د. ناجح إبراهيم يكتب: مراجعات صوفية

د. ناجح إبراهيم يكتب: مراجعات صوفيةد. ناجح إبراهيم يكتب: مراجعات صوفية

* عاجل5-2-2019 | 18:35

كان من أكابر العلماء في عصره يدرس الفقه المالكي علي طلبته في الجامع الأزهر,كان يبهر طلابه بدقة بحثه وعمق استنباطه للأحكام،لم يكن متعصباً لمذهبه,وكان يرجح أحياناً آراءً من غير مذهبه،ولذلك ترجم له ابن السبكي في طبقات الشافعية فكان له من سعة الصدر ما لم يعرف لدى بعض فقهاء عصره. اشتهر بمخالفته للمتصوفين،فقد كان يعد نفسه من رجال الشريعة ويظن كغيرة أن هناك خلافاً بين علماء الشريعة والحقيقة دون التحقق من أن رجال الحقيقة هم رجال شريعة في المقام الأول،فليس هناك رجل حقيقة إلا إذا تضلع من شرع الله وعاش فيه وبه وله ومعه. فوجئ طلابه يوماً بانضمام أستاذهم إلي الصوفية وأخذه العهد علي يد أبي العباس المرسي وكان رأساً للصوفية في عصره,وله علم غزير مع خلق رفيع جعله موضع للقدوة في عصره. تعجب التلاميذ من تحول أستاذهم فدعاهم إلي درسه الجامع بالأزهر ليكشف عن سر تحوله إلي التصوف بعد أن كان يهاجمه. أراد أن يضع أمامهم تجربته دون أن يلزمهم بها,وحسبه أنه سيتمتع بالصدق الذي سيخرج من قلبه إلي قلوبهم. استهل درسه قائلاً:قابلت أحد تلاميذ أبي العباس المرسي المقربين فدعاني إلي مقابلة الشيخ قائلاً:إنه يعرف فضلك ويشيد بعلمك وقد تلتقيان علي رأي صائب وكلاكما ينشد الحق،وليس لديكما من التعصب ما يدفعكما إلي التطاول والملاحاة. وأبي هذا التلميذ أن يبادل شدة لهجتي عليهم وعلي المتصوفة بمثلها بل كان رقيقاً لطيفاً،فوقع كلامه من نفسى موقعاً. ذهبت إلي مجلس أبي العباس فراعني من حلو حديثه أرقي ما يتصوره سامع الوعظ إذ شرح الاحوال التي تتعاقب علي النفس البشرية من مرحلة الإسلام فالإيمان فالإحسان،وظل يشرح في هذه المعاني حتى عرفت أن الرجل يغترف من بحر إلهي لا ساحل له . وبعدها وجدت أنني في حاجة لأن أخلو بنفسي فصعدت علي سطح منزلي أتأمل السماء وكواكبها وعجائب قدرته سبحانه حتى امتلأ صدري بمعان لا أقوى علي كتمانها فصممت علي زيارة الشيخ من الغد. فلما ذهبت إليه في خلوته رحب بي وأبلغني حبه وأخبرته  بحبي ثم ذكرت له همومي رغم طاعتي وانشغالي بالعلم,فقال لي:"أحوال  العبد أربعة لا خامس لها النعمة والبلية والطاعة والمعصية،فإن كنت في النعمة فمقتضى الحق منك الشكر,وإن كنت في البلية فمقتضى الحق منك الصبر,وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود نعمته عليك، وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك وجوب الاستغفار"فكان ذلك بلسماً لنفسى إذا عرفت موضعي من ربي. فلما قمت من عنده شعرت وكأنما الهموم كانت ثوباً لبسته زمناً ثم نزعته,فآنست بالشيخ وأحببت ملازمته,وكان بعدها يردد"إن الله محجوب عن الأبصار لا عن البصائر,والذين يعرفون الله حق معرفته يشهدون آثار وجوده فيما أبدع وصور,فكيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء,وظهر بكل شيء,وهو أقرب إليك من كل شيء,وهكذا. انتهت تلك الجلسة التي صارح فيها بطل قصتنا"ابن عطاء الله السكندرى"تلاميذه بقصة جمعه بين الشريعة والحقيقة أو جمعه بين العلم بالله والعلم بأمر الله أو بين الفقه الأصغر والأكبر،وبين علم الفقه"مهمة الفقهاء"والإحسان"مهمة المربين"أو بين مهمة الفقيه ومهمة المربي,بين ذكاء العقل وتزكية القلب. لقد شرح ابن عطاء لتلاميذه كيف دخل إلي التصوف العلمي السني بعلمه وفقهه وتزكيته وتربيته,والذي لو وجد في مجتمعنا بحق لتوقف الانهيار الأخلاقي والقيمى والأسرى ودوامات الطلاق والقتل والسباب وتلك الصراعات التي لا تكاد تهدأ حتى تشتعل في كل مكان،سلام علي الصالحين وعلي ابن عطاء الله السكندرى.
أضف تعليق

إعلان آراك 2