اتصلت بشيخ الجامع ورويت له ما حدث لى.. الرسالة التى وصلتنى والدعاء الذى ظللت أردده بلسانى وقلبى.. ثم المكالمة الغريبة التى وصلتنى منك!

سمعت ضحكة الشيخ وهو يقول: سمعتك تحمد الله، فاتصلت أطمئن عليك (!!!)

لم تساعدنى إجابة الشيخ فى تفسير ما حدث.. وظل ما حدث بالنسبة لى لغزًا حتى الآن.

وليس مطلوبًا أن يصدقنى القارئ ، فما حدث بالنسبة لى مسألة شديدة الخصوصية.. ثم إننى لست وحدى الذى تمر فى حياته مثل هذه الأحداث الغريبة.. ولم أروِ هذه الحكاية إلا لكى أقول بكل اقتناع إن هناك سرًّا فى كلمة الحمد لله.

يكفى أن أول آية فى المصحف الشريف تقول "الحمد لله رب العالمين"..

والحقيقة أننى كثيرًا ما تساءلت: هل فى إمكان الإنسان أن يحمد الله على كل النعم التى أنعم بها عليه؟..

هل يتساوى حمدنا لله مع نعمه التى أنعم بها علينا؟.. هل يكفى أن نقول الحمد لله لكى نشكر الله على نعمه؟!.. مستحيل! مستحيل أن نساوى بين نعم الله وحمدنا له سبحانه وتعالى على هذه النعم..

يقول المولى عز وجل: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".. ولذلك فحتى لو أنفق الإنسان عمره كله مهما طال وبدون أن يأكل ويشرب وينام ويمارس حياته.. حتى لو قضى عمره يحمد الله، فمن المستحيل أن يوفى الله حقه.. مستحيل أن يتساوى حمد الله مع نعم الله.

مستحيل أن يتساوى ما هو محدود بما هو غير محدود.

وليس أجمل من أن تحمد الله على نعمه.. وليس أجمل من أن تتأمل هذه النعم.

أنت تنظر وترى.. وهذه نعمة.. وعندما تنظر ترى كل ما حولك.. وهذه نعمة.. وتستطيع بنظرك أن تحدد مساحة الأشياء وحجمها.. وهذه نعمة.. أنت عندما تنظر تميز الألوان.. وهذه نعمة.. أنت تعرف الجمال.. بالنظر.. وهذه نعمة.. أنت تحمى نفسك من أخطار كبيرة وكثيرة لأنك تستطيع أن تنظر.. أنت تستخدم نظرك فى فهم كل ما حولك.. وهذه نعمة.

ويمكنك أن تواصل بنفسك إحصاء ما يترتب على نعمة النظر.. جرِّب وسوف تجد نفسك أمام مئات إن لم يكن آلاف النعم المترتبة على نعمة واحدة.. نعمة النظر.. فما بالك بباقى النعم.. الإحساس نعمة.. الصحة نعمة.. الحياة نعمة.. الوجود نعمة.. الراحة نعمة.. التذوق نعمة.. السمع نعمة.. استخدام يديك وقدميك نعمة.. عقلك نعمة.

هل تتصور بعد ذلك كله أن نعم الله محدودة ويمكن عدها وإحصاؤها؟

ويزيد من قيمة حمد الله على نعمه أن نذكر هذه النعم ونتحدث عنها.. (وأما بنعمة ربك فحدث)، فإذا سمح لى بالحديث عن النعم التى أنعم بها الله عليّ.. فليس أجمل عندى من نعمة رؤية الكعبة.

والحقيقة أن الله أنعم على برؤية الكعبة أكثر من مرة.. سافرت لأداء الحج مرة وأديت العُمرة مرتين.. وخلال تأدية الشعائر رأيت الكعبة أكثر من خمسين مرة.. ولا أبالغ لو قلت إننى فى كل مرة كنت أرى فيها الكعبة.. كنت أشعر أنها أول مرة..

فى أول مرة أؤدى فيها العُمرة وبينما كانت السيارة التى تقلنى على وشك الوصول إلى المسجد الحرام.. شعرت بجسدى يرتجف من الانفعال.. دخلت من الباب وفجأة ومن بعيد رأيت الكعبة.

لم أصدق يوما حكاية الحب من أول مرة والعشق من أول نظرة.. لكننى تأكدت من صحة هذه المقولة فى نفس اللحظة التى وقع فيها نظرى على الكعبة.

وقعت فى غرام الكعبة من أول لحظة.. وتسمرت قدماى فى الأرض وأنا أحاول استيعاب المشهد.. وفجأة وجدت نفسى وكأن يدًا خفية تشدنى فى اتجاه الكعبة.

اقتربت من الكعبة ولمستها بأصابعى وتحسست ستائرها.. وبدأت أطوف حولها كما قرأت وتعلمت.

رغم الزحام والتدافع أحسست أننى أطوف وحدى حول الكعبة.

طفت حول الكعبة سبعة أشواط وأتيح لى أن ألمس الحجر الأسود وأقبله.. وطوال مدة الطواف لم يسقط نظرى لحظة واحدة عن الكعبة.

الحمد لله الذى كتب لى أن أقف فى نفس المكان الذى وقف فيه النبى صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه.. الحمد لله الذى جعل جبهتى تلمس نفس الموضع الذى لمسته الجبهة الشريفة للنبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى..

والحقيقة أن الطواف حول الكعبة متعة لا مثيل لها لكنها تحتاج لكى تدركها إلى مهارة خاصة تتفادى بها الزحام الناتج عن الأعداد الهائلة للذين يطوفون حول الكعبة.. ثم التدافع نتيجة تصادم الداخلين إلى الكعبة مع الخارجين.. لكن عندما قررت يوما أن أطوف حول الكعبة من الأدوار العليا التى بنيت حولها أصابنى الذهول (!!!)

لم أرَ أثرًا للتدافع ولم أستطع أن أفرق بين حركة الداخلين وحركة الخارجين.. وإنما رأيت كتلة واحدة تتحرك وتدور بنفس السرعة.. كان المشهد يبدو وكأن كتلة من النور تدور وتلف حول الكعبة.

أقسم أننى رأيت هذا المشهد رؤية العين.

وعندما سافرت من جدة إلى المدينة لزيارة المسجد النبوى الشريف.. حرصت أن أصلى فى المسجد الصلوات الخمس وأن أصلى فى الروضة الشريفة وأن أزور النبى.. كل ذلك فى يوم واحد..

كان من الطبيعى أن يصيبنى الإرهاق من تأدية كل هذه الشعائر فى يوم واحد.. وعندما ركبت الطائرة فى الليل فى طريقى إلى جدة أحسست بشوق عظيم للكعبة.. فقررت أن أستقل سيارة من جدة إلى مكة لكى أراها وأطوف حولها وأمتع نظرى برؤيتها.. فعلت ذلك وأنا فى غاية التعب والإرهاق بعد اليوم الذى أنفقته فى زيارة المدينة المنورة وزيارة المسجد النبوى.. لكن الغريب أن كل ما كنت أشعر به من تعب وإرهاق اختفى وتلاشى عندما وقعت عيناى على الكعبة.

سبحان الله الذى جعل القلوب والأفئدة تهوى إليها.. الحمد لله أننى رأيتها!

الحمد لله.. الحمد لله الذى سمح لنا أن نحمده.. الحمد لله الذى علّمنا كيف نحمده.. الحمد لله الذى يحب أن نحمده.

وإذا كنا نحمد الله على نعمه فلا يجب أن ننسى أبدًا أن من بين هذه النعم.. أننا نحمده!

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2