عاطف عبد الغنى يكتب.. شعب الجن الأحمر !

عاطف عبد الغنى يكتب.. شعب الجن الأحمر !عاطف عبد الغنى يكتب.. شعب الجن الأحمر !

*سلايد رئيسى31-3-2017 | 21:29

يحتاج الشعب المصرى الآن أن يقف أمام مرآة ضخمة بضخامة عدده وينظر فيها ملامحه.. لو تحقق هذا المشهد الافتراضى كيف سنرى أنفسنا؟!

ما هى ملامحنا التى سوف تعكسها المرآة بارزة، واضحة، جلية؟ وما وصفها؟ هل يغلب على الصورة الدمامة والقبح أم الملاحة والجمال؟! وهل تصدقنى إذا قلت لك إنه بُحكم عملى أطالع صورة المصريين فى هذه المرآة كل يوم؟ فإذا سألتنى كيف؟! أقول لك: فى أخبار الصحف، ونشرات الأخبار، ومقالات الكُتّاب المنشورة فى الداخل والخارج هذا غير الواقع الذى أعيشه وأتابعه.

(1)

فى الفترة الأخيرة توقفت كثيرًا أمام أخبار هيئة الرقابة الإدارية، أقصد قضايا الفساد التى تضبطها الهيئة، وقد باتت هذه الأخبار بسبب ديمومة نشرها وكثرة عددها، وكأنها باب يومي فى الصحف، ويمكن أن نضيف إلى أخبار وسائل الإعلام الكلاسيكية، مواقع التواصل، تعليقات الأفراد أو الصفحات الصريحة المخصصة لفضح الفساد على موقعى الـ «فيس بوك» و«تويتر» تلك التى تحمل عناوين مثل: «امسك مرتشى» أو «هاشتاجات» تحمل عناوين «المال العام» أو «إهدار المال العام».

وأخبار الضربات التى تسددها الرقابة الإدارية فى جسد الكائن الخرافى للفساد، وقراءة التفاصيل التى تحويها الأخبار عن هذه الضربات، وما بين السطور، خلقت حالة من الجدل بين المصريين الذين انقسم غالبهم إلى فريقين، واحد منهما يرى فى تلك الأخبار دليل عافية للمجتمع المريض بالفساد، ومن يرى ذلك هو مثل الذى يرى ظهور «زماميل» على وجه مريض فيقول له: الحمد لله البرد طلع على وجهك، أما الفريق الآخر فيرى أن الفساد تحول إلى مرض عضال لا شفاء منه، فسقط هذا الفريق فى مستنقع اليأس أو كاد، وذلك من فرط الظاهرة، ومن تعدد المجالات التى طالها الفساد، حتى يحسب المتابع أنه ما ترك على أرض مصر من دابة (تمشى على قدمين) ولا مؤسسة ولا شركة، إلا وأصابها وأحسب أننى وضعت نفسى فى فريق ثالث هو فريق الأقلية، وهذا الفريق مع إعجابه بنشاط الرقابة الإدارية غير المسبوق يسأل: وأين كانت عشرات الأجهزة الرقابية الأخرى التى تعمل فى مصر ؟! ماذا كانت تفعل فى الماضى؟ وماذا هى فاعلة الآن؟!

(2)

فى مصر عشرات الأجهزة الرقابية - هذه معلومة لا يعرفها كثيرون - منها ما يمثل هيئة مستقلة بذاتها، ومنها ما يتبع الحكومة، هذا غير اللجان التابعة لمؤسسات أخرى.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر لدينا هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، والنيابة الإدارية، وجهاز الكسب غير المشروع، ومباحث الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية، ويجمع هذه الهيئات أو أغلبها اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد التى تتبع رئاسة مجلس الوزراء ومهمتها التنسيق بين هذه الأجهزة، التى يمكن أن نضعها فى سلة الأهم فيما يخص الرقابة ومحاربة الفساد والفاسدين، وبشىء من التدقيق فى المسميات والمهام الموكولة لهذه الأجهزة سوف نكتشف أنها تتوجه فى عملها بالأساس للعاملين الخاضعين للدولة.. تحاسب وتراقب الموظف العام أو من فى حُكمه، وعلى هذا الأساس يمكننا فهم ملابسات الجرائم التى تضبطها الرقابة الإدارية وعلى رأسها جريمة الرشوة التى يدفعها فى الغالب الأعم مواطن إلى موظف عام مقابل تسهيل هذا الموظف للمواطن الحصول على مكاسب مادية أكبر بكثير من قيمة الرشوة، وبالطبع يكون هذا بالمخالفة للقانون، وحصول الراشى على ما ليس بحق له، أما الضحية فى هذه الجريمة فهى فى الغالب أيضا الدولة، لكن الدولة ليست كائنا هلاميا يسبح فى الفضاء، وأموالها أو أملاكها لها صاحب، وهذا الصاحب هو الشعب، المواطن، أنا وأنت، والنتيجة أن بعضنا يسرق بعض، ويسرق نفسه فى ذات الوقت فهو مواطن من مواطنى الدولة المنهوبة، وإذا كان هذا توصيف للجريمة وحيثياتها التى تجاوب عنها الأخبار المنشورة للحوادث فإن هذه الأخبار لا تجاوب غالبًا عن سؤال الدوافع التى دفعت المجرم للفساد.

(3)

ماذا حدث للمصريين، وبعبارة أخرى: ماذا حدث للشخصية المصرية فأوصلها إلى ما وصلت إليه، حتى طغت فيها نسبة الصفات الخبيثة على الحميدة، وصرنا نشتكى جميعا أحوالنا، لكن كل الذين يشتكون يتهمون الآخرين ولا يعترفون على أنفسهم، إلا من رحم ربك.

والذى حدث خلال الأربعين سنة الماضية أن الكبار أناموا ضمائرهم، ثم أماتوها، وتحولوا إلى لصوص، فقلدهم الصغار، وسرق كل برغوث على قدر دمه، هناك من نهب الملايين من فلوس الناس وهرب بها خارج مصر، وهناك من سرق غطاء «بالوعة» الصرف الصحى وكلاهما تسبب فى قتل آخرين، الأول تسبب فى إصابة بعض الذين سرق أموالهم من البنوك أو شركات توظيف الأموال بالسكتة القلبية فماتوا، والأخير تسبب فى سقوط شخص فى «البالوعة» المفتوحة فمات أيضا.. والجانيان ليسا لصين فقط ولكنهما قاتلان أيضا.

(4)

وفى مؤلفه الذى صدر منتصف الستينيات يحمل عنوان: «بناء البشر» حدد العالم الجليل الراحل د. حامد عمار السمات المميزة لشخصية المصرى الفهلوى القادر على أن يعيش تحت وطأة أى ظروف، ويتعامل مع أى شخصية، ويتباهى أنه يستطيع أن يلاعب «الجن الأحمر» وفى نفس الوقت يعايش الملائكة، ويفعل ذلك دون جهد، ولا يرى فيه غضاضة، هذه هى الملامح التى رصدها عمار عن المصرى فى الستينيات، لكنه عاد بعد 30 سنة ليرصد تحولات أخرى كبيرة فى شخصية المصرى..

تمثلت هذه التحولات فى خلل ملحوظ أصاب هذه الشخصية و أثرت على عقيدة الانتماء الوطنى والقومى لديها، وتسبب هذا الخلل أيضا فى اضطراب العلاقات بين الفرد والجماعة والدولة، وأدى ذلك إلى أن يكون حرص الفرد أو الجماعة، موجه بالأساس نحو الخلاص الذاتى، وتغليب المصالح الخاصة، ومن هنا ظهرت أعراض الفساد والإفساد وأعان على ذلك ما ساد مصر فى فترة السبعينيات من رضاء مؤقت (انفتاح عشوائى وازدهار وهمى) واكبه لهاث نحو الاستهلاك المفرط، وإعلانات متزايدة ومستفزة، وهو ما أدى فى النهاية إلى هشاشة العلاقات وشيوع نمط شخصية «الهباش» التى ورثت شخصية الفهلوى الذى يخطف بسرعة بقدر ما يستطيع وهو النموذج الغالب الآن..

وبعبارة أخرى فقد تحول الشعب الذى كان يلاعب «الجن الأحمر» - هو نفسه - إلى «جن أحمر، وأصفر، وأزرق» وعلى كل الألوان حتى صار يمر بأزمة وجودية.. كما يقول المثقفون، أو كما أقول أنا دائمًا، شعب لا يعرف ماذا يريد، بلا مشروع أخلاقى حقيقى يخلق له توازن نفسى مع بحثه عن الماديات الذى يكاد يصيبه بالجنون.

المصدر: عدد مجلة أكتوبر الصادر غدا السبت 1/4/2017

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2