ما كان "باخوم" أديبًا ولا فنانًا، فما أظنه قد جنح خياله يومًا إلى كتابة قصة أو إلقاء قصيدة، وما ذكر التاريخ لنا عنه أنه أمسك بريشة بين أنامله فنسَّق ألوانًا أو حاكى مشهدًا من مشاهد الطبيعة الخلَّابة.
ما كان " باخوم " إلا بنَّاءً مصريًّا بسيطًا، عاش في القرن السابع من ميلاد المسيح ، ولكنه أحبَّ عمله حتَّى أبدع فيه، وأخلص له حتَّى فاق أقرانه ومعلِّميه.
ومن ذا الذي يستطيع الزَّعم أنَّ الإبداع حكرٌ على الأدباء و الفنانين ؟!
ومن ذا الذي يجرؤ على نفي الإبداع عن البُسَطَاءِ والمُهَمَّشِين ؟!
إنَّ الإبداع هبةٌ من الله يمنحها لمن يشاء وقتما يشاء.
وكم بين البسطاء من مُبدعين، وكم بين الضعفاء من عباقرة مبرَّزين.
وكم من ضعيفٍ مُتَضَعِّفٍ يبرُّ قَسَمَهُ ربُّ العالمين.
وكان "باخوم" غلامًا يتيمًا يعيش في إحدى قرى صعيد مصر، وقد اضطر مُكرهًا على أن يتبع البنائين مساعدًا لهم مُتعلِّمًا منهم حتى يستطيع أن يكسب قوت يومه.
وما كان "باخوم" يعلم أنَّ الله يعُّده ليعمل عملًا عظيمًا يُخَلِّدُ به اسمه على مر الزمان....
وما كان " باخوم " يعلم أنه سيلتقي في يومٍ من أيام عمره برسول الله قبل أن تأتيه الرسالة، فيكون أوَّل مصريٍّ يلتقي برسول الله، وأول داعٍ له في مصر، قبل أن يدخل الإسلام مصر بنحوٍ من أربعين عاما.
وما كان " باخوم " - ذلك العامل المصريّ البسيط – يعلم أنه سيكون مصدر فخرٍ وعزةٍ للمصريين، بسبب مشاركته للرسول عليه الصلاة والسلام... في إعادة بناء بيت الله الحرام ............