سلسلة من التغييرات في شكل السياسة الأميركية وتوجهاتها، يتبناها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في ولايته الجديدة والثانية، تتعلق بمحاور عدة ولعل أبرز تلك المحاور هو أعضاء حكومته الجديدة الذي يُشكلها ترامب خلال الفترة الحالية، لاسيما أن هذه الإدارات تضم عددًا من السيناتورات الصقور، الذين يحملون رؤية "ترامب" فيما يتعلق بالنزاعات الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، بل وبعضهم معروف بالعنف والتصادم، ومعادي لأطراف عديدة في المنطقة، بعيدًا عن محددات أي صراع وتاريخه وأبعاده.
لذلك يترقب العالم وصول ترامب لمكتبه البيضاوي مع بداية عام 2025، خاصةً أنه أعلن خلال حملته الانتخابية بإحلال السلام في العالم، وكذلك تحسين الاقتصاد والجيش الأمريكي، فما هو تصور "ترامب" عن السلام، لا سيما أنه يختلط بالعنف، ويحمل في توجهاته الصفقات والربح لأمريكا أولًا.. فما هي ملامح هذا السلام؟.. وهل سينجح ترامب في تنفيذ وعوده؟
يبدأ الدكتور نادر الغول الباحث السياسي، والمحاضر بجامعة شمال إلينوي، قائلًا: وعود ترامب بحل الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط تحمل في طياتها تفاؤل بالنسبة للملف الروسي الأوكراني وتطرح سؤالا مهما بالنسبة للحرب في غزة، فـ بالنسبة «لأوكرانيا» بالفعل قام ترامب بإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهذا لم يحدث منذ بدء الأزمة في فبراير 2022، وأمس الجمعة، تحدث المستشار الألماني مع بوتين ايضًا، وهذا يُبشر بإمكانية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما أن المزاج العام لدى الجمهوريين أن لا مزيد من المساعدات لأوكرانيا لأنها بدون نتيجة، حسب تعبيرهم، وهذا ينسجم أيضًا مع العداء الترامبي لحلف الناتو.. لكن بالنسبة للشرق الأوسط هو وعد بانهاء الحرب ولكن لم يقل كيف وعلى أي أساس؟ فلا يمكن بكل الأحوال التفائل بهذا الوعد وخاصةً عندما نسمع آراء وتوجهات الأشخاص الذين اختارهم ترامب لإدارة الملف من ماركو روبيو وزير الخارجية القادم، أو سفير الولايات المتحدة في إسرائيل وحتى مبعوث ترامب للشرق الأوسط.
وأضاف لـ«بوابة دار المعارف»: بالنسبة لوعوده الداخلية الخاصة بتقوية الجيش والاقتصاد الأمريكي هذا يعتمد على التناغم بين الرئاسة وعناصر الإدارة مع المزاج العام في الكونجرس بمجلسيه، إذا ما عدنا لعام 2017 و2018 ترامب كان لديه أغلبية مشابهة للأغلبية في المجلسين ولكن بالمحصلة لم يستطع تنفيذ أغلبة أجندته من خلال السلطة التشريعية، وإنما من خلال القرارات التنفيذية التي يمكن إنهاءها بانتهاء فترته الرئاسية، ويبقى السؤال هنا "هل الكونجرس أكثر تناغمًا هذه المرة؟"، ربما نعم ولكن كل عضو في مجلسي الشيوخ والنواب لديه ناخبين مختلفين وأولويات مختلفة تهم هؤلاء الناخبين.
تغيير عدائي
أما بالنسبة للتعيينات الوزارية الجديدة وتأثيرها على تغيير السياسة الأميركية وتوجهاتها، قال «الغول»: هذه التعيينات هي موشر على تغيير اتجاه السياسة الاميركية، فأغلب التعيينات تعتبر من الصقور، وستكون أكثر عدائية مع العديد من الدول والصين تحديدًا، أو على الأقل ستؤثر على الحرب الاقتصادية الصينية، وهناك سوء فهم لهذه الحرب الاقتصادية، بمعنى أن ترامب يريد فرض تعرفة جمركية عالية على البضائع الصينية وهذا يخدم الميزانية الأميركية ويضر بالمصالح الاقتصادية الصينية، ولكن في النهاية المستهلك الأميركي هو المتضرر من رفع التعرفة الجمركية وعليه زيادة في أسعار بعض المنتجات.
وعن رغبة "ترامب" في الانسحاب من اتفاق باريس، قال: ترامب لم يخفي رغبته في الانسحاب من اتفاق باريس وفعل ذلك سابقًا خلال فترته الأولى، وعليه لا يوجد أي مفاجأة في هذا الموضوع، ولا أتوقع أن يهم ترامب أن تتصدر الصين ملف البيئة والاحتباس الحراري والتلوث عقب انسحاب أمريكا؛ لأن تصدر هذا الملف ليس مجانًا وإنما بتكلفة يفضل ترامب تجنبها وهو الذي يدعو إلى المزيد من التنقيب الأحفوري وزيادة انتاج النفط والطاقة التقليدية وليست النظيفة.
وفيما يخص وزارة الكفاءة الذي استحدثها ترامب.. يقول ستكون عبارة عن جسم استشاري للرئيس من أجل تقليل المصاريف الحكومية وتقليل البيروقراطية الأميركية، هذا الملف بحاجة إلى التروي انتظار كيف سيعمل لأن لا يوجد الكثير من المعلومات حول الآليات والوسائل المستخدمة واليات القرار حول كيف ستعمل، ولكن التخوف الموجود لدى البعض الأميركي أن سجلات الناخبين هي سجلات عامة وبالتالي هل ستكون هذه اللجنة حزبية وتتخذ قرارته تجاه القطاع الحكومي الفيدرالي بناء على ولائك الحزبي؟ كان هناك بند في مشروع 2025 يقول أن موظفي الحكومة يجب أن يعلنوا الولاء للرئيس وعليه هذا تخوف مشروع.
وعود ترويجية
ويلتقط طرف الخيط الدكتور توفيق طعمه الخبير في الشأن الأمريكي، ليكشف لـ«بوابة دار المعارف» مؤشرات قدرة "ترامب" وإدارته الجديدة على الوفاء بوعوده، قائلًا: أي رئيس خلال حملته الانتخابية يقوم بتقديم الكثير من الوعود، لكن عقب فوزه لا ينفذ أيًا منها، وهذه سياسة معلومة، أي مرشح سواء كان رئيس أو أي منصب آخر على مستوى الدولة أو ولاية دائمًا ما يتحدث أنه سيفعل ما لم يفعله أحد، وفي النهاية لا يقدم أي شيء، حتى هو ذاته في قرارة نفسه يعلم أنه لن ينفذ أي من وعوده التي سبق وأعلن عنها.. ولكن الوعد الذي سيصدق "ترامب" في الوفاء به، هو تحسين الاقتصاد الأمريكي، بالفعل سيركز على النهوض به؛ لأن الاقتصاد هو من أهم الأركان الأساسية التي تقوم عليها الولايات المتحدة الأمريكية، حتى الشعب ذاته مهتم اهتماما كبيرا بهذا الجانب، لا سيما أن أمريكا تعاني الآن من البطالة وارتفاع الأسعار والتصخم وبالتالي سيركز بالفعل على تحسين الاقتصاد.
وأضاف: بالنسبة بوعد "ترامب" بأنه سيسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط وأوكرانيا، نمط هذا الموضوع سيسير كالتالي سيكون هناك صفقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني، وإدارة ترامب القادمة بموجبها ستوقف إطلاق النار وسيعطي روسيا جزء كبير من الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا وسيفرض حل على أوكرانيا، ولن يستطيع زيلينسكي يقول لا لترامب، هكذا ستنتهي الحرب في أوكرانيا.. لكن بالنسبة للشرق الأوسط خاصةً في «قطاع غزة ولبنان» هو يريد وقف إطلاق النار في لبنان وحتى إسرائيل تريد هذا، ولكن بشروط إسرائيلية وهذا يُصعب تلبيته، فالمسودة التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، هي في الأصل «مسودة إسرائيلية قُدمت تحت غطاء أمريكي» قدموها للحكومة اللبنانية وأيضًا لحزب الله، وحتى الآن لم يعطي الحزب أي رد على هذه المسودة، مشيرًا إلي أن الحزب في النهاية سيرفضها لأن تحتوي على الكثير من الشروط التعجيزية، وحتى الحكومة اللبنانية ذاتها من المتوقع أن ترفضها، وبالتالي ستستمر الحرب في لبنان حتى يكون هناك حلٍ آخر بموجبه تلبية مصالح لبنان و حزب الله والمنطقة.
نزيف مستمر بالشرق الأوسط
أما عن مسألة الحرب في قطاع غزة، يرى «طعمه» أن ترامب هو من دعى لاستمرار العدوان على غزة، وكان ينتقد سياسة جو بايدن في التعامل مع هذا الملف؛ لأن ترامب يرى أنه لم يزود إسرائيل بالكم الكافي من الأسلحة في هذه الحرب.. فهو يريد تزويد إسرائيل بأكبر كم للقضاء على المقاومة، ويريد فرض شروط لاستسلامها، وهذه السياسة ليست بجديدة على ترامب؛ لأنه يتبنى «أجندة نتنياهو وشروطها» فمن الصعب أن تتوقف الحرب في قطاع غزة ولبنان، فإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط أمر غاية في الصعوبة.. أيضا من خطته ترامب في هذا الملف هو إكمال مخططته الذي جاء به في ولايته الأولي «صفقة القرن» فهو سيكمل هذه الصفقة، وسيسعى لضم الضفة الغربية للاحتلال، وقد يكون هناك ضم لإجزاء من شمال القطاع لإسرائيل؛ وبالتالي من الصعب أن يتوقف نزيف الشرق الأوسط؛ لأن شروط نتنياهو سيتبناها ترامب ولن يقبل بها أي من الأطراف الفلسطينية أو اللبنانية لأنها شروط استسلام.
وبالنسية لملامح العلاقات الأمريكية الصينية القادمة، أكد أن سيكون هناك تصعيدًا كبيرًا، و ترامب سيستمر في سياسة الضغط على الصين كما كان يفعل في ولايته الأولى، وقد يضع المزيد من العقوبات على الصين، فالفترة القادمة ستشهد تصعيد ومزيد من التوتر بين البلدين؛ لأن ترامب يتبع سياسة عدوانية على كافة الأصعدة، خاصةً أن طقم الفريق الوزاري الجديد الذي شكله جميعهم يتبعون نهجًا عدوانيًا متطرفًا.
عرقلة السلام
ومن جانبه، قال الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موري ستايت بولاية كنتاكي الأمريكية: أن الوعود الكثيرة الذي أعلن عنها ترامب خلال حملته الانتخابية، هي وعود انتخابية، ولكن هو أصبح رئيس للقوه الأهم في العالم، ولولا الدعم الأميركي بالمال والسلاح لأوكرانيا لما صمدت وقاومت روسيا، وأيضًا لولا المال والسلاح الأميركي ما كانت ستستطيع إسرائيل أن تقوم بإبادة وحرب على غزة ولبنان، فأمريكا هي من عطلت مجلس الأمن ورفعت كارت الفيتو مرات عدة في وجه قرارات بموجبها وقف إطلاق النار في غزة، ف إسرائيل هي من جعلت إسرائيل تتمادى في الشرق الأوسط.. لذلك من صنع الحرب قادر على وقفها، و ترامب يستطيع إنهاء تلك الحروب، المشكلة كانت غياب القيادة وغياب القرار السياسي مع إدارة بايدن.
وأضاف: بالنسبة للطقم الوزاري الجديد الذي يختاره دونالد ترامب لن يشكل تغييرات كثيرة؛ لأن النظام رئاسي والسياسات تتم في البيت الأبيض؛ لذلك يقال إدارة لا حكومة، وفي النظام البرلماني أحزاب تمثل في الحكومة ولها توجهات، ففي أمريكا الوزير يسمى secretary فهو ينفذ سياسة البيت الأبيض، وأي شخص في هذه الإدارة لا أحمل توجهاته أهمية كبيرة؛ لأنه يرسم السياسات، ولاحظ هذا بالنسبة للصين، لم يغير بايدن من إجراءات ترامب الذي أتخذها في ولايته الأولي، فتحول الغرب بقيادة أمريكا من رؤيه الصين كشريك اقتصادي إلى القناعة إنها تهديد وقوة توسعية.
وعن أسباب تشكيل وزارة جديدة بقيادة إيلون ماسك وراماسوامي تحمل اسم "وزارة الكفاءة"، يري «الخطيب»، أن ترامب اتخذ هذا القرار؛ لأن إيلون ماسك شخص عبقري وقام بأمور كثيرة لا يمكن لأي أحد غيره أن يفعلها، بجانب أن "ماسك" يرى أن الإدارات الأميركية لا تسير بأفضل وجه وهناك نقلة نوعية في العلم والتقنية ولكن الإدارات الحكومية ما زالت تعمل كما عملت قبل هذا العصر، وهذه الأمور تحتاج إلى شخص من خارج الدولة لينظر كيف يمكن أن تكون الإدارات أكثر نجاح وفعاليه باستخدام التقدم العلمي والتقني.
وعن رؤية "ترامب" في الانسحاب من اتفاق باريس، قال «الخطيب» لـ«بوابة دار المعارف»: ترامب يريد الانسحاب لأن ملف المناخ معقد، فالصين والهند لهما معاملة مميزة به، وهذا أغضب ترامب والحزب الجمهوري، فهناك قناعة لدى ترامب ومؤيديه أن التغير المناخي يتم التعامل معه الـadaptation لا الـmitigation أي التعامل مع زيادة الحرارة كواقع والتأقلم معها، بجانب أن "ترامب" يرى أن الصين والهند يستمروا في التلويث ومن يدفع الثمن هو الشعب الأمريكي، لأن التكلفة الاقتصادية لحل هذه الأزمة باهظة وتكون حساب الشعب الأميركي.