نُشِر قدر كبير من الأبحاث حول مستقبل العمل منذ إصدار المنتدى الاقتصادي العالمي الطبعة الأولى منه حتى الآن، وتشير الاستنتاجات المستخلصة من هذه الأدبيات إلى مزيج من التفاؤل والحذر. فقد أحدثت القوة المزدوجة للتكنولوجيا والعولمة تحولات عميقة في أسواق العمل على المدى القريب، ويتوقع العديد من المحللين أن التطورات التكنولوجية قد تؤدي إلى انكماش فرص العمل بشكل عام.
ومع ذلك، تشير العديد من الدراسات التي جُمِعت إلى ظهور فرص عمل جديدة عبر البلدان وسلاسل التوريد. كما أثبتت الأبحاث أن هناك ارتفاعًا في الطلب على الوظائف غير الروتينية التي تتطلب مهارات تحليلية، في مقابل أتمتة كبيرة للوظائف اليدوية الروتينية.
تاريخيًّا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أدى تبني التكنولوجيا الحديثة إلى استبدال ما يقرب من 2.6 مليون وظيفة خلال الفترة 2007 - 2018، وتتمثل أهم الوظائف التي تم استبدالها في: مشغلي الكمبيوتر، والمساعدين الإداريين، وموظفي حفظ الملفات، و موظفي إدخال البيانات وغيرها من الوظائف التي تتقادم بسرعة نتيجة التطور التكنولوجي.
ومن المرجح أن تكون الأضرار الناتجة عن التغيرات غير المسبوقة التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 وتوابعها أكثر تأثيرًا على الأفراد والمجتمعات الأقل تقدمًا والأكثر حرمانًا. ففي غياب الجهود الاستباقية، من المرجح أن يتفاقم عدم المساواة بسبب التأثير المزدوج للتكنولوجيا والركود الناتج عن الوباء. وقد تتبع معهد ADP للبحوث المتخصصة في أسواق العمل، والذي يُعد شريكًا في إصدار تقرير مستقبل الوظائف لعام 2020، تأثير جائحة كوفيد-19 على سوق العمل في الفترة (فبراير - مايو) 2020، وأظهرت البيانات أن العمال النازحين كان معظمهم من الإناث، والشابات، وذوي الدخل المحدود.
وإذا ما قارنّا تأثير الأزمة المالية العالمية لعام 2008 على الأفراد من أصحاب المستويات التعليمية المنخفضة بتأثير الجائحة، فإن التأثيرات الحالية أكبر بكثير؛ مما يحمل احتمالية كبرى لتوسيع الفجوات الموجودة.
حاليًّا، فإن ما نسبته 21% فقط من الشركات حول العالم قادرة على الاستفادة من الأموال العامة لبرامج إعادة تأهيل المهارات وصقلها. وعليه، سيحتاج القطاع العام إلى نهج ثلاثي المستويات لمساعدة العمال، يشمل توفير شبكات أمان أقوى للعمال النازحين، وتحسين أنظمة التعليم والتدريب، وخلق حوافز للاستثمار في الأسواق ووظائف المستقبل.
يمكن للشركات أيضًا اعتماد مقاييس للحوكمة، ومقاييس بيئية واجتماعية (EGS) للموظفين والكشف عنها؛ مما سيُساعد في قياس النجاح، وتقديم الدعم عند الحاجة، وضمان تحديد الفجوات الجديدة التي تظهر وإغلاقها بسرعة.
وظائف المستقبل:
1. العمل من المنزل Work from Home
قبل عام 2020، تشير التقديرات إلى أن أقل من 5% من الشركات لديها سياسات العمل عن بُعد. الآن، وبعد مرور عدة سنوات على جائحة كوفيد-19، أصبح العمل عن بُعد هو القاعدة. ترغب الشركات في تطبيق الدروس المستفادة من هذه الفترة لتحسين تجربة العمل من المنزل.
2. مدير تصميم المنازل الذكية Smart Home Design Manager
ستكون من بين الدروس المستفادة من الجائحة بالنسبة للكثيرين هي أن "منزل كل فرد هو قلعته". مع زيادة الطلب على منازل مخصصة للعمل من المنزل، سيزدهر دور مديري تصميم المنازل الذكية؛ حيث سيعملون على بناء أو تعديل المنازل لتشمل مساحات مكتبية مخصصة، مزودة بأجهزة توجيه في الأماكن المناسبة، وعوازل للصوت، ومداخل منفصلة مدفوعة بالصوت، وحتى شاشات حائط زجاجية من .(Gorilla)
3. مهندس بيئة أماكن العمل Workplace Environment Architect
ستخضع جميع عناصر هندسة المكاتب بعد الجائحة، بدءًا من الفحوصات الصحية إلى تنقلات المصاعد، لعملية إعادة تفكير شاملة. أصبحت أهمية رفاهية الموظف وكيفية تأثير التصميم الذي يركز على الإنسان للممتلكات العقارية على هذه الرفاهية أمرًا حاسمًا لمستقبل العمل.
4. مدقق التحيز في الخوارزمية Algorithm Bias Auditor
أدت أنماط الحياة "طوال الوقت عبر الإنترنت" للعمل والترفيه إلى تسريع الميزة التنافسية المستمدة من الخوارزميات من قبل الشركات الرقمية. لكن مع ازدياد التدقيق القانوني على البيانات، فمن المؤكد أن عمليات التدقيق ستساعد في ضمان أن تكون القوى العاملة المستقبلية أيضًا قوة عاملة عادلة.
5. محقق البيانات
تظل فرص عمل علماء البيانات هي الوظيفة الأسرع نموًّا في مجال "الخوارزميات والأتمتة والذكاء الاصطناعي". منذ إنشائها، حققت معدل نمو بنسبة 42% في الربع الأول من عام 2021. ومع تزايد الطلب على هذه المهارات، سيظل علم البيانات يشكل مهارة مطلوبة؛ مما يجعل محققي البيانات حاسمين في سد الفجوة لمساعدة الشركات على استكشاف الألغاز في البيانات الضخمة.
6. متنبئ الكوارث الإلكترونية (الهجمات السيبرانية) Cyber Calamity Forecaster
بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19، يمكن القول إن الكارثة الكبرى الأخرى كانت الهجمات الإلكترونية المتزايدة، بالإضافة إلى الأنشطة الضارة التي تنفذها جهات فاعلة فردية من خلال برمجيات الفدية. في هذا السياق، تبرز أهمية وجود متنبئين بالكوارث الإلكترونية؛ حيث تُعَد القدرة على التنبؤ بمثل هذه الأحداث أمرًا بالغ الأهمية لتحذير المؤسسات والمجتمعات من المخاطر المحتملة.
يعمل متنبئو الكوارث الإلكترونية على تحليل البيانات واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لرصد الأنماط والسلوكيات المشبوهة؛ مما يمكنهم من استشراف التهديدات قبل وقوعها. يساعد هؤلاء المتنبئون في تعزيز أمن المعلومات، وتطوير استراتيجيات استجابة فعالة، وتقليل الأضرار المحتملة الناتجة عن الهجمات السيبرانية.
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، ستصبح وظائف متنبئي الكوارث الإلكترونية ضرورية لحماية المؤسسات والمجتمعات من المخاطر السيبرانية المتزايدة وضمان استمرارية الأعمال في عالم يواجه تهديدات متزايدة.
بناء على ما سبق، من المتوقع أن يكون هناك نمو في الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا، مثل: محللي البيانات، ومهندسي الروبوتات، ومتخصصي التحول الرقمي؛ مما يشير إلى تحول كبير في نوعية المهارات المطلوبة بسوق العمل. وستعاني سوق العمل العالمية من نقص في المهارات المناسبة لمتطلبات الأدوار الوظيفية الناشئة؛ مما يشكل عائقًا أمام تبني التقنيات الجديدة، وهذا يعزز الحاجة إلى استثمارات في التعليم المستمر والتدريب على رأس العمل.
ومع تزايد التهديدات السيبرانية، ستظهر الحاجة لتوظيف مختصين في مجال الأمن السيبراني لضمان الحماية المستدامة للشركات والمجتمعات من المخاطر الرقمية المتزايدة. فقد أظهرت جائحة كوفيد-19 ضرورة التحول الرقمي في مختلف الصناعات، وتزايد الاعتماد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي؛ مما أدى إلى إعادة تشكيل سوق العمل بسرعة أكبر من المتوقع