حكايات العمر وقصص الطيبين «2»: أنور محى الدين حسونة وحكاية عمر عنوانها فلسطين

حكايات العمر وقصص الطيبين «2»: أنور محى الدين حسونة وحكاية عمر عنوانها فلسطينحكايات العمر وقصص الطيبين «2»: أنور محى الدين حسونة وحكاية عمر عنوانها فلسطين 

* عاجل9-1-2019 | 18:12

على الرغم من اتساع العالم من حيث المسافات إلا أن جميع البشر أصبحوا أكثر قربا وتعارفا، وعلى الرغم من الاختلاف إلا أن المعرفة كسرت كثيرا من الحواجز. وفى منطقتنا العربية ورغم أنف الظروف المعقدة أستطعنا أن نمد جسور الصداقة مع كثير من الشخصيات من جنسيات مختلفة، ولم تعد الأوراق الرسمية جواز مرور من بلد لآخر، بل يكفى قبول الصداقة عبر وسائل التواصل حتى تنتقل الأفكار والأراء والأحاديث طوال الوقت بين الناس على تباينهم. وعندما فكرت فى كتابة حكايات العمر وقصص الطيبين كان الهدف التقريب بين أجيال متباعدة وخلق نوع من المعرفة، كيف كانت الفترات العمرية السابقة ليس فى مصر وحدها بل من بلدان مختلفة. واليوم ينقل لنا الأستاذ أنور محى الدين حسونة من فلسطين الحبيبة قصته، والتى يمكن أن نبدأها بأبيات الشعر التالية:

أنا لن أعيش مشردا أنا لن أظل مقيدا أنا لي غد وغدا سأزحف ثائرا متمردا. ليس من بد إلا الرجوع للجذور لنتمكن من ربط الحاضر بالماضي، إنها مسيرة تزخر بالحزين والسعيد من مجريات أمور من هنا وهناك. والبداية في شهر سبتمبر 1944، والتاريخ ليس شهر مولدي بل هو شهر حمل والدتي بي وبتوأمي الذي استدعى إجهاضه لأسباب مرضية بواسطة طبيب يهودي وعدم انتباهه كوني قابع بجوار هذا الجنين لتعود أمي بعد شهر لتبين لهذا الطبيب أنني هناك ومن ثم رفض إجهاضها مسببا ذلك (الله مش عايز)، وكان أن ولدت بعد إجمالي مدة حمل هي ثمانية أشهر. وفي شهر مايو 1945 ليشهد قدومي لهذا العالم متحديا المقولة النابعة من الفهم الشعبي بان ابن ثمانية لا يعيش. ثم وتتوالى الأيام لما كان بعد ثلاث سنوات لتقع كارثة ما يطلق عليه (النكبة) وهو عام طردنا بالقوة وقصراً من فلسطين (شهر يوليو 1948 تحديدا) بخدعة اننا سنعود بعد أيام ليتفرغ الجيش الأردني لمحاربة العصابات الصهيونية دفاعا عن مدينتا (اللد) بفلسطين دون ان يعيق وجود المدنيين جهود القوات المدافعة عن فلسطين، (كان كذبا)، وتم تسليم مدينتي اللد والرملة رغم وجود الجيش المصري المشارك في الدفاع عن فلسطين وما كان من حصار الفالوجة الشهير ووجود الزعيم عبد الناصر محاصرا من ضمن المحاصرين (قبل ثورة 1952) وهذا ما ترك دافعا إضافيا لثورة 1952، وتبع ذلك هجرة أهالي مدن أخرى كمدينة يافا وحيفا وباقي المدن الفلسطينية واختلال نصف القدس. كانت هجرتنا في شهر يوليو من ذات العام (1948) وكان عمرى وقتها ثلاث سنوات ، اتجهنا مع الجموع والتي تخلت أمهات كثر منهن عن اطفالهن عطشا او جوعا او طلبا للنجاة (انه امر مرعب اشبه برعب يوم القيامة ... نفسي نفسي ) او ظنا انهم فارقوا الحياة وبعض هؤلاء الأطفال التقطهم اخرون رحمة من الله وبعضهم هم وامهاتهم وابائهم صعدوا الى جنات الخلد، واستمر المسير الى مدينة صغيرة اسمها بلاطة قيما اطلق عليها لاحقا (الضفة الغربية) ، ونظرا لكون جدي عضوا في هيئة تحرير فلسطين (بقيادة الحاج امين الحسيني) فقد طلب منه الحاج امين الحسيني أن يتوجه الى غزة ليكون عضو الهيئة هناك فتوجه هو ووالدي ونحن بالتبعية، وهنا بدأت ذاكرتي تلتقط بعض الأمور حيث اول ذهابنا كان لمعسكر المغازي والذي ما زال قائما حتى يومنا هذا و اذكر حين وجودنا في هذا المعسكر كيفية هروبنا المتكرر وانا محمولا وانا محمولا على كتف والدي أو أحد أقربائي من منطقة تتعرض للقصف المدفعي العشوائي اليهودي الى منطقة أكثر أمنا، وجاء الشتاء لتختلط الاوحال بالطرق غير المعبدة والخيام ونغوص بها هنا وهناك، مازلت اذكر كيف كانت كل اشكال التسيب والانحرفات والسرقة تسري بين الجموع فالكل مهدد وخوف الغد يرهق الجميع فهناك النساء والبنات والأطفال والام والأب والجد والجدة والمرضى والمعاقين وكيف كان الرغيف الواحد ثمنا كافيا لاغتصاب فتاة ما زالت في مرحلة الطفولة. أنتقلنا إلى غزة نظرا لتولي والدي مهمة الاشراف على توزيع الأغذية وملابس التبرعات في مراكزها على اللاجئيين، (يمنح راتب ولا يحق له الحصول على أي من هذه المعونات، وما زلت اذكر احلى ركلة اخذتها من والدي وانا في السادسة لاني وقفت في طابور طالبي المعونة ووالدي لا يحق له طلب ذلك ولكنها كانت تصرفا صبيانيا مني، علمتني ألا أطلب ما ليس لي حق به)، فى غزة كنا نواجه التأفف والازدراء والمعاملة المتوجسة والحذرة والاهانة غالبا من قبل أهالي غزة الأصليين ! ولي العروج على موقف الانروا لأنها تمثل أكبر جريمة نفسية مادية خبيثة أرتكبتها الأمم المتحدة بعد قرار تقسيم فلسطين حيث قدمت التغذية للاجئيين تركينا لهم وتسكينا لدورهم بالكفاح والنضال للعودة واسترجاع وطنهم المغتصب وأنتبه الشعب الفلسطيني سنة 1956 لهذا الفخ ولكن تم قمعه وبقوة، وما زال هذا الفخ قائما وللأسف. (موقف الاونروا – موقف حق يراد به باطل) وليس لنا إلا أن نشيد بدور مصر والرئيس محمد نجيب وأرساله شحنات ضخمة من الغذاء لأهل غزة عن طريق ما يسمى قطار الرحمة الذي كان يزخر بكل أنواع الأغذية وبكميات ضخمة واسبوعية، قادما من مصر لقطاع غزة (وقد يكون بل بالقطع هو سبب قيام المظاهرات في غزة ضد قرار تنحية محمد نجيب عن الرئاسة)، وليس لنا الا اشادة أيضا بدور الجيش المصري بالدفاع عن غزة والرعاية الاجتماعية والصحية أيضا وتذكرني حملة 100 مليون صحة بما قام به الجيش المصري بحملات التطعيم ضد الامراض المعدية (جدري وشلل أطفال وحصبة) وما زال وشم النجوم الثلاث للعلم المصري اثارها على ساعدي حتى يومنا هذا علامة على إتمام التطعيم لهذه الامراض، وكذلك كل اشكال الدعم لاحقا وحتى الى ما بعد نكسة 1967. عودة للوراء قليلا فقد كانت المرحلة الدراسية في مدارس اونروا أيضا في الفترة المسائية وكانت المرحلة الابتدائية باهتة المعالم (عدا رش الطلاب بمسحوق الدي تي دي والذي تبين أثره المدمر صحيا (اضعاف بل محق القدرة على الانجاب ) وقد ومنع دوليا في سنوات لاحقة. كان انتقالي للمرحلة الإعدادية بمدرسة صلاح الدين (تيمنا بصلاح الدين الايوبي) وكان ناظر المدرسة حينها هو الشاعر معين بسيسو والذي اذكر روائع ادارته واذكر أيضا علقة لي من ستة ضربات بمسطرة سميكة لظنه انني من قام بالكتابة بالطباشير على حائط غرفته (لم اكن انا) ولم احملها الا كذكرى وجميلة لانه كان مربي فاضل ولا يعيبه الخطأ غير المتعمد فعادة التلاميذ الانكار والكذب مع انني وللحق لم اكن كذلك فكم حصلت على جوائز نظام ونظافة وادب، ولا يغيب عن خاطري اشهر المدرسين هو ضابط مخابرات مصري صارم كان مدرسا للغة الإنجليزية، وفي سنة 1956 وقبل الاحتلال الإسرائيلي بعد عدوان 1956 كان هناك العقيد الفذ الداهية مصطفى حافظ والذي مثل الرعب الحقيقي لإسرائيل بارساله خيرة الفدائيين واكثرهم كفأة وحضرت أخر عملية له حين قام باداء صلاة الغائب على مجموعة من الفدائيين ومن ثم ارسالهم لداخل فلسطين المحتلة ليعود جميعهم سالمين بعد انجاز أروع مهامهم ليصبح بعدها مجرد ذكر كلمة فدائي مسببا ودون مبالغة لارتعاد فرائض اكبر ضباط اليهود، وبعد هذه المهمة خططت المخابرات اليهودية ونجحت باغتيالة بطرد ناسف مما سبب صدمة هائلة وما زال يحيا بالوجدان حتى هذه اللحظة، لتعقبها الصهاينة بقصف مدفعي تركز على شارع عمر المختار وتتناثر الجثث على الأرصفة والشارع ذاته لتصيب شظية وتقتل زوجة قاضي شرعي كانت وكنت نكن لعضنا البعض ما لا يمكن وصفه من ود ومعزة فقد كانت بمثابة أم ثانية لي ،فقد كنت الطفل المدلل بالنسبة لها وتتحفني باروع الهدايا والحلويات حين زيارتها – رحمها الله رحمة واسعة وغفر لها واسكنها فسيح جناته. وحال أنتهاء المرحلة الإعدادية توفي جدي الذي كان عضوا في اول مجلس تشريعي في غزة وكان ذلك سنة 1960 حيث أرتحلنا للكويت حيث كان الوالد يعمل هناك وانهيت بها المرحلة الثانوية حيث قدمت دولة الكويت مشكورة كل ما يمكن الطالب من النجاح.

[gallery type="slideshow" size="full" ids="226643,226644,226645"]
أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2