د. ناجح إبراهيم يكتب: د.جامع .. شاهداً علي عصره ( 2-2)

د. ناجح إبراهيم يكتب: د.جامع .. شاهداً علي عصره ( 2-2)د. ناجح إبراهيم يكتب: د.جامع .. شاهداً علي عصره ( 2-2)

* عاجل26-1-2019 | 20:11

قصة د/محمود جامع وشهادته علي عصره عجيبة وغريبة ومثيرة في الوقت نفسه فقد عاش في ظل أربعة من الحكام مختلفين اختلافاً جذرياً,واليوم نستكمل مشهداً مهماً من مشاهده ، فقد انضوى جامع للإخوان بعد سماعه للشيخ البنا في مسجد المنشاوى بطنطا في الأربعينات , وأصبح بعدها من كوادرهم القوية في طب القصر العيني,وشهد اليوم الذي اغتيل فيه حكمدار العاصمة اللواء/سليم زكي حيث اندلعت المظاهرات في كلية الطب فدخل اللواء سليم بقوات الشرطة حرم الكلية,ونزل من مدرعته يحث الجنود علي مواجهة المظاهرة،ومن فوق مبني الفسيولوجي قام بعض الطلبة بإلقاء القنابل اليدوية والديناميت فوق وأمام الحكمدار فانفجرت علي الفور وقتلته,وترجح راوية د/جامع أن قتل الحكمدار لم يكن مخططاً له ولكن دخول المتفجرات من أناس من خارج الكلية كان مخططاً له . وقد كان جامع مثل كل الإخوان وقتها مبهوراً ومؤيداً لثورة يوليه,لأنها أزالت الملك فاروق الذي قتل البنا وحاكمت قتلته ورموز الملكية. وكان والد د/جامع قاضياً وصديقاً لوزير الزراعة في العهد الملكي أحمد باشا عبد الغفار الذي قبضت عليه الثورة وسجنته شهراً. فذهب جامع وهو طالب في القصر العيني لتهنئته بالخروج من السجن,وظل يمدح ثورة يوليه أمامه فاغتاظ الباشا وقال له:يا محمود يابني ضباط الثورة لا يفهمون لا في السياسة ولا القانون,وسترى البلاد معهم المرارة والأهوال. فقال له جامع:الوضع كان في البلاد سيئاً والشرطة كانت تضرب المظاهرات,والمهم مصلحة البلد,والوطن لا يتأثر باعتقال أحد. فقال له الباشا:يا بني كنا نضربكم بالعصي,لكن الثوار الجدد سيضربونكم بالرصاص وستروا التعذيب علي أصوله. وبعد أن انتهي شهر العسل بين عبد الناصر والإخوان عامة والهضيبي الأب خاصة,بدأ الجو المصري يتكهرب سياسياً,وكان الإخوان قد ظهروا للجميع بعد ثورة يوليه كما ظهروا بعد ثورة 25 يناير وعرفهم القاصى والدانى. وبعد محاضرة للدكتور/مصطفي قناوى أستاذ الباطنة بالقصر العيني والطبيب الخاص لعبد الناصر استدعي عشرة من قادة الإخوان بالقصر العيني منهم جامع وسالم نجم وقال لهم بحزم:أنتم شباب ممتاز وناصر ناقم نقمة كبيرة علي الإخوان,ويكره الهضيبي ويشتمه وهو يتوعد الإخوان بالذبح,ويطلب التفاهم مع شباب الإخوان علي أمرين لحل المشكلة. الأمر الأول:حل التنظيمات المسلحة لدى الإخوان وتسليم الأسلحة . الأمر الثاني: تعيين بديل عن الهضيبي"الأب". ونصحهم د/قناوى بعمل شيء بسرعة لإنقاذ الموقف ، كان جامع جريئاً فذهب مع صديق عمره سالم نجم وكانا وقتها في بكالوريوس الطب عام 1954 إلي مكتب الإرشاد ولكن نجم خاف الذهاب للاستئذان للطلبة العشرة قائلاً له:يا جامع انت شاطر وسلكاوي,اذهب وحدك,فذهب فلم يجد سوى وكيل جماعة الإخوان/خميس حميدة الذي رفض الفكرة قائلاً:يا محمود ابعد عن هذا الموضوع وأنا أحبكم,وهناك  خطر عليكم أنتم العشرة. فعاد خائباً ليفاجأ بفصله من النظام الخاص والجماعة معاً,وأصبح منبوذاً تماماً من كل رفاق عمره من الإخوان,لا سلام ولا كلام ,والبعض يسلم عليه بحياء,والبعض يقول له:أنت هكذا أفضل. فلما وقع حادث المنشية وبدأ القبض علي الإخوان،أصبح جامع في حيرة من أمره, فبماذا ستصنفه الحكومة،هل هو إخوان أم مفصول. وزاد أمره سوءً تقاطر الإخوان الهاربين علي شقته بعد استضافته لصديقه نجم المطلوب القبض عليه , وأكثرهم لم يكن لديه أي حس أمني يحمي شقته من الاقتحام,وبعضهم يعطي عنوانها لهاربين آخرين فتكالبت عليه الهموم,وهوجمت الشقة فعلاً ، وتعلق هو وسالم نجم بالمواسير بين خطر القبض عليهم أو السقوط قتلي،ولكن الله مد في عمرهما. التحقا بعمال التراحيل للكسب بعد أن ضاقت بهم الدنيا ، وجدا المأوى الآمن مع الفول والطعمية يأكلانهما بجوار القصعة يومياً ،كان كل منهما يتقاضى ريالاً يومياً . في يوم من الأيام جاء ضابط من مكافحة السرقة مع مخبريه وجنوده لفحص العمال ليلاً ، ومن حظ جامع العاثر كان الضابط زميله في الثانوية العامة،نظر إلي بطاقة جامع المزورة في دهشة قائلاً :ألست أنت محمود جامع من الإخوان ؟! قال وهو لا يدرى ما يفعل :نعم .. ولكن الظروف حكمت ، فقال الضابط :خلاص خليك مفيش مشكلة ، ولكن رئيسه قال:هذا من الإخوان نحن نريده . قبض علي جامع بتهمة الانضمام للإخوان رغم فصلهم له،فاجتمعت عليه كل المصائب ،عذب بشدة لأنه كان محسوباً علي النظام الخاص حتى أنقذه السادات بعد أن رجته والدته بإنقاذه . أما عن شهادته عن الإخوان والنظام الخاص في الأربعينات والخمسينات فيقول:"الإخوان كانوا وقتها تنظيمين في داخل بعضهما ، أحدهما الجماعة العلنية المعروفة التي قادها البنا بطريقته الدعوية المعروفة ، والثاني مختلف عنه تماماً يقوده السندى الحاصل علي مؤهل متوسط ومريض بالقلب ويقود في نفسه العمل العسكرى ، ويعتمد علي الطاعة العمياء والسرية المطلقة وقوة التحمل ، وإلغاء فكر الإنسان وعقله ،فضلاً عن الكبر علي باقي الإخوان والعوام ،أما فرد الإخوان العادى فكان ينظر بإعجاب وانبهار إلي فرد النظام الخاص . وقد استقل السندى بالنظام الخاص استقلالاً كاملاً بعد فترة بسيطة من قيادته ، ومعظم عملياته كانت دون إذن قيادة الإخوان. وسرد بعضاً من عمليات النظام الخاص ومنها قتل واغتيال الخازندار والنقراشي ومحاولة اغتيال إبراهيم عبد الهادى وزير الداخلية فأصابوا بالخطأ رئيس مجلس النواب حامد جودة ، وكأن التاريخ يعيد نفسه في محاولة اغتيال اللواء عبد الحليم موسى التي تشابهت سيارته مع د/رفعت المحجوب فاغتيل الأخير مكانه،أما عن رأيه في التنظيمات الخاصة فيقول أنها سبب كل مصائب الإسلاميين وهي التي أغلقت عليهم كل أبواب الخير وفتحت عليهم كل أبواب الجحيم ولوثت ثوب الدعوة الأبيض بالدماء ،وأوقعت الصدام المروع بينهم وبين الحكومات وزرعت العنف في الأجيال المقبلة. أما لماذا أبقي الشيخ البنا علي السندى فلم يجد لها جامع إجابة شافية ،والغريب في الأمر أن عبد الناصر استقطب السندى إلي جواره في مواجهة القاضي الهضيبى ، وكان الأخير يكره السندى والعنف والتنظيمات الخاصة وحاول مراراً حل النظام الخاص بعد عزل السندى الذي اغتال سيد فايز القيادى بالنظام الخاص بعلبة حلوى متفجرة  لتبعيته للهضيبى عدو الجناح الخاص. وقال جامع:لقد تدرب معظم شباب الإخوان الجامعى في صحراء المقطم من أجل التطوع لفلسطين وكان يدربهم وللغرابة جمال عبد الناصر وكما الدين حسين وعبد المنعم عبد الرءوف وكلهم كانوا ضباط وقتها،وأصبحوا أعضاء في مجلس قيادة ثورة 23 يوليه . وأردف قائلاً : واستطاع ناصر التغلب علي الإخوان وهزيمتهم في أوائل الخمسينات باستقطابه لمعظم قادتهم علي أساس أنه الحاكم وهو من الإخوان  وهذا صراع داخلي في الإخوان ، وقد فضله أكثرهم علي الهضيبي الأب الذي كان البعض يرونه مثالاً للجمود والتحجر ومنهم الغزالي والباقورى وسيد سابق وعبد العزيز كامل وغيرهم. وقد ذكر د/جامع أن د/نوال السعداوي كانت المسؤولة عن دعوة الأخوات في طب القصر العيني ، وهي من دفعته وهي أول من خصصت مصلى للفتيات في الكلية،وكان لها نشاط دعوى قوى جداً ، وأنشط طالبة في الأخوات في الطب،ووالدها كان رجل دين وشريعة من خريجى دار العلوم ، وله تفسيرات مقنعة في تحولها 180 درجة عما بدأت به يضيق المقال عن شرحها. وكان في دفعته أ. د/حسين كامل بهاء الدين "أستاذ طب الأطفال"ووزير التعليم الأسبق وكان لا يحب السياسة في بداية حياته ويقول لجامع :يا محمود أبعد عن السياسة ،دى هاتوديك في داهية،وإذا به هو يسير سياسياً كبيراً.
أضف تعليق

إعلان آراك 2