اختتمت الاجتماعات السنوية لـ صندوق النقد الدولي و البنك الدولي اليوم، وسط أجواء من التفاؤل الحذر حول مستقبل الاقتصاد العالمي، حيث ركزت المناقشات على عدد من التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، بما في ذلك قضايا الاقتصاد الكلي، وأثر النزاعات والحروب المستمرة، مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتوترات منطقة الشرق الأوسط.
وقد تجنب المشاركون تناول التفاصيل السياسية خلال هذه المناقشات، مؤكدين أن هذا المنتدى يركز على الحلول الاقتصادية والمالية ولا يعد ساحة لمعالجة القضايا الجيوسياسية والأمنية، موضحين أن هذه الموضوعات تجد محافل أخرى للنقاش في إطار منظمات دولية مختصة.
وتطرقت الاجتماعات إلى موضوع التضخم العالمي، الذي شهد تراجعًا ملحوظًا بفضل سياسات نقدية صارمة اتبعتها العديد من الدول لمواجهة مستويات الأسعار المرتفعة، حيث انخفضت معدلات التضخم من 5.7% في الربع الأخير من العام الماضي إلى 5.3% في الربع الحالي، مع توقعات بأن يستمر هذا الاتجاه الهبوطي ليصل إلى 3.5% بحلول الربع الأخير من عام 2025، وأشار الصندوق إلى أن هذه الأرقام تمثل أسرع انخفاض في معدلات التضخم تشهده الاقتصادات المتقدمة منذ سنوات، إلا أنهم أكد على أن الحذر مطلوب، إذ سيظل تأثير المستويات المرتفعة للأسعار يشكل عبئًا على العديد من الأسر حول العالم، مما يزيد من ضغوط تكاليف المعيشة خاصة للأسر ذات الدخل المحدود.
وتناولت الاجتماعات تحديات النمو الاقتصادي البطيء وارتفاع مستويات المديونية على الصعيد العالمي، إذ توقعت التقديرات أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعدل سنوي يبلغ 3.2% خلال السنوات الخمس المقبلة، إلا أن هذه التوقعات كانت قد خضعت للتعديل نحو الانخفاض مرارًا في السنوات الأخيرة، مما يعكس استمرار صعوبة تحقيق النمو المتوقع في ظل هذه الظروف، كما أظهرت التقارير استمرار ارتفاع الديون العامة على الصعيد العالمي، مع تحذيرات من أنه في حالة حدوث سيناريو اقتصادي سلبي شديد، قد تتجاوز مستويات الدين العام التوقعات بنسبة تصل إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يرفع من خطر ارتفاع الديون الحكومية إلى تريليون دولار، وهو ما قد يؤدي إلى تضخم مدفوعات الفوائد التي ستلتهم جزءًا كبيرًا من الإيرادات المالية للدول، خاصةً في الاقتصادات الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض.
وناقشت الاجتماعات أيضًا تداعيات الارتفاع المستمر في المديونية العالمية، حيث شددت على أن الدول بحاجة إلى التركيز على تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة الكفاءة المالية، وتحقيق مستويات نمو مستدامة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، وتم التأكيد على أن العالم يشهد حاليًا انقسامًا متزايدًا، حيث أصبحت التجارة العالمية تمثل عاملاً أقل فاعلية في دفع عجلة النمو الاقتصادي مقارنة بالماضي، نتيجة لتراجع مفهوم التكامل الاقتصادي العالمي وظهور سياسات الحماية الاقتصادية وفرض الحواجز التجارية، وذلك يعود بشكل رئيسي إلى المخاوف المرتبطة بالأمن القومي والشعور بالظلم الذي تشعر به بعض الدول إزاء هذه القضايا.
وتم التأكيد في الاجتماعات على ضرورة تعديل الدول لسياساتها المالية والنقدية بما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، مشددين على أن الأولوية يجب أن تكون لدعم النمو الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا والمناخ، مع العمل على تعزيز الشفافية في الإنفاق الحكومي، وإعادة تخصيص الموارد بشكل فعال، كما أشار الخبراء إلى أن هناك ضرورة ملحة لتعاون عالمي في مواجهة هذه التحديات المشتركة، حيث دعا المشاركون إلى العمل معًا على المستوى الدولي لضمان تحقيق استقرار اقتصادي شامل ومستدام، مع التأكيد على أهمية التعاون متعدد الأطراف.
وخلصت الاجتماعات إلى أن الاقتصاد العالمي أظهر مرونة ملحوظة رغم الضغوط الاقتصادية المتزايدة، حيث بدأت معدلات التضخم في التراجع دون ظهور مخاطر ركود في الوقت الحالي، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة مع بقاء مستويات الأسعار مرتفعة، مما يزيد من عبء الدين العام، خاصةً على الدول ذات الدخل المنخفض، كما سلطت الاجتماعات الضوء على توقعات النمو الاقتصادي المنخفض في المستقبل، مما يتطلب اتخاذ إجراءات طويلة الأمد لتعزيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي في مختلف الدول.
وأكد المشاركون على أهمية مراقبة البنوك المركزية للبيانات الاقتصادية بدقة وتجنب خفض أسعار الفائدة في توقيت غير مناسب، مع ضرورة وضوح التواصل للحفاظ على استقرار التوقعات، أما فيما يتعلق بالاحتياجات طويلة الأجل، فقد شددت الاجتماعات على ضرورة مناقشة سياسات شاملة لتحفيز النمو الاقتصادي عبر تحسين الإنتاجية وتوسيع الفرص الاقتصادية للشعوب.
وفي هذا الإطار، أكدت على أهمية التعامل مع أزمة الديون بشكل واقعي، حيث إن الاعتماد على الاقتراض لا يمثل حلاً كافيًا لمشكلة الديون المتفاقمة، وضرورة تبني إستراتيجية أكثر شمولاً لدعم الدول المثقلة بالديون، عبر مبادرات مشتركة من الصندوق والبنك لمساعدة الدول التي تواجه تحديات في السيولة قد تؤثر على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
كما تناولت الاجتماعات أهمية الانضباط المالي وسرعة اتخاذ القرارات لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية التي تواجه الدول الأعضاء، حيث أشاد المشاركون بالتوازن الذي حققه الاجتماع بين التفاؤل والحذر، مما أدى إلى تحقيق عدة إنجازات مهمة.. وقد اتفق المجتمعون على أن الحفاظ على توازن بين الأولويات قصيرة الأجل والاحتياجات طويلة الأجل يعد أمرًا ضروريًا لضمان الاستقرار المالي، مشيرين إلى أن التخطيط المالي المتوسط المدى الذي يبدأ الآن أصبح أمرًا حتميًا لدعم استدامة الاستقرار المالي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وشددت الاجتماعات على أن الوقت قد حان للعمل بتعاون على مستوى العالم لمواجهة التحديات الاقتصادية المشتركة، وأن تنسيق الجهود وتوحيد الرؤى سيكونان مفتاحين لتحقيق تقدم فعال ومستدام في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية.