عاطف عبد الغنى يكتب: حوار مع شخص «مش فاهم»!!

عاطف عبد الغنى يكتب: حوار مع شخص «مش فاهم»!!عاطف عبد الغنى يكتب: حوار مع شخص «مش فاهم»!!

* عاجل4-1-2019 | 16:29

التغيير يلزمه سلطة تفرضه، وتغيير السلوك عند الأفراد يبدأ بإشارة من الدماغ، قبل الضمير.. من الأفكار التى تتحكم فى السلوك، هذا رهان لا يحتمل الخسارة، وغير ذلك لاتنتظر صحوة ضمير الأشرار المفاجئة على طريقة الأفلام العربية.

هذه خطة التغيير سريع الأجل، والتى يجب أن يصاحبها بعض الشرح، وشىء من التوضيح، والتفهيم، والإلحاح فى ذلك بشكل مبدع ونحن نحتاج إلى هذا بشدة الآن لمواجهة الدعايات المضادة، وبضاعة المعلومات الرديئة التى تنتشر بشدة الآن وتخلق ثقافة شعبوية أبرز صفاتها الضحالة والجهل بالحقائق،  ومن المنتظر (إذا استمر الحال على ما هو عليه) أن تتسع دائرة «المضحوك عليهم» من المواطنين، وأن يسقطوا فى مرحلة تالية - تحت تأثير الدعايات الكاذبة - فى خنادق هلاك محفورة لهم أخطرها خندق الكفر بالوطن والدولة.

(1)

فساد الأدمغة، أخوف ما أخاف منه الآن على أبناء وطنى.

وهذا النوع من الفساد تستطيع أن تكتشفه بسهولة إذا أدخلتك الظروف – رغما عنك أو باختيارك - فى مناقشة مع أسرى الإعلام الشعبوى، أو التعبوى.

والفصيل الأول من الأسرى، هم الخاضعون لإعلام ما يسمى وسائل التواصل وأخطرها «فيسبوك ويوتيوب»، ومع ضحالة فكر الشخص، وتسطحه وكسله العقلى فى البحث عن الحقيقة فهو على استعداد للقبول والتصديق بسهولة لكل خبر وأى خبر، وكل ما يحمله أى فيديو، أو كليب من طرح، ونشره وترديد محتواه، وربما اتخاذه دليلا للسلوك.

أما ضحايا الإعلام التعبوى، فهم فى غالبهم جماعات «الإسلامويين» الذين تخلوا بإرادتهم عن فريضة التفكير الحُر الذى حثنا عليها ديننا، ووقعوا أسرى فى حبائل أشخاص آخرين تصوروا أنهم نماذج مصطفاة من البشر، أتخذوهم قدوة وارتقوا بهم إلى مصاف القديسين، ومنحوهم حق القيادة المطلقة اختيارا وجبرًا، والفصيل الأخير أخطر من الأول وأصعب فى قبول التغيير، ورأينا بعضا ممن يتخلى منهم عن موقفه يرتد بشدة إلى الاتجاه المضاد فيكفر بالعقائد والأفكار والأشخاص.

ومع محاربة الإرهاب والتطرف، الآن وفى القادم من الأيام، سوف تقل أعداد الخاضعين لفصيل الإعلام التعبوى المتطرف الشعبوى «السوشيال ميديا» وذلك فى حالة غياب الإعلام الوطنى الذى يتعامل مع مصالح الدولة العليا، وهذا النوع من الإعلام لم يسجل حضورًا لافتًا حتى الآن سواء فى الإعلام التقليدى، أو فى محاولاته لاختراق وسائل التواصل الاجتماعى.

(2)

وإذا ساقك حظك وتناقشت مع شخص من ضحايا الإعلام الشعبوى فلابد أنك سوف تشعر بالخطر – مثلى – وقد تحدثت مع بعض من هؤلاء، بحُكم عملى الصحفى، والرغبة فى البحث والاكتشاف، ومن أقصدهم نسميهم فى صحفنا بـ «رجل الشارع» ونناقشهم حول قضايا بعينها تخص حياتنا التى نعيشها، فى ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ومع استشعار الواحد منهم بالأمان تجاه من يحدثه، ينطلق فى حديثه فتكتشف كمًّا هائلاً من المعلومات المغلوطة، والأفكار المشوشة التى ولّدت مشاعر - أيضًا - مشوشة لكنها فى غالبها مشاعر كارهة وسوداوية منزوعة الأمل، وموجهة فى غالبها نحو سلطة الدولة، غير مصدقة لدعوات الإصلاح أو مؤمنة بإمكانية تحقيقه، يضاف إلى ما سبق شعور هذا المواطن فى الغالب بأنه ضحية دائمة لقرارات السلطة.

(3)

كان سؤالى الأسبوع الماضى لواحد من هؤلاء، عن المبادرة التى أطلقها الرئيس السيسى فى اليوم الثانى من العام الجديد وبداياتها، جاءت فى الكلمة التى نشرها الرئيس على صفحته بموقع «فيسبوك» واستهلها بتوجيه التحية للبطل الحقيقى للأمة، المواطن المصرى، وهو بطل لأنه حسب وصف الرئيس خاض معركتى البقاء والبناء ببسالة وقدم التضحيات متجردًا وتحمل كُلفة الإصلاحات الاقتصادية، لأجل مستقبل أفضل.

ولأن الرئيس يعرف بالضرورة أن أكثر من تأثر من فئات المجتمع جراء تطبيق خطة الإصلاحات هو المواطن الأكثر احتياجًا فقد أراد أن يوحد الجهود الرسمية ممثلة فى مؤسسات وأجهزة الدولة، ومؤسسات المجتمع المدنى، ويوجهها لصالح هذا المواطن تحديدًا.

وهذا الهدف يستلزم – كما قال الرئيس – استنهاض العزيمة والهمم لكل أفراد المجتمع، شيوخه قبل شبابه ونسائه قبل رجاله، وفقيره قبل غنيه.

وبمجرد أن أطلق الرئيس مبادرته حتى انهالت أخبار المباركة والدعوة للعمل، من اتجاهات عديدة وهذا شىء جيد، وجذوة حماس نتمنى ألا تنطفأ ولو أن الرئيس لن يدعها لهذا، وسوف يواصل ويجر المعنيين بالعمل خلفه.

هذه هى المبادرة، فماذا عن صاحبنا الذى سألته عنها، وهو تقريبًا من الفئة التى تستهدف المبادة توفير حياة كريمة لهم، لذلك توقعت أن يرحب بها.

(4)

سألته: عرفت بمبادرة الرئيس؟ فأجاب: «أيوه قريت عنها»، وبادر بسؤالى: «الدولة هتعمل إيه ..؟!» فبدأت أشرح له أن مؤسسات الدولة سوف تتعاون مع المجتمع المدنى لتوفير ما يضمن حياة كريمة للفئات الأكثر احتياجا و... فقاطعنى: «هى الدولة هتاخد فلوس من مين عشان تعمل كده؟!» فأجبته: «ممن يتبرع شعورًا منه بالمسئولية المجتمعية»، فعاد للسؤال: «يعنى رجال الأعمال؟!»، قلت له: «فى الغالب»، فقال: « ماهما (يقصد رجال الأعمال) هيتدوروا علينا وياخدوا الفلوس ده مننا الطاق طاقين وعشرة عن طريق رفع الأسعار علينا وزيادة الغلا».

قلت له: «الدولة لن تسمح لهم بذلك فهناك آليات لضبط السوق».. فسأل مستنكرًا: «أنت سمعت أن الدولة اتدخلت وفرضت سعر على تاجر من الكبار؟!.. يا أستاذ هياخدوا منهم 10 جنيه فى طن الحديد أو الأسمنت هيرفعوا سعره علينا 300 جنيه»

... وهنا وجدتنى أقول له بشىء من الغضب: «خلاص بلاش خليهم يكسبوا ومانخدش منهم حاجة.. وبعدين الدولة مابتتدخلش وتفرض أسعار جبرية على سلعة لكن بتنظم السوق، لأنها بتطبق الاقتصاد الحُر وده مفيهوش تسعيرة والدولة بتتحمل فرق أسعار فى سلع أساسية وفى أسعار الدواء..»، فبادر إلى اتهامى: « أنت مع الدولة على طول الخط».. فكظمت غيظى وسألته: «أنت فاهم يعنى إيه دولة؟!.. وإيه الفرق بينها وبين الحكومة؟! أو النظام الحاكم؟!».. فتلعثم وسكت.. فأعدت عليه السؤال بشىء من الشدة.. فابتسم ابتسامة إحراج كشفت عن جهله، وطلب الإجابة.. وقبل أن أمنحه إياها أكدت له أننى بالفعل مع الدولة على طول الخط، وقلت له: «أنا وأنت جزء من الدولة»، وأفهمته أن الحكومة جزء من الدولة، وأن الشعب والإقليم أو الأرض التى يعيش عليها هما المكملان لعناصر الدولة الثلاثة، وعند هذا الحد من النقاش كنت قد وصلت إلى نهاية مشوارى معه.

وبعد أن دفعت له الأجرة، وقبل أن أغادر سيارته حذّرته من معلوماته الضحلة وخضوعه لوسائل التواصل الكاذبة الخادعة، ووعدته إذا التقينا فسوف أستكمل حوارى معه.. قلت ذلك وأنا أعرف أن صدفة لقائه مرة أخرى شبه مستحيلة، لكن تمنيت لو حدثت لأن هذا النوع من الحوارات يفتقده المجتمع الآن بشدة، سواء بالاتصال المباشر من خلال اللقاءات الجماهيرية المفتوحة، أو فى وسائل الإعلام.

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2