لواء دكتور سمير فرج يكتب:شخصيات في حياتي (7) مادلين أولبرايت

لواء دكتور سمير فرج يكتب:شخصيات في حياتي (7) مادلين أولبرايتلواء دكتور سمير فرج يكتب:شخصيات في حياتي (7) مادلين أولبرايت

* عاجل2-1-2019 | 23:21

هي أول سيدة تتولى منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، خلال الفترة من عام ١٩٩٧ حتى ٢٠٠١ ... اسمها الحقيقي هو "ماري أناكوربولوفا"، إذ تنحدر من أصول تشيكوسلوفاكية، قبل أن تهاجر عائلتها للولايات المتحدة الأمريكية، وتستوطن بها. لقد أعطتني هذه السيدة درساً في حياتي، وهو ألا أحكم بالمظاهر الخارجية على أي شخص كان.
فإبان شغلها لمنصب وزير الخارجية، انحسرت علاقتي بها بمتابعتها في وسائل الإعلام، والحقيقية أنني لم أشعر بأحقيتها لهذا المنصب الرفيع، ولم أتقبل أدائها خلال تلك الفترة، إلى أن قمت بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية، في عام ٢٠١٤، وكان الرئيس أوباما، حينها يقضي آخر أيامه الرئاسية في البيت الأبيض، مع وزيرة خارجيته، آنذاك، هيلاري كلينتون.
كان أوباما يعتمد على فكرة مجموعات Think Tanks، إحداها للبيت الأبيض، وأخرى لوزارة الخارجية، وغيرها لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA). وكان توقيت زيارتي تلك، يوافق الزيارة الأولى المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
وخلال زيارتي قمت بعقد لقاءات مع نحو عشرة من أعضاء الكونجرس الأمريكي، منهم على سبيل المثال، من النواب الجمهوريون دانكن هانتر، جو ويلسون، وكاي جرانجر، ومن النواب الديمقراطيون دوتش روبرسبرجر. وطلبت، كذلك، عقد لقاء مع أحد مجموعات Think Tanks في واشنطن، سواء تلك التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، أو التابعة لوزارة الخارجية، أو التابعة لوزارة الدفاع (البنتاجون)، أو مجموعة البيت الأبيض الخاصة بالرئيس أوباما. وكانت المفاجأة في تحديد موعد مع مجموعة الرئيس الأمريكي أوباما، لمدة ساعة ونصف الساعة، يخصص نصف الوقت لزيارة المبنى والتعرف على مكوناته، والنصف الآخر للقاء مجموعة البيت الأبيض برئاسة السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة.
وحان موعد لقاء السيدة مادلين أولبرايت، فبدأ الاجتماع بتقديم أعضاء المجموعة، وعددهم 17 فرداً، من مختلف المجالات، منهم الخبراء العسكريين، وخبراء الأمن القومي، والسياسيون وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور لعلم النفس بينهم. بعد التقديم أضافت السيدة أولبرايت بأنها ستتحدث لمدة 15 دقيقة، وسأتحدث أنا لمدة 15 دقيقة أخرى، وتخصص 15 دقيقة الأخيرة للنقاش مع باقي الأعضاء. وبدأت حديثها بأن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بأهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة اللاحقة، واللذين ستتخذ الولايات المتحدة عدداً من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث في البلقان، من روسيا، تجاه شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، أما الثاني فكان سؤالاً مباشراً من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث في مصر تحديداً، "هل كان انقلاباً عسكرياً، قام به الرئيس السيسي لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟" مضيفة بأن اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، سيكون له تبعات خطيرة طبقاً للدستور الأمريكي.
واستطردت قائلة بأنها بدأت بحثها في الأمر المصري، بالاطلاع على الورقة البحثية التي قدمها الرئيس السيسي، عندما كان طالباً في الولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديموقراطية في دول العالم الثالث. ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسي بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات وهو القرار الذي تأخر لأكثر من 40 عاماً، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه “Reformer”، أي إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادماً على رأس انقلاب عسكري لفعل ما يفعله الانقلابين، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية. والأهم من ذلك أن الشعب وافقه على قراراته رغم صعوبتها، مما أكد لها وللمجموعة أن ما حدث في مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقاً في تقريرها النهائي للرئيس أوباما.
عندما حان دوري في الكلام كنت قد أيقنت بأن هذه المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفاداها أنه حتى في أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب خلال فترة رئاسته الأولى بقرارات شعبية، تضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ خلالها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم. أما الرئيس السيسي فيهدف إلى الإصلاح منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب في صالح البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها على المدى القصير.
وانتهي اللقاء الرسمي، وتقدمنا نحو طاولة جانبية، رُصت عليها الحلوى الأمريكية الشهيرة، الدونتس، وفي خلال خمس دقائق، وبينما نتناول القهوة، تحدثت السيدة أولبرايت بحرية أكبر، بعيداً عن الرسميات، فبدأت حديثها بدعابة عن أن تلك الحلوى، من ذلك المتجر الخاص، هي أحب الأنواع إليها، والسبب الرئيسي في إفساد كل محاولات الحميات الغذائية التي تتبعها، ثم استطردت قائلة بأنها استعدت لاجتماعنا المشترك، بالقراءة عن تاريخي العملي، سواء في الحياة العسكرية أو المدنية، وعلمت أنني كنت أول محافظ للأقصر، متمنية أن تزور مصر يوماً، بغرض السياحة، لمشاهدة آثارها، التي درستها منذ الصغر، كمهد الحضارة، وفجر التاريخ، وأن تقوم برحلة نيلية، التي سمعت عنها من أصدقائها، كأجمل الرحلات.
واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبي، قائلة "إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربي، والإسلامي، فلديكم جميع مؤهلات القيادة، ولكن ينقصكم خطة واضحة للإصلاح الاقتصادي والسياسي". والحقيقة أن تلك الدقائق الخمس، التي تلت مناقشة الموقف المصري، خلال الاجتماع الرسمي، كانت كفيلة بأن تجعلني أُعيد النظر في رأيي عن هذه السيدة، بل وأغيره تماماً، دون غضاضة، لأجزم بأنها استحقت أن تكون أول سيدة تتولى هذا المنصب، في الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما لاحظت ذكاءها الواضح، وقدرتها على التركيز، والتحليل. وإذا تحدثنا خارج الإطار الرسمي، فهي إنسانة ودودة للغاية، تشعر معها وكأنك قابلتها منذ فترة طويلة. وتبادلنا كروت التعارف، ولكن لم تتح لنا الظروف أن نتواصل بعد هذا اللقاء.
Email: [email protected]
أضف تعليق