إسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدًا.. إنها مصر .. وإنهم المصريون

إسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدًا.. إنها مصر .. وإنهم المصريونإسماعيل منتصر يكتب: خواطر حرة جدًا.. إنها مصر .. وإنهم المصريون

*سلايد رئيسى30-1-2019 | 17:07

أمام فرقة موسيقية محترمة يقودها مايسترو بارع وقدير ومحترم، ووسط جمهور كبير يعرف الأصول ويعرف التقاليد الصارمة لحضور حفلات الموسيقى الكلاسيك، وهى تقاليد تمنع أى صوت، وأى حركة، وأى همسة أثناء العزف. تمنع حتى تصفيق الإعجاب بين حركات وفواصل المقطوعة الموسيقية ولحين الانتهاء من عزفها بالكامل، أمام هذه الفرقة، ووسط هذا الجمهور، ارتكب الخطأ الذى لم يجرؤ أحد من قبله على ارتكابه، فقد وقف فجأة أثناء العزف وصرخ بأعلى صوت.. غلط.

راحت عيون الحاضرين تسدد إليه نظرات الغضب والإزدراء والدهشة، أما هو فقد أحس بفداحة الخطأ الذى ارتكبه فعاد للجلوس بسرعة وغاص فى مقعده مذهولًا من انفعاله ولسان حاله يقول: ليت الأرض تنشق وتبتلعنى.. وراح يسأل نفسه: لماذا انفعل بهذه الطريقة؟ لماذا كان انفعاله زائدًا عن الحد؟ لماذا كسر القواعد وخالف التقاليد؟ لماذا ارتكب هذه الخطيئة؟ حدث ذلك قبل حوالى 80 عامًا فى العاصمة النمساوية فيينا، عندما كان العالم المصرى المشهور مصطفى مشرفة يحضر إحدى الحفلات الموسيقية فى دار أوبرا فيينا الشهيرة، وكان هو صاحب هذا الخطأ الشنيع الفظيع.

تظاهر بطلنا بأنه لم يكن الشخص الذى كسر القواعد والتقاليد وأمسك بمنديله يمسح به قطرات العرق الباردة، التى تساقطت من وجهه رغم الجو البارد جدًا فى ذلك الوقت من السنة، وعندما انتهت الفرقة الموسيقية من عزفها، وعندما استدار المايسترو البارع القدير المحترم لتلقى تحية الجمهور الكبير، الذى راح يصفق له ولأعضاء فرقته الموسيقية بحماس منقطع النظير، انكسرت القواعد والتقاليد للمرة الثانية فى نفس الليلة. طلب المايسترو من الجمهور أن يكف عن التصفيق ثم سأل بصوت عال عن الشخص الذى صرخ أثناء العزف.. ومرة ثانية راحت عيون الحاضرين تسدد لمصطفى مشرفة نظرات نارية. وقف العالم المصرى وقال بصوت مبحوح يملأه الخجل: أنا آسف يا سيدى.. يبدو أننى لم أستطع السيطرة على انفعالاتى.... وقاطعه المايسترو وهو يقول: لكنك تقول إنك أجنبى.. من أين أنت يا سيدى؟ ويرد مصطفى مشرفة بصوت أقرب إلى الهمس، من مصر يا سيدى.. أنا مصرى. ويفاجئ المايسترو جمهور الحاضرين بقوله الذى لم يتوقعه أحد. اسمح لى يا سيدى أن أنحنى للبلد، الذى أنجبت شخصًا عبقريًا مثلك، لقد أخطأت الفرقة بالفعل لكنه كان خطأ صغيرًا لا تلحظه إلا أُذن موسيقية عبقرية مثل أذنك. ويعود الجمهور للتصفيق ثانية، لكن التصفيق هذه المرة لم يكن من نصيب المايسترو، وإنما من نصيب العالم المصرى مصطفى مشرفة. وكما كان عبقريًا فى الموسيقى كان واحدًا من عباقرة العالم فى الفيزياء. يكفى أن تعرف ماذا قال عنه أشهر علماء العالم " ألبرت أينشتاين". يقول أينشتاين عن مصطفى مشرفة: إنه قيمة كبيرة لا تقل عن قيمة الأهرامات، ومطلوب من بلده مصر أن ترعاه كما ترعى أهراماتها. وعندما توفى مصطفى مشرفة فى يناير من عام 1950 نعاه أينشتاين فقال: أنا لا أصدق أن مشرفة مات.. هو حى بيننا بأبحاثه.. اليوم مات نصف العِلم.. تصور.. نصف العِلم.. هكذا وصف أينشتاين مشرفة. ولد مصطفى مشرفة فى مدينة دمياط فى يوليو من عام 1898، ومات والده وهو فى سن الحادية عشر.. وعن سنوات طفولته يقول العالِم المصرى الكبير: كانت طفولتى من غير أى مباهج ولذلك طوعت نفسى على الجد واعتبرت اللعب والألعاب مضيعة للوقت. ولم يعرف مشرفة فى حياته إلا العلم والدراسة والموسيقى، فكان يعزف على الكمان وقام بإنشاء الجمعية المصرية لهواة الموسيقى.

وليس معقولًا ولا منطقيًا أن نعرف ذلك كله عن واحد من أعظم علماء مصر دون أن نعرف سيرته ومسيرته العلمية. تلقى مشرفة تعليمه الثانوى فى مدرسة السعيدية وتخرج من مدرسة المعلمين العليا سنة 1917.. ثم حصل على شهادة البكالوريوس فى الرياضيات من جامعة نوتنجهام بانجلترا.. ثم حصل على شهادة الدكتوراه فى العلوم من جامعة لندن فكان أول مصرى يحصل على الدكتوراة فى العلوم من هذه الجامعة، بعدها عاد إلى مصر وعُيَّن أستاذًا بكلية العلوم جامعة القاهرة وحصل على درجة الأستاذية وهو أقل من 30 سنة. ترك مشرفة خمسة عشر كتابًا تتحدث عن عبقريته فى العلوم والفيزياء، وكانت أبحاثه كالشمس، أضاءت العالم بنورها، ومن أشهر هذه الأبحاث بحثه عن مقياس الفراغ ونظرية تفسير الإشعاع الناتج عن الشمس. كما وضع نظرية تفتيت ذرة الهيدروجين ونظرية الإشعاع والسرعة وهى النظرية التى صنعت شهرته العالمية. وفى عام 1949 تم تجميع أبحاثه وكتبه لكى تدعم ترشحه لنيل جائزة نوبل فى العلوم الرياضية، لكنه مات فجأة فلم تتشرف به الجائزة. هذا هو الدكتور مصطفى مشرفة المصرى، الذى انحنى المايسترو البارع القدير لبلده، و قال عنه أعظم علماء العصر: إنه نصف العِلم. إنها مصر وأنهم المصريون!

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2