عاطف عبد الغنى يكتب: فى انتظار خروج الأرنب من كم الحاوى!
عاطف عبد الغنى يكتب: فى انتظار خروج الأرنب من كم الحاوى!
السؤال بشكل مباشر:
هل كانت أمريكا تحشد 60 دولة فى العاصمة البولندية، وارسو، من أجل حرب إيران أم من أجل تصفية القضية الفلسطينية؟!
الإجابة: «صفقة القرن» التى هندستها واشنطن وتل أبيب ولم يتم الإفصاح عن تفاصيلها حتى الآن، ومازال العالم ينتظر خروج الأرنب من كم الحاوى، والحاوى يقف خلفه كثيرون، منهم من يسكن البيت الأبيض، ومنهم من يتحكم فى الكونجرس، وباقى دوائر صناعة القرار فى الدولة الأمريكية، أما ترامب، فهو اللاعب أو الممثل الذى يقف على خشبة المسرح واجهة لإعلان القرارات، هو من سيخرج «الأرنب» من كمه، وهو يردد: « جلاجلاجلاجلا !!» بينما أنظار العرب منصرفة ناحية إيران ومشغولة بها، وقد تحدد شهر أبريل المقبل للكشف عن الصفقة التى لا نعرف على وجه التحديد تفاصيلها، فانتظروا يوم العرض الكبير.
(1)
الحاوى يهودى، دماغه تفكر بمنطق كوهين الجد الغابر للدهاء وحفيده زوج ابنة ترامب وكبير مستشاريه المدعو جاريد كوشنر مهندس صفقة القرن، والمدهش أنهم يعيدون تدوير التاريخ بحوادثه الرمزية والفعلية ويعيدون تسويقه، وبيعه لنفس الزبائن على مستوى العالم، وعلى المستوى العربى للأسف.
مايك بنس نائب الرئيس ترامب وهو صهيونى حتى النخاع، ومناصر لإسرائيل بأكثر من الإسرائيليين أنفسهم، حرص وهو فى بولندا على هامش مشاركته فى مؤتمر وارسو الذى عقد قبل أيام بمشاركة 60 دولة عربية وأجنبية، أن يقدم نمرة، فقام بزيارة معسكر «أوشفيتز» الذى يقال إنه أحد المعسكرات التى كان يحرق فيها النازى اليهود، وانحنى المسئول الأمريكى على « ركبة ونصف» راسما على وجهه الأسى، ووضع باقة زهور على آلة قديمة صدئة وكأنه يحك مصباح علاء الدين ليخرج المارد، المرعب، ويقول للإعلاميين والصحفيين فى تصريحاته إن زيارته لمعسكر الاعتقال النازى زادت من تصميمه على مواجهة إيران، وإن النظام الإيرانى يتنفس تهديدات قاتلة بنفس الكراهية المعادية للسامية التى حرّكت النازيين فى أوروبا.. هل ما فعله أسلوب رخيص لابتزاز مشاعر العالم وجلب التعاطف مع إسرائيل؟!.. أم يدخل فى بند تظبيط الشغل، لصرف أنظار العالم والعرب إلى العصفورة، (الأزمة الإيرانية) بينما تقوم إسرائيل بالاستيلاء على القدس وإعلانها عاصمة أبدية للملكة اليهودية فى صفقة القرن؟!
(2)
شىء مذهل ما حدث فى وارسو، لقد جلس نتنياهو بين العرب بشكل علنى، وحرص على تسريب ما يفيد هذا، بأكثر من وسيلة وأسلوب، ليقنع العالم أنه أصبح صديقًا لأعداء الأمس، وبالتالى فليس هناك مشكلة حقيقية يمكن أن تقف فى وجه صفقة القرن.. وصفقة القرن لها أبعاد سياسية، واقتصادية، وجغرافية، وتاريخية.
أما التاريخ فنتنياهو يحاول أن يدفنه فى أعمق نقطة من ذاكرة العرب، وأما الجغرافيا المتعلقة بالدولة الفلسطينية المنتظرة، فتطرح بعض الأسئلة الصعبة منها مثلا: كيف سيتم إقناع العرب والفلسطينيين بالتخلى عن القدس الشرقية وأن يرضوا مثلا بقرية أبوديس عاصمة لدولتهم، منزوعة السلطات تقريبا؟.
أما مساحة الدولة الفلسطينية فيمكن توسعتها حول قطاع غزة، وبعد تفريغ الفلسطنيين من مملكة اليهود العنصرية، وتوسعة مساحة للفلسطنيين ستكون بردم أجزاء من البحر الذى تطل عليه، أو ضم أجزاء من الأردن، أو ربما ضم الدولة الفلسطينية الجديدة كلها إلى الأردن فى اتحاد فيدرالى؟!
وإذا تم حل معضلتى التاريخ والجغرافيا فمعضلة الاقتصاد سهلة، العرب قبل الأمريكان أغنياء ويمكن أن يدفعوا، ويعوضوا الفلسطينيين بكثير من الأموال، ويتولوا كلفة كثير من المشروعات الخاصة بصفقة القرن، مثل ردم البحر، ومع حل المشاكل السابقة حسب خطة واشنطن وتل أبيب، لن تكون هناك (من وجهة نظر الأمريكان والإسرائليين) مشكلة سياسية إلا إيران، وسوف تعد أمريكا العرب بالتخلص من التهديد الإيرانى للمنطقة ولإسرائيل، هل سيحدث هذا بالحرب؟! أشك فى هذا، وغالبًا سوف يحدث بالعمل على إسقاط النظام الحاكم الآن فى إيران، نظام الملالى الخطير عبر خنقه اقتصاديًا، وإشعال الداخل ليسقط الإيرانيون أنفسهم هذا النظام.
(3)
ويبدو أن ما نجحت فيه أمريكا ترامب وإسرائيل نتنياهو هو تغيير أولويات الصراع ومحاوره الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط، أو كما يصف كاتب أردنى مثقف مؤتمر وارسو بأنه نتاج سعى أمريكى محموم لإحداث اختراق تاريخى فى التموضعات الاستراتيجية فى الشرق الأوسط وفى القضية الفلسطينية، بالذات، دعمًا للكيان الصهيونى بتصفية القضية وفتح أبواب التطبيع العلنى مع إسرائيل.
(4)
وقد كتبت كثيرًا من قبل عن مؤتمر مدريد للسلام الذى انعقد قبل ما يزيد على ربع قرن، لإنقاذ إسرائيل من ثورة فلسطينية فى الداخل، والعمل على اختراق المنطقة العربية، وكسب مزيد من التطبيع لصالح الكيان العبرى، وبجهود أمريكية أوروبية، تم إقناع الفلسطنيين، والعرب الممانعين والمقاطعين، بالجلوس على طاولة المفاوضات إلى أعدائهم والتباحث حول نبذ الحرب، وجلب السلام، وحل القضية الفلسطينية، وخلق شرق أوسط جديد يتم التأسيس فيه للتعاون الإقليمى بين دول المنطقة وفى القلب منها إسرائيل، ودفعها إلى التنمية، والعمل على رفاهية شعوبها، وبعد أكثر من ربع قرن على مدريد (المنعقد عام 1991) انتهى التصعيد المؤسسى على اتفاقيات مدريد إلى إطلاق عواصف الربيع العربى.
ولما لم تسقط هذه العواصف عمود الخيمة العربية، مصر، جاء الالتفاف من خلال سيناريوهات أخرى ترفع نفس الشعارات، السلام، لكن العدو الذى يتم التباحث بشأنه هذه المرة تغير فصار إيران بدلا من إسرائيل، ويحق الآن لنتنياهو أن يذهل بالنتائج التى تحققت بعد ربع قرن من مدريد، ونتنياهو هو الذى عطّل مفاوضات السلام الثنائية التى نص عليها أحد اتفاقات مدريد حتى لا يصل لحلول شبه عادلة مع الفلسطينيين.
نتنياهو أوقف ولغى هذه المفاوضات عندما وصل إلى رئاسة وزراء إسرائيل لأول مرة عام 1996 واستبدل المفاوضات بسياسة فرض الأمر الواقع، ليصل الآن إلى ما كان يحلم به أسلافه جولدا مائير وبيجين وشامير ورابين، وفشلوا فى تحقيقه.. تأسيس الدولة اليهودية، هل سينجح نتنياهو فى إعلانها والقدس عاصمة لها؟! .. العلم عند الله وحده سبحانه وتعالى.