د. ناجح إبراهيم يكتب : شهادة د. محمود جامع علي عصره .. تاريخ يتحرك

د. ناجح إبراهيم يكتب : شهادة د. محمود جامع علي عصره .. تاريخ يتحركد. ناجح إبراهيم يكتب : شهادة د. محمود جامع علي عصره .. تاريخ يتحرك

* عاجل19-1-2019 | 19:44

بقلم د/ناجح إبراهيم

 توفي منذ أيام د/محمود جامع عن حياة حافلة,فقد كانت حياته ثرية للغاية إنسانياً وسياسياً وتاريخياً,فقد عاصر عهد الملك فاروق وناصر والسادات وبداية عصر مبارك,ثم شهد وهو في الظل عهود ثورة 25 يناير وما تلاها. حياة د/جامع الإنسانية لا تقل ثراءً عن حياته التاريخية والسياسية,فقد كان والده قاضياً مات له ثلاثة أولاد في يوم واحد تقريباً,فقد أصيب د/جامع في أوائل الأربعينات مع ثلاثة من إخوته بالحصبة واشتد عليهم المرض ولم تكن المضادات الحيوية والعلاجات قد تطورت مثل اليوم فمات ثلاثة منهم واحداً وراء الآخر في ساعات قليلة ,وعاش الرابع وهو بطل قصتنا اليوم . وقد صدم د/جامع بعدها بفترة بسيطة بمرض سنده ووالده ثم وفاته,وكل ذلك أصاب والدته بحالة حزن عنيفة أفقدتها قدرتها علي تحمل هذا العب الكبير فوجد د/جامع نفسه أمام امتحان عسير وهو في المرحلة الثانوية فإذا بشخصيته القيادية والإدارية تلمع ويتحمل المسؤولية بجداره ويجمع بين دراسته للطب في القصر العيني ومسؤولية أسرته وأرضه ومتابعة أشقائه الذين خرجهم من أفضل الكليات وأصبح بعضهم أساتذة في الطب مثل أ.د/أحمد جامع أستاذ الأنف والأذن وغيره,وهؤلاء ظلوا يحملون له الجميل حتى اليوم وكانوا يقبلون يده في حياته. كانت بداية معرفته بالرئيس السادات حينما كان الأخير هارباً أيام قضية مقتل أمين عثمان,فأواه جد محمود جامع وأكرمه وأحسن وفادته فترة. وكان د/جامع قد دخل الأخوان في الأربعينات فقبض عليه 1954 فذهبت والدته إلي السادات الذي أصبح عضواً بمجلس قيادة الثورة فتوسط للإفراج عنه ونجحت وساطته وأفرج عنه. وعرض عليه السادات بعد ذلك للانضمام للاتحاد الاشتراكي فدخله كما دخله كثير من الأخوان الذين تركوا التنظيم,ثم توثقت صلته بالسادات حينما كان نائباً للرئيس ومرض عدة أشهر بجلطة في القلب في قريته ميت أبو الكوم وطلب من جامع أن يكون معه ليخفف عنه عناء الوحدة والمرض لأن كليهما كانا يتفقان في أمور كثيرة وبينها كيمياء لا تخطؤها العين. اصطحبه السادات معه في بعض رحلاته وأسر إليه كثيراً بمكنونات  نفسه وخاصة وهو نائب رئيس,فقد سافر معه إلي سوريا وكان معهم ياسر عرفات وحسن صبرى الخولي,وبالقرب من هضبة الجولان قاله له السادات"يا محمود الجيش السورى في الجولان يوم 5 يونيه 1967 لم يطلق طلقة واحدة علي الإسرائيليين والجولان بيعت لهم مقابل 10 مليون دولار"وقال له"تعرف يا محمود اليهود أرحم من البعث". وحينما كتب جامع هذه الكلمات هاجت عليه الدنيا,وكذبوه,ولكن أنيس منصور وقتها أيده في ذلك بل زاد علي ذلك أن الملك فيصل كان يرى ذلك. وكان جامع يردد أن "الدهاء والذكاء هما مفتاح شخصية السادات فقد كان يستطيع أن يصير طويلاً علي فريسته حتى تسقط وحدها"  أما علاقته بالشيخ الشعراوى فقد بدأت في الأربعينات  حينما كان طالباً في طنطا الثانوية ويخرج في مظاهرات الطلاب,وكان الشعراوى يخطب فيهم خطباً حماسية ملتهبة,فقبض علي د/جامع مع مجموعة من الطلاب,فذهب الشعراوى إلي رموز الوفد في القاهرة وأحضر للطلاب أ/مكرم عبيد باشا الذي ترافع عنهم مرافعة رائعة بالفصحى واستشهد فيها بآيات قرآنية كثيرة فلما أفرج عنهم من سراى المحكمة حملوا مكرم عبيد علي أعناقهم وهم يهتفون "يحيا الشيخ مكرم". توثقت مع الأيام علاقة جامع والشعراوي,وسافرا مراراً سوياً إلي الحج والعمرة ورحلات متفرقة وفي إحدى هذه الرحلات كان الشعراوى يوزع صرراً من النقود كلما طاف بالبيت مرة امتثالاً لقوله تعالي"قَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً"وقد يعطي الرجل الواحد عدة مرات,وفي مرة أعاد رجل الصرة قائلاً "أنا سفير ليبيا في المملكة وأخذت الصرة بركة ولكني لا أحتاجها . وحكى لي د/جامع عن سر سوء العلاقة بين الشعراوى وجيهان السادات,فقد دعيته لمحاضرة بعض سيدات نوادى الروتارى في نهار رمضان فوجد معظمهن يدخن أمامه وترتدين ملابس لا تليق بجلال الشهر ولا المحاضرة الدينية فغضب الشعراوى وغادر القاعة دون إعطاء المحاضرة قائلاً لجيهان السادات"الاتفاق لم يكن هكذا"وقال بعدها لجامع"يا واد يا محمود حسيت إني اتقرطست"أي خدعت""ودمي غلي وفار"وبعدها غضبت جيهان عليه غضباً شديداً حتى اقتلعته من الوزارة,وكان الشعراوى سعيداً بخلعه منها.  وعن تلغراف الشعراوى للسادات رداً علي كلمة الأخير عن الشيخ المحلاوى"مرمي مثل الكلب في الزنزانة" فرد عليه"الأزهر لا يخرج كلاباً ولكنه يخرج علماء ودعاة" وتحدث عن صراع جيهان السادات مع مبارك حينما كان نائباً للرئيس وأنها أرادت عزله وتعيين منصور حسن مكانه وبدأ السادات ذلك بالقرار الشهير 119 الذي حول بريد الرئاسة من النائب مبارك إلي منصور حسن,فاعتكف مبارك في المنزل وقدم  استقالته, ولكن السادات استرضاه بعد أن علم بغضب الجيش لذلك,وألغي القرار وعزل منصور حسن,ويومها حمل مبارك القرار قائلاً لمنصور حسن:لا تلعب بالنار حتى لا تحرقك" أما شهادته التاريخية عن تزوير الانتخابات في التاريخ المصري فقال"تزوير الانتخابات معروفة في كل عصور مصر ولكنها كانت في العصر الملكي علي نطاق ضيق جداً لقوة الأحزاب المتنافسة وتداولها للسلطة فحينما يأتي للسلطة سيحاكم من زور من قبل ويفضحه وكذلك لقوة الصحافة المصرية وحريتها,ولكن مع بداية ثورة يوليو وظهور موضة 99% فى الانتخابات والاستفتاءات أصبح التزوير فجاً ومنظماً وبلا حدود وأصبح البرلمان يسير بالريموت كنترول,والعمل السياسي مجرد ارتزاق فقط. وقد شهد د/جامع بنفسه كيفية انتاج وإخراج وتنفيذ عمليات التزوير فى الانتخابات وحكي قصة ترشيح الصحفي الشهير رشاد الشبراباخومي الذي ترشح للبرلمان ضد فتحي المدبولي "أمين عام الاتحاد الاشتراكي في محافظة المنوفية"ولما ظهرت النتيجة لم يحصل الشبراباخومي علي صوت واحد رغم حب الناس جميعاً له فذهب إلي المحافظ ورئيس لجنة الانتخابات ومفتش الداخلية قائلاً لهم"أين صوتي أنا يا ولاد الكلب,ولا صوت واحد في الصندوق الذي صوتت فيه أسرتي,نفرض أن عائلتي كلها تكرهني ولم تعطني صوتها..قلنا ماشي..ونفرض أن اشقائي كلهم حرمتهم من الميراث فلم يعطوني صوتهم..قلنا ماشي,ونفرض أن زوجتى لا تحبني وتعشق غيري,فلم تعطني صوتها..قلنا ماشي..طيب فين صوتي أنا الذي وضعته في الصندوق بنفسي ,صوتي يا ولاد الكلب راح فين"كان يقول ذلك بمنتهي الانفعال,والجميع ساكتون وكأن علي رءوسهم الطير. وكان جامع يحكي القصة للسادات حينما كان نائباً فيضحك كثيراً ويقول:والله لا حكيها لعبد الناصر.  هذه القصص وغيرها حكاهالي بنفسه وكتبتها في عدة حوارات في حياته ونشرت بعضها وقرأها بنفسه عدة مرات ,وفي الأسبوع القادم فستكمل شهادته علي عصور أربعة من تاريخ مصر.

أضف تعليق

إعلان آراك 2