أصل الحكاية اليوم، تعود لواحدة من الموروثات الشعبية التي لن تجدها إلا في الشرق الأوسط المرتبط في أذهان الكثير من دول العالم بالأساطير، وأسطورة اليوم، عن الجن في واقعتين الأولى في المغرب، والثانية في اليمن.
في المغرب "محكمة الجن".. لا تتوقف عزيزي القارئ، استعذ بالله وأنت تواصل القراءة.. فالمحكمة حقيقية وبطلها "شمهروش" قاضي قضاة الجن الذي يفصل بأحكامه بين المنتمين لنوعه والبشر.
أين يعيش شمهروش؟
"شمهروش" القاضي، لا يقطن فى قصر باذخ الترف بل فى ضريح يقع وسط جبال الأطلسى فى المغرب، وتحديدا على قمة جبل "توبقال" على ارتفاع يتجاوز 4 آلاف متر، يطلق عليه "بلاط سيدى شمهروش".. اللجوء إلى هذه "المؤسسة العدلية" يتطلب المشى على الأقدام أو على ظهور الحمير عبر طريق ملتوية صعبة، نحو عشرة كيلومترات، ولنحو ساعتين
وتقول الأسطورة إنه عندما لا تفيد الطقوس الاحتفالية ولا القرابين فى تهدئة الجان وإخراجه من جسد الإنس، فإن الحل الوحيد هو عقد محاكمة للجان، يبت فيها القاضى "شمهروش"، ويعتقد أن للمقام سبعة ملوك جان ينزلون بالمقام للفصل فى القضايا، وكل يوم مخصص لملك منهم.
مراكش نقطة الانطلاق
ويقول عبد الرحيم بركاش أحد أهالى المغرب وقاصدى "محكمة الجن"، لـ"أكتوبر"، مدينة مراكش هى نقطة الانطلاق، نسير بالسيارة نطوى مسافة تزيد على الخمسين كيلومترا فى عمق جبال الأطلس، مضيفا: منطقة إمليل، قرية صغيرة تعيش فى سكينة مريبة فى كنف سفح جبل توبقال الشهير، وهنا تنتهى علاقتنا بوسائل النقل الحديثة، لتتسلم صهوة البغال دفة القيادة فى اتجاه مقام "شمهروش".
وتابع: " تمشى البغال تتوغل فى المسالك الوعرة للجبل، وبين الفينة والأخرى تجد أفواجا من الرجال والنساء والشباب صاعدين إلى قمة الجبل أو عائدين إلى ديارهم، وكلما تقدمنا فى الطريق صار الجو قارص البرودة بالرغم من اعتداله فى السفح.
قرابين أصحاب المشاكل
صرنا نقترب شيئا فشيئا من هدفنا، وبين الفينة والأخرى يمر سرب من الغربان التى يعتقد ساكنة المنطقة أنها مسكونة "بالأرواح الشريرة".. منظر المكان يخلق إحساسا بالرهبة، صخور مبعثرة هنا وهناك، وصمت مطبق لا يكسره سوى صوت نهر صغير يخترق المكان.. من بعيد تلوح بضع بيوت متواضعة حول قبة بيضاء نصبت عليها أعلام بيضاء وخضراء، وصومعة صغيرة بجانبها، وعند وصلنا أمام "بلاط سيدى شمهروش.
وبحسب "بركاش"، يتوجه أصحاب المشاكل مع الجن لمقام "شمهروش"، كل خميس لتقديم القرابين والهدايا "السكر، الحليب، البخور، والحناء، وأحيانًا يتم ذبح ماعز ودجاج وماشية بأنواعها فى المذبح المجاور للمقام، تذبح فيه القرابين التى يجلبها بعض المواطنين لـ"ملك الجن"، للفصل بينهم وبين الجان الذى "يسكنهم" وحين لا تجدى الطقوس والقرابين، يتم عقد محاكمة للجان.
قاضى قضاة الجن
وبحسب القصص الشعبية المتداولة، فـ "شمهروش" هو ملكُ وقاضى قُضاة الجن ورئيسهم فوق الأرض وهو أحد مُلوك الجن السبعة وأكبرهم سناً، ويعتبره البعض بمثابة الأب الروحى للجن الأرضيين.. داخل هذه الصخرة يقع بلاط ملك ملوك الجان، الذى كان فى أزمنة ساحقة خلوة يلجأ إليها للتعبد فيها وحيدًا، أما عرشه فهو عبارة عن قبر صغير مغطى بثوب أخضر تحيط به جدران وألواح كتبت عليها بعض الأدعية الدينية وآيات قرآنية.
وحسب الموروث المحلى وكتب الجنّ، فإن عدد ملوك الجن الأرضيين هو سبعة ولكلّ يومه الخاص، فيوم الأحد هو للملك عبد الله المذهب، الذى يرتدى تاجا ويمتطى حصانًا من الذهب الخالص ويحكم 360 قبيلة من الجن.. الاثنين لـ"مرّة" أو "الآلهة ميرا" التى تقوم باستقراء مكنون النفس البشرية.. الثلاثاء لـ"أبا محرز" الأحمر وهو ملك شرس ويمتاز بالخدع العسكرية وطبعه الجدى والعصبي.. الأربعاء لـ"الملك برقان أبو العجائب" الملقب بفارس الإسلام.. الجمعة لـ"الملك الأبيض" وهو نائب شمهروش فى القضاء.. والسبت لـ"سيدى ميمون أبانوخ" أقوى الملوك الأرضيين.
خميس الأبيض والأخضر
أما الخميس فهو مخصص للملك "شمهروش" الذى يُقدس اللونين الأبيض والأخضر، كما أنهما اللونين الذين يُفضل ارتدائهما، وكان يضعهما على صدره كما يفعل القُضاة حالياً فى مصر.
ويقول عبد الرحيم بركاش المواطن المغربي، إنه بعد أن وصل المقام وجد أن القائمين على "مقام شمهروش" يصبغون قدسية كبيرة عليه، الجدران مكسوة بصور عليها آيات قرآنية وأدعية، وتحت الصخرة الكبيرة يوجد ما يشبه القبر مغطى بثوب أخضر ومحاطا بشموع بعضها مضاء، ومن تلك الصِبغة يمنع على غير المسلمين الاقتراب من المكان، وهكذا يجد الكثير من السياح الأجانب، الذين دفعهم الفضول لاكتشاف المكان، أنفسهم أمام لافتة كتبت بالعربية والفرنسية، "للمسلمين فقط".
وبمجرد دخول الشخص المصاب بمس من الجن إلى مقام شمهروش، يصاب بالصرع ويسقط أرضا ويصبح الجنى الذى "يسكنه" هو من يتكلم بلسانه.
طقوس وأجواء استثنائية
ويقول أشرف وهو أحد المترددين على ضريح "سيدى شمهروش"، الذى جلس بين العشرات أغلبهم من السيدات، على بضع طاولات خشبية متهالكة فى المقهى الوحيد بالمكان: "نحن نتبرك من هذا المقام لأنه مقدس، وهنا توجد أكبر محكمة للجن، سيدى شمهروش جن حى وليس ميت، وكما أن هناك محكمة للإنس، فهناك محكمة للجن.
وبحسب سكان المنطقة فإن محاكمة الجن تصحبها طقوسا وأجواء استثنائية، فكلما جرت أطوار محاكمة يصحبها رعد وبرق حتى وإن كانت درجة الحرارة تتجاوز 45 درجة مئوية.
ويقول أحمد مغازى "صديق مغربي"، إنه فى زمننا هذا لا يبدو لمثل تلك المعتقدات المشابهة لمحاكم الجن محل من الإعراب، إلا أنها راسخة عند بعض الفئات وتبقى أمورا مسلما بها، ولا يجوز بأى حال من الأحوال التشكيك فى مصداقيتها، خوفا من أن يجر ذلك عليهم لعنة أو سخطا يقلب حياتهم رأسا على عقب.
قصة أقرب للخيال
من المغرب إلى اليمن.. وفى حادثة غير قابلة للتصديق وأقرب للخيال.. يتناقل الشارع اليمنى ومواقع التواصل الاجتماعى قصة الشاب الذى ينتظر حكمًا ضده من محكمة الجن بعد تسببه بمقتل واحد من أفرادهم.
وفى التفاصيل بحسب التسجيلات الصوتيّة التى تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعى فإن الشاب اليمنى كان يعمل ضمن ألوية العمالقة فى شبوة حيث وقعت حادثة غريبة ومثيرة.
تسبب هذا الشاب بقتل جن كان متجسداً بهيئة إنسان، وقال إنه قتله عن طريق الخطأ وبحسب التسجيلات، قتل الجندى اليمنى جنيّاً متلبساً بصورة مخلوق من قبيلة آل الشيخ مما دفع والد المقتول أن يلبس فى جسد الجندى بعد أن عاد إلى منزله وعرض الشاب اليمنى نفسه على معالجين الجن الذين أكّدوا هذا الأمر وأخبروه بالحقيقة وأن والد المغدور يريد حياته مقابل حياة ابنه.
محاكمة الجن للشاب
وأضاف الداعية الذى لجأ إليه الجندى فى التسجيل الصوتى بأن الجنّ عقدوا مجلس لمحاكمة الشاب وينتظرون صدور الحكم القضائي، حيث أثار هذا الأمر ردود فعل كبيرة بين المواطنين.
وبحسب مصادر جديدة متداولة من اليمن وضمن تطورات الأحداث، فإن والد الجنّى تنازل عن حقه وسامح قاتل ابنه، وطالبه بالانتباه فى المرات المقبلة.
وبالرغم من انتشار الصور والفيديوهات وتأكيد المقربين لهذه الروايات الغريبة، إلا أن العديد من الأشخاص لم يصدقوها وقالوا إنها مجرد خيال وغير قابلة للتصديق.
علم النفس
أما الأخصائية النفسية آية ناصر نفت تلبس الجن والشيطان للإنسان، وأكدت لـ "أكتوبر"، أن ذلك لم يثبت علميًا، وأن الأعراض والحركات اللاشعورية التى تظهر على بعض المرضى والمصابين هى اختلاط اللاوعى بالوعى نتيجة الضغوط النفسية والاجتماعية وبعض حالات العصبية الهستيرية، أو اضطرابات فى الشخصية.
رأى الدين
قال فضيلة الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الديار المصرية الأسبق، ذَكر اللهُ السحرَ فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم، كما ورد ذكره فى السُنَّة المطهَّرة، وثبت أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم صنع له لبيدُ بن الأعصم سحرًا، يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» رواه البخاري، وعَدَّ منها السحر، ولقد ذكر العلماء أن جمهور المسلمين على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعنى كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله تعالى وحده؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. فقد نفى الله -عز وجل- عن السحر التأثير الذاتى ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله تعالى، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء. ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل فى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]؛ أى إن الحبال لم تنقلب فى الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين، ومن الآيات الكريمة نفهم أن الشياطين هم الذين يعلِّمون الناس السحر، وأن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة لخداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذى ينفعه أو يضره؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه أبو داود والطبراني.
وبناء على ما ذُكر: فإنه يجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله تعالى، ولا يقع فى ملكه تعالى إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به، ولو كان ثمة من يوثَق به فى رفع هذا المرض فلا بأس به.