لواء دكتور سمير فرج يكتب.. شخصيات فى حياتى: (٤) المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة
لواء دكتور سمير فرج يكتب.. شخصيات فى حياتى: (٤) المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة
من القادة العسكريين، الذي نال، عن استحقاق، حب وتقدير واحترام، جميع أبناء القوات المسلحة، ليس في مصر فقط، وإنما على مستوى العديد من دول العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي عمل في عاصمتها واشنطن، كملحق عسكري، لمدة 7 سنوات، تقريباً، اكتسب خلالهم صداقة أهم السياسيين في الكونجرس، وكبار العسكريين في البنتاجون. حصل، خلال تلك الفترة، على دبلوم الشرف من كلية الحرب الأمريكية عام 1979، كما حصل على دورة قادة التشكيلات المدفعية من أكاديمية ستالين بالاتحاد السوفيتي، بعدما حصل على شهادة كلية الحرب العليا، من أكاديمية ناصر.
أجاد ثلاث لغات أجنبية، هي الإنجليزية والروسية والفرنسية. ومن العسكريين المصريين، القلائل، الذين لهم العديد من المؤلفات العسكرية، والمدنية. شهدت القوات المسلحة المصرية، في عهده، طفرة كبيرة في مجال التسليح، لعلمه الخاص بأن انتصارنا في حرب أكتوبر عام 1973، كان معتمداً على الأسلحة والمعدات الروسية القديمة، مما دفعه، فيما بعد لتنويع مصادر تسليح القوات المصرية، وله يعود الفضل في إقناع الولايات المتحدة، بالموافقة على تصنيع الدبابة الأمريكية (M1A1)، في مصر. ولم يكتف بذلك، بل أسس برنامجاً سرياً لتصنيع الصواريخ الباليستية، بالتعاون مع الأرجنتين، لصناعة الصاروخ بدر 2000 (كوندور)، إلا أن المخابرات الأمريكية اكتشفت تهريب أجزاءً تستخدم في صناعة الصواريخ، مما تسبب في مشكلة سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة، في هذا التوقيت.
تدرج المشير أبو غزالة في سلاح المدفعية حتى تولى قيادة مدفعية الجيش الثاني، أثناء حرب أكتوبر1973، ليصنف، عالمياً، بأنه أول من أدار نيران مدفعية جيش بالكامل خلال هذه الحرب. وبعدها تولى منصب ملحقاً للدفاع في واشنطن، وعاد منها ليتولى إدارة المخابرات الحربية المصرية، قبل تعيينه رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة. استكمل المشير غزالة مسيرته، فأصبح وزيراً للدفاع في عهد الرئيس السادات، ثم مساعداً لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس حسني مبارك. حظي المشير أبو غزالة بشعبية عارمة بين صفوف القوات المسلحة، لقربه الشديد من الضباط والجنود؛ فبالرغم من توليه أعلى القيادات والمناصب، إلا أنه لم يتخل عن عادته، اليومية، في لعب كرة القدم مع الجنود والضباط، ولم يغب عن أي مناسبة عائلية أو اجتماعية للقيادات القوات المسلحة.
كان المشير أبو غزالة، صاحب حس وطني عالي، وقدرة على مبارزة عدوه سياسياً ونفسياً، فيحسب له أنه بعد انسحاب إسرائيل من سيناء، وقرار الجنرال شارون بهدم مستعمرتهم ياميت، التي كانوا قد أقاموها بالقرب من رفح، يحسب للمشير أبو غزالة، أنه قام، فوراً، بإنشاء مصانع كاملة، للمشروبات والعصائر وزيت الزيتون، في نفس مكان المستعمرة، وهي تلك المنتجات السيناوية التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا في السوبر ماركت، تأكيداً على أن مصر لم يهزمها شارون.
واسمحوا لي أن أنقل لكم شهادة السيد ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن)، ومساعد وزير الدفاع في عهد الرئيس رونالد ريجان، والذي يعتبر، حالياً، واحداً من أهم الشخصيات في الإدارة الأمريكية، لعضويته، ضمن خمسة أعضاء، في المجلس الأمريكي الأعلى لسياسات الدفاع، المسئول عن وضع تصور لسياسات أمريكا في الدفاع عن أراضيها وعن مصالحها الخارجية، لعرضه على البنتاجون لدراسته وتبنيه. والذي عرفته، شخصياً، أثناء مشاركتي سابقاً في اللجنة العسكرية الأمريكية-المصرية، التي تنعقد سنوياً، لتحديد مطالب مصر من المعونة الأمريكية العسكرية. كان اللقاء في ذلك العام في مبنى البنتاجون، في واشنطن، وكان رئيس الوفد المصري، آنذاك، هو الفريق صفي الدين أبو شناف رئيس الأركان، رحمه الله. كان هذا الرجل، أرميتاج، من ضمن أعضاء الوفد الأمريكي، وكان من أذكى العسكريين الذين قابلتهم في حياتي، واستمر معنا اسبوعاً كاملاً، يناقش مطالب مصر من المعونة الأمريكية العسكرية في مختلف الاتجاهات، البحرية، والجوية، والبرية، والتدريب والصيانة ... إلخ.
دارت السنوات، ومنذ عامين، في زيارة لي إلى واشنطن، التقيت، مرة أخرى، مع السيد ريتشارد أرميتاج، بصفته واحد من ضمن الخمس الكبار في الجيش الأمريكي. امتد اللقاء بيننا لمدة ساعة، استغرق السيد أرميتاج نصفه في حديث عن المشير أبو غزالة، مشيداً ببأسه، وثقافته، وعلمه العسكري، وذكائه، وكيف استحق احترام أعداءه قبل أصدقائه وحلفاءه، قائلاً، بالحرف الواحد "إن المشير أبو غزالة من أعظم العسكريين الذين قابلتهم في حياتي على الإطلاق". وتذكر السيد أرميتاج أن المشير أبو غزالة دعاه في أحد زياراته إلى مصر، لقضاء يوم في ريفها، تناول خلاله الفطير المشلتت، والعسل، والجبن، والبيض بالزبدة، وأهداه المشير أبو غزالة جلباب بلدي اثناء وجوده هناك.
أثناء ذلك اللقاء الأخير الذي جمعني بالسيد أرميتاج، تناقشنا بشأن الأوضاع السياسية في المنطقة، وكان الرجل، حينها، عائداً لتوه من تركيا، فقال لي أنه أبلغ أردوجان بخطأه في عدائه لمصر، لأنها أقوى دول المنطقة، مستطرد بأن أردوجان وضع شروطاً للعودة إلى مصر، أراها مستحيلة التنفيذ ... وهو ما يمكن أن نتناوله في وقت آخر.
وبالنسبة لي شخصياً، فللمشير أبو غزالة، فضل كبير على مستقبلي في القوات المسلحة، فعندما جاءت ترشيحات القبول في كلية الحرب العليا، كنت أول المرشحين من ضباط المشاة، من بين عشرين ضابط، وعندا عرض الاسماء على اللجنة العليا، استبعدني أحد القادة، لخلافي معه، في أحد المشروعات التكتيكية، عندما كنت قائد لواء مشاة، إذ قدمت فكرة جديدة، دار بشأنها نقاش موسع، انتهى بترجيح فكرتي على رأي هذا القائد. وعندما علمت برفع اسمي من قوائم المرشحين، رتب لي مدير المشاة، اللواء فوزي خليل رحمه الله، مقابلة مع المشير أبو غزالة، أبلغته خلاله بحيثيات ما تم، فأمسك بهاتفه، وأجرى عدد من المحادثات ليقف بنفسه على أبعاد الموقف، قبل أن يتصل بمدير شئون الضباط، قائلاً " يتم إدراج اسم سمير فرج فوراً".
وبعد عام ونصف من الدراسة، حصلت على المركز الأول في التخرج، وكان الفريق يوسف صبري هو وزير الدفاع، آنذاك، وحضر حفل التخرج، وكرمني باستلام شهادة التفوق والمركز الأول. وما أن انتهت مراسم الاحتفال، حتى اتصلت بالسيد المشير أبو غزالة، وكان قد أصبح مساعداً لرئيس الجمهورية، لأقول له بأنني شرفته ولم أنس دينه المعلق في رقبتي ... ولم أنس أن له الفضل، بعد الله سبحانه وتعالى، لما أنا فيه اليوم ... رحم الله المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة ... أحد أعظم رجالات العسكرية المصرية.