تعرض «مشكاة زجاجية» نادرة ومزخرفة بصورة إبداعية من مسجد ومدرسة السلطان سيف الدين صرغتمش بحي السيدة زينب في القاهرة، في «دار بوناهمز» بلندن، وحطّمت الرقم القياسي كـ أغلى مصباح يتم بيعه في العالم، بعدما أعلنت الدار بيعه بنحو 6.5 ملايين دولار.
وفي ضوء هذا، أوضح خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ و الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن بيع هذه المشكاة غير قانوني تمامًا ما لم تُقدم سندات ملكية لها، وكل ما يعرض في المزادات العلنية يباع بأوراق مزورة وما أعلن عنه بأن المشكاة تم بيعها خلال الفترة من 1843 إلى 1857، غير موثوق به ومن حق مصر المطالبة بالأوراق التي تثبت خروجها من مصر بشكل شرعي، قبل قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته.
وأشار الدكتور "ريحان"، إلى القوانين السابقة على قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983، ومنها القانون رقم 14 لسنة 1912، والذي أجاز في المادة 4 تجارة الآثار بترخيص، ونصها (يجوز مع ما تقدم الإتجار بـ الآثار التي تؤول إلى المكتشف بناء على المادة الحادية عشرة من هذا القانون أو على شروط رخصة بالحفر بناء على المادة الثانية عشرة ويجوز الإتجار أيضا ب الآثار الخاصة بمجموعات اقتناها بعض الأفراد بسلامة نية).
وفي المادة 13 من هذا القانون (على كل متاجر بـ الآثار أن يكون بيده رخصة اتجار ولمصلحة الآثار وحدها الخيار في إعطائها أو رفضها وعلى ناظر الأشغال العمومية تقرير شروطها لاسيما فيما يتعلق بكيفية تقرير ما إذا كانت الآثار المعروضة للبيع مما يجوز الإتجار به أم لا).
وفي المادة 14 (يمتنع إخراج الآثار من القطر المصري إلى البلاد الأخرى ما لم يكن ذلك برخصة خصوصية يكون لمصلحة الآثار التاريخية وحدها إعطاؤها أو رفضها على أن كل أثر يحاول بعض الناس إخراجه من القُطر بدون رخصة يحجز ويصادر للحكومة).
والقانون 215 لسنة 1951، الذي أجاز الاتجار في الآثار ولكن بشروط، حيث تشترط المادة 24: (لا يجوز الاتجار في الآثار إلا بترخيص وزارة المعارف العمومية ويصدر بتنظيم هذا الاتجار قرار من وزير المعارف العمومية)، كما نصت المادة 26 من نفس القانون: (لا يجوز تصدير الآثار إلى الخارج إلا بترخيص من وزير المعارف العمومية بعد موافقة المصلحة المختصة)، وبهذا فقد أجاز هذا القانون تجارة الآثار بترخيص من وزارة المعارف العمومية وقد تم إلغاؤه بقانون حماية الآثارعام 1983، لذا فإن «دار بونهامز» وجب عليها تقديم مستندات للحكومة المصرية تثبت خروجها بشكل شرعي، حيث أن معظم ما يباع بهذه المزادات يتم بأوراق مزورة لإيجاد صيغة ملكية غير قانونية حديثة لتبرير البيع.
ونوه الدكتور ريحان، إلى ما أعلنته «دار بونهامز»، بأن مشكاة صرغتمش ظهرت لأول مرة في القرن التاسع عشر ضمن مقتنيات هاوي التحف الفرنسي شارل هنري أوجوست شيفير، والذي جلبها إلى باريس، وقد كان "شيفير" المولود عام 1820، مقربًا من السلطان العثماني ومترجمًا معتمدًا في بلاط الباب العالي.
تنقلت المشكاة خلال ملكية شارل شيفير بين 3 متاحف شهيرة، على رأسها متحف اللوفر بينما تم تصويرها في 10 كتب من كتب الفن والتحف خلال تلك الفترة، وانتقلت المشكاة لاحقًا لحيازة بوغوص نوبار نجل أول رئيس وزراء مصري نوبار باشا، وقد استخدمت عائلة نوبار المشكاة كزهرية للورد الجاف وبقيت المشكاة لديهم نحو قرن من الزمان، وكان آخر مالك للمشكاة ورثة أركيل نوبار الذين باعوها بواسطة دار المزادات، وبهذه القصة فقد خرجت المشكاة من مصر بصورة قانونية لتسلسل ملكيتها مما ساهم في زيادة سعرها.
ويوضح الدكتور ريحان، بأنها لو خرجت في هذا التوقيت حين كانت مصر ولاية عثمانية فقد خرجت في ظروف عدم ولاية مصر على آثارها وظروف استعمار فرنسي وبريطاني، وقد خرج حجر رشيد في عهد الدولة العثمانية، حيث كانت مصر تابعة للخلافة العثمانية منذ 1517 حتى 1799، وبدخول المستعمر الفرنسي انقطعت تلك التبعية لمدة 3 سنوات، عادت بعدها مصر إلى الخلافة العثمانية منذ 1801 حتى 1914، وهو تاريخ إعلان الانتداب البريطاني والذي استمر إلى عام 1922.
وكان للخلافة العثمانية دور في خروج حجر رشيد حيث كانت إنجلترا وروسيا و الخلافة العثمانية في حلف واحد لمنع توسعات بونابرت في أوروبا، وأمام إصرار إنجلترا على تسليم الجيش الفرنسي كأسرى حرب حتى لا يقاتل الجيش الفرنسي الخارج من مصر في الحرب الدائرة في أوروبا، فقد انتهت بالاتفاق علي خروج الجيش الفرنسي من مصر على سفن إنجليزية وعدة سفن أخرى، تدبرها الخلافة العثمانية مع تقليص عدد مدافع الجيش الفرنسي إلى عدد قليل جدًا حتى لا يستطيع الجيش المغادر الاشتراك في الحرب الدائرة بأوروبا.
ونظرًا للحلف القائم بين الخلافة العثمانية و إنجلترا في هذا الوقت، يعتبر إصرار إنجلترا على أخذ حجر رشيد من الفرنسيين أمرًا مقبولًا من قبل الخلافة العثمانية التي تعتبر مصر إحدى أقاليمها، وبالتالي فإن الخلافة العثمانية أعطت الإذن الضمني بالموافقة علي أخذ الأسلاب والغنائم المتحصلة من الجيش الفرنسي المغادر لحساب الإنجليز.
كما أشار الدكتور ريحان، إلى (اتفاقية اليونسكو 1970)، والتي وقعت عليها 123 دولة من بينها مصر، وهي الاتفاقية الخاصة بمكافحة الإتجار غير المشروع بالتحف الفنية والمنظمة، لآلية عودة القطع الفنية التي تم الحصول عليها بشكل غير شرعي إلى بلادها الأصلية، وبهذه الاتفاقية موافقة ضمنية من 123 دولة بعدم المطالبة بعودة آثارها المنهوبة قبل عام 1970، ويحتمل أن يكون من ضمنها هذه المشكاة لو خرجت بالفعل قبل قانون حماية الآثار عام 1983.
كما تشترط الاتفاقية، تقديم دليل على ملكية الآثار التي نهبت بعد عام 1970، ومعظم الآثار التي خرجت من مصر خاصة بعد عام 2011، في سنين الفوضى ناتج أعمال الحفر خلسة، وبالتالي فهي غير مُسجلة وليس لها سند ملكية، وبذلك تحرمنا هذه الاتفاقية من المطالبة بعودة هذه الآثار، رغم أنها آثار مصرية مهربة وتلجأ مصر إلى الاتفاقيات الثنائية التي تعقدها مع الدول بعيدًا عن هذه الاتفاقية، لتلافي هذا البند غير المنصف ومنها خمس اتفاقيات لمكافحة تهريب الآثار والاتجار في الآثار المسروقة مع (سويسرا وقبرص وإيطاليا وكوبا وبيرو وكينيا)، وجميعها بعيدة عن اتفاقية اليونسكو.
ويطالب الدكتور ريحان، الدول العربية الموقعة على الاتفاقية -15 دولة- حسب تاريخ التصديق هي (الكويت، ليبيا، العراق، مصر، الأردن، الجزائر، سوريا، تونس، السعودية، قطر، موريتانيا، عمان، لبنان، المغرب وفلسطين)، بالاتفاق على تعديل بنود الاتفاقية والتقدم بها إلى اليونسكو واستخدام كل وسائل الضغط لديهم لتعديل البنود المجحفة بالاتفاقية لضمان عودة الآثار التي خرجت بشكل غير شرعى من هذه البلاد.