منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، واندلاع الحرب في قطاع غزة ، يشهد جيش الاحتلال ارتفاعا كبيرا لمعدلات سرقة الأسلحة والذخائر من داخل مستودعاته وعلي يد جنوده، وحسب صحف إسرائيلية، فإن هذا النوع من الجرائم لم يكن وليد الحرب، بل كان أمرًا شائعًا منذ عام 2019، ولم يستطع جيش الاحتلال الحد منه والتعامل معه كما يجب، بل ومنذ أحداث غزة ألف جيش الاحتلال المشهد وأصبحت تتوالي جرائم السرقة كل يوم من قاعدة مختلفة، وتكشف التحقيقات التي تجريها الشرطة العسكرية بيع الأسلحة والذخائر المسروقة في نهاية الأمر لأعضاء المنظمات الإجرامية الإسرائيلية التي تهدد الأمن الإسرائيلي في الداخل.
وانتشرت سرقات الأسلحة ب جيش الاحتلال رغم وجود قانون يمنع ذلك وينص علي أن «الجندي أو الموظف المدني في جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي يسرق ممتلكات الجيش، سواء كانت وقودًا أو طعامًا أو أي ممتلكات أخري ذات قيمة مالية، فإنه يرتكب جريمة جنائية، ويعاقب بالحبس لمدة تتراوح عقوبتها بين 3 و7 سنوات في السجن»، كما هو محدد في المادة 84 من القانون الإسرائيلي - القضاء العسكري».
ووقعت أشهر حوادث سرقة الأسلحة التي شهدها جيش الاحتلال مؤخراً، حسب موقع «واللا» الإسرائيلي، في شهر أغسطس الماضي، عندما عُثر في بيت جندي إسرائيلي بمحطة بنيامين بالخليل، علي كميات كبيرة من الأسلحة المسروقة ، ويشتبه بأن الأسلحة والمعدات التي تم سرقتها كانت من قاعدة عسكرية توجد في غلاف غزة .
وعُثر في منزل المشتبه به علي قنابل يدوية وقنابل صوت ودخان ورصاص وأجزاء أسلحة وسترات خزفية وخوذات والعديد من المعدات العسكرية الأخري، وخارج منزله، في منطقة مفتوحة في يهودا والسامرة، تم العثور علي 12 قنبلة أنبوبية أخري وعدد من قنابل الرش وقنابل الدخان وآلاف طلقات الرصاص الأخري، وبعد نتائج التحقيقات تم اعتقال الجندي ثم تسليمه إلي الشرطة العسكرية لتلقي المزيد من العلاج النفسي.
وفي حادثة أخري في شهر سبتمبر الماضي، اقتحم عدد من المشتبه بهم من جنود الاحتلال القاعدة 906 في الجنوب، ودخلوا منطقة المدي، واستولوا علي 18 حاوية مُحملة بمعدات عسكرية، ومن بين المعدات العديد من الخراطيش والسترات الخزفية والسترات المضادة للرصاص ومعدات الحماية ومعدات الرؤية الليلية ومعدات الوحدات الخاصة.
ظاهرة سرقة الأسلحة من مخازن جيش الاحتلال برزت أواخر عام 2023، مع قضية وري يافارح الشهيرة التي أثارت جدلاً كبيراً في إسرائيل، وهو أحد سكان تل أبيب الذي قُبض عليه حينها بتهمة انتحال شخصية أحد رجال الشاباك الإسرائيلي في 7 أكتوبر، وانتحل صفة مقاتل وشرطي إسرائيلي كذلك، وسرق أسلحة من منطقة القتال في الجنوب، واستولي علي كمية كبيرة من الذخيرة، منها قنابل يدوية وخراطيش رصاص وطائرة بدون طيار وغيرها.
ومؤخراً في شهر أكتوبر الماضي، حكمت المحكمة المركزية في تل أبيب علي «يافارح» بالسجن لمدة 15 شهراً فقط، بتهمة حيازة الأسلحة بشكل غير قانوني بعد أن أتُهم في الأصل بانتحال صفة جندي وشرطي، وكما ذكر موقع N12 جاء الحكم مخففًا بهذا الشكل علي يافارح باعتباره شارك في القتال بغزة، وأدي دوراً كبيراً كمسعف أدي به واجبه نحو إنقاذ العديد من الجرحي.
وبالإضافة إلي قضية يافارح، هناك حادث «زنوفار»، نسبة لوقوعه في معسكر تدريب زنوفار بهضبة الجولان في نوفمبر 2023، والذي حدث به عملية سرقة ضخمة للأسلحة وفي وقت قصير للغاية، حيث إنه في غضون دقائق، تمت سرقة حوالي 70 ألف رصاصة بندقية و70 قنبلة يدوية من القاعدة.
وحسب تحقيقات الشرطة العسكرية، أفادت المعلومات الاستخباراتية بأن عملية زنوفار نفذها أحد الجنود الذين شاركوا في الحرب في غزة، وبعد رجوعه من الحرب أوقعه أحد العملاء السريين في الشرطة العسكرية بالاتصال به علي أنه عميل يريد شراء كمية كبيرة من الذخائر والأسلحة بثمن كبير، وتم تقديم الجندي المشتبه به لتمديد الاعتقال لدي المحكمة العسكرية في كفار يونا، وتم تمديد اعتقاله.
وحسب موقع «واللا» الإسرائيلي، انتقد عدد كبير من القادة العسكريين تعامل جيش الاحتلال مع هذه الأزمة، معتبرين أن سرقة السلاح من الجيش من أخطر الجرائم التي تعيشها دولتهم، والتي مازال الجيش والشرطة العسكرية الإسرائيلية يواجهونها بالإهمال أو ما أطلقوا عليه «الإهمال الإجرامي»، والذي يتحول إلي كارثة عندما يُقتل مدنيون إسرائيليون علي يد قتلة من المنظمات الإسرائيلية الإجرامية باستخدام أسلحة مسروقة من الجيش.
وأعد يعقوب بوروفسكي القائد السابق للمنطقة الشمالية في الشرطة الإسرائيلية، أن ما يحدث من سرقات لأسلحة جيش الاحتلال يعد انقلاباً، وأن الجيش والشرطة لا يتعاملان معه بشكل صحيح، وأنه يستحيل أن تتم جرائم السرقة بأي قاعدة عسكرية دون معلومات داخلية، ما يعني أن الجيش مهمل ولا يستعد وفقا للقواعد.
وأضاف بقوله: «الجيش ليس مهملاً فحسب، بل أنه لا يتصرف في أبسط الأمور، ولا يطبق أصعف وسائل الأمن لحماية ذخائره، والخيانة الداخلية بين عناصره أصبحت شيئا مألوفا».
وأشار الجنرال يتسحاق باريك، حسب موقع N12 الإسرائيلي، إلي أنه «لا يمر أسبوع دون وقوع جريمة سرقة أسلحة وذخيرة من قواعد الجيش الإسرائيلي في الشمال والوسط والجنوب»، وبحسب قوله فإنه لم يتم الإبلاغ عن العديد من الحالات علي الإطلاق، مضيفاً أنه في حالات أخري يقومون ببساطة بإخفاء المعلومات، وما ينشر في وسائل الإعلام ما هو إلا تسريبات من داخل المنظومة العسكرية.
ووفقاً للبيانات التي حصل عليها موقع N12، حدثت في السنوات الثلاث الماضية 14 عملية اقتحام كبيرة لقواعد جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث سُرق ما مجموعه حوالي 650 ألف رصاصة عام 2023، و380 ألف رصاصة في عام 2022، وما يقرب من 100 ألف رصاصة عام 2021.
ومع اندلاع حرب السيوف الحديدية وارتفاع ظاهرة سرقة الأسلحة في جيش الاحتلال ، حسب صحيفة « يديعوت أحرونوت »، فقد أدركت المنظمات الإجرامية في إسرائيل أن الفرصة مناسبة وحددت لنفسها هدف التزود بأكبر عدد ممكن من الأسلحة والذخائر.
ويُحذر المراقب المتقاعد يوسي سيدفون، الذي شغل سابقًا منصب رئيس AHAM (قسم التحقيقات الاستخباراتية) في تل أبيب ، من ارتفاع معدل الجريمة من قبل المنظمات الإجرامية ب إسرائيل بسبب أسلحة جيش الاحتلال المسروقة، قائلاً «في نهاية الحرب، سنشهد زيادة في عدد حوادث التخريب ضد المؤسسات الحكومية وأهداف أخري».