إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: الرجل الذى فقد وطنه!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: الرجل الذى فقد وطنه!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: الرجل الذى فقد وطنه!

*سلايد رئيسى1-5-2019 | 14:24

عرفت أيمن نور قبل أن أتعرف عليه.. كان ذلك فى أواخر السبعينيات وكان أيمن نور يعمل أيامها صحفيا فى جريدة الوفد.

كانت صحف المعارضة أيامها جديدة على مصر وقد نجحت، خاصة صحيفة الوفد فى اجتذاب عدد غير قليل من قراء الصحافة القومية.. وكان طبيعيا وأنا فى بداية حياتى الصحفية أن أتابع كل الصحف التى كانت تصدر فى تلك الأيام، خاصة أن عددها كان قليلاً ومحدودًا.. أربع أو خمس صحف قومية وثلاث صحف للمعارضة.

والحقيقة أن أيمن نور استطاع أن يلفت إليه الأنظار بتحقيقاته الجريئة عن تعذيب المواطنين فى أقسام الشرطة.. وكنت واحدًا من الذين تابعوا بإعجاب هذه الخبطات الصحفية التى تثير إعجاب القارئ وتثير اهتمام الصحفيين.

وأصبح أيمن نور نجما من نجوم الصحافة رغم حداثة سنه وخبرته واستطاع أن يحجز مبكرًا مقعدًا فى قطار المستقبل.. وفجأة هوى النجم من السماء السابعة.

تقدم أربعة من رموز المعارضة باستجواب لوزير الداخلية زكى بدر وكان موضوع الاستجواب هو عمليات التعذيب التى يتعرض لها المواطنون فى أقسام الشرطة والتى كشفت عنها صحيفة الوفد من خلال الحملات الصحفية التى نشرها الصحفى أيمن نور.

كانت جلسة تاريخية لمجلس الشعب شهدت هرجًا ومرجًا وصياحًا وصفعات.. ووقف خلالها الوزير زكى بدر يعرض من خلال تليفزيون أحضره معه تسجيلا لأيمن نور يتحدث فيه مع أحد مصادر وزارة الداخلية ويعترف فيه بأن حملة التعذيب التى ينشرها هى حملة مفبركة، وأن كل صور التعذيب المنشورة هى بفعل قلم روج أحمر كان يتم استخدامه على أجساد المنشورة صورهم للإيحاء بأنها آثار للتعذيب.

 كانت فضيحة مدوية لصحيفة الوفد وحزب الوفد ولأيمن نور على وجه الخصوص.. وكان طبيعيًا أن يتوقف قطار المستقبل ويغادر أيمن نور مقعده بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من مركز صحفى مرموق.

بدأت نجومية أيمن نور تتلاشى واختفى اسمه بالتدريج حتى أصبح نسيًا منسيًا ثم فجأة عاد للظهور من جديد.. ليس كصحفى وإنما كمعارض سياسى يحمل هذه المرة درجة الدكتوراة، التى تبين فيما بعد أنه اشتراها من إحدى الدول الشرقية.

وأصبح الدكتور أيمن نور نائبًا برلمانيًا، وفى هذه الأثناء التقيت به مصادفة فى مكتب صديقى وزميلى المرحوم محمد مصطفى الذى كان يشغل منصب مدير مكتب جريدة السياسة الكويتية فى القاهرة.

وذات يوم اتصل بى صديقى محمد مصطفى يبلغنى أن أيمن نور يوجه لى دعوة للعشاء فى منزله أو على وجه الدقة فى عوَّامته الكائنة على شاطئ النيل فى منطقة الكيت كات.

قلت لصديقى إننى لست متحمسًا لتلبية الدعوة فقال لى مشجعًا.. يا أخى تكفيك صحبتى.. ثم أننا سنلتقى بمجموعة من الصحفيين والسياسيين.. شغل يعنى يا أبو السباع!

وذهبت وتلقيت أكثر من مفاجأة، فوجئت بأن العوامة التى يمتلكها أيمن نور والتى دعانا لتناول العشاء فيها أنها مؤثثة بمنتهى البذخ.. كأنها فى مستوى فندق سوبر لوكس 7 نجوم.. وراح أيمن نور يحكى لنا قصة بناء هذه العوَّامة فقال إنها من الحديد وأن الذى بناها له مجموعة من ضباط حرب أكتوبر الذين قاموا ببناء الجسور التى عبرت عليها قواتنا إلى سيناء.

أما العشاء فحدّث ولا حرج.. كأنك تتناول العشاء فى مطعم مكسيم بباريس.

أما آخر المفاجآت فكانت حديقة الحيوان المصغرة التى أقيمت على الشاطئ المواجه للعوَّامة.. وكان من بين الحيوانات المعروضة قرد تم تدريبه على القيام بحركات غير مؤدبة إذا وقفت أمامه سيدة أو فتاة (!!)

فى طريق العودة سألت صديقى محمد مصطفى.. من أين له هذا.. من أين له كل هذا.. ضحك صديقى وقال إن هناك شائعات قوية تؤكد أن الباشا تبناه ومنحه جزءًا غير قليل من ثروته.. والباشا هو فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد.. وسألنى صديقى بدوره: وما رأيك فى حكاية العوَّامة التى بناها ضباط حرب أكتوبر، فقلت على الفور: لا أصدق.. حتى ولو أن ذلك صحيحا.. ما كان ليصح أن يخبرنا بهذا الموضوع.. لم يكن لائقا أن يتحدث عن أبطال العبور وكأنهم عمال ترحيلة استأجرهم بفلوسه!

ولم تتواصل علاقتنا.. لكن اسم أيمن نور بدأ يلمع من جديد فى عالم السياسة.. فاكتسب شهرة أنه معارض وأنه عضو بارز فى مجلس الشعب.

ومرة أخرى ألتقى به.. كنت أيامها أشغل منصب مدير تحرير مجلة أكتوبر، وقد حدث أن كلّفنى الأستاذ رجب البنا رئيس تحرير أكتوبر بلقاء أيمن نور.. قال لى: اتفقت معه على أن يكتب لأكتوبر مقالاً أسبوعيًّا.. أرجو أن تقابله وتتفق معه على التفاصيل.

واتصلت به والتقينا فى منزله بحى الزمالك.. وأمام حمام السباحة الملحق بشقته والتى تقع فى الدور الأخير من العمارة التى يقطن بها.. جلسنا نناقش التفاصيل (!!)

كنت مسئولا عن استقبال مقاله ومراجعته أسبوعيًا.. وللأمانة لم أقرأ له يوما كلمة لها وزن!

وتمر الأيام ويستمر الدكتور فى نشاطه السياسى كمعارض إلى أن قام بتأسيس حزبه.. حزب الغد فى عام 2004.

ويقرر الدكتور أيمن نور استثمار شهرته كمعارض فيدخل الانتخابات الرئاسية التى جرت فى عام 2005 والتى فاز بها الرئيس الأسبق حسنى مبارك بينما جاء ترتيب أيمن نور الثانى، أما الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد فقد جاء ترتيبه الثالث والأخير.

كان فوز أيمن نور بالمركز الثانى مفاجأة لكن الحقيقة أن السبب الرئيسى فيها كانت ممارسات نعمان جمعة التى أفقدته الكثير من أصوات المعارضة.

وتتوقف الأيام عن الابتسام للدكتور أيمن فيتم إلقاء القبض عليه بتهمة تزوير أصوات المواطنين لتأسيس حزبه.. ويحاكم ويصدر حكمًا بحبسه خمس سنوات.

وتبدأ زوجته جميلة التى كانت تعمل مذيعة بالتليفزيون المصرى فى التواصل مع شخصيات سياسية أمريكية والاستقواء بها للإفراج عن أيمن نور.. أيامها توليت منصب رئيس تحرير مجلة أكتوبر وكتبت مقالا عن استقواء جميلة بالأمريكان.. وفوجئت بخطاب يصل مكتبى تبين أن أيمن نور هو الذى أرسله لى، ذكرنى أيمن نور بالأيام الخوالى وكيف كانت صداقتنا.. والحقيقة أنه لم يكن يوما صديقا بالنسبة لى.

المهم أنه راح بعد ذلك يعاتبنى على ما كتبته فى حقه وحق زوجته.. وراح فى آخر خطابه يشكو لى سوء المعاملة كسجين والتى تشمل منعه من استخدام القلم والورق.. مؤكدًا أنه بذل جهدًا خارقًا لتهريب خطابه لى وإيصاله إلى مكتبى.

وضحكت طويلا من حكاية الجهد الخارق فقد كان له مقال أسبوعى تنشره جريدة الشعب.. ولم يكن معقولا ومنطقيا أن يستطيع بجهده الخارج إدخال أقلام وأوراق إلى زنزانته ليكتب مقالا أسبوعيا يتم تهريبه تحت أعين حراس السجن!

ولم أحاول الرد عليه وقلت لنفسى: يكفى أنه حبيس الأسوار.

وتنتهى محنة أيمن نور بالإفراج الصحى عنه ويقوم بتطليق زوجته جميلة لأسباب مجهولة.

ويحاول أيمن نور تعويض ما فاته فيعلن ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى عام 2012.. لكن القضاء المصرى يرفض ترشحه لأن الإفراج عنه لم يكن بمثابة إعلان ببراءته وإنما كان إفراجًا صحيًا.

ويقترب الدكتور أيمن نور من الإخوان ويبدى إعجابه الشديد بالمهندس محمد مرسى فى الجلسة الفضيحة التى اجتمع فيها المعزول محمد مرسى مع القيادات السياسية فى مصر لمناقشة كيفية مواجهة خطر سد النهضة الذى تبنيه إثيوبيا.

تصور الحاضرون أن الجلسة سرية ثم تبين أنها مذاعة مباشرة على الهواء.

يومها تحدث مرسى بطريقة لا تخلو من البلاهة عن أرقام ومعادلات تطمئن المصريين على النيل.

لم يفهم أحد حرف أو رقما مما قاله مرسى إلا أيمن نور الذى انبرى يقول: هذه ميزة أن يكون رئيس مصر مهندسا (!!)

وتتوالى الأحداث وتندلع ثورة 30 يونيو.. ويهرب أيمن نور إلى لبنان ومنها إلى تركيا ليتحول إلى قاعدة صواريخ للتحريض على مصر ونظام مصر.

وتتواصل جهود أيمن نور التحريضية ضد مصر والمصريين فيعلن عن كيان جديد يضم مائة شخصية سياسية من داخل مصر وخارجها قال إن هدفها هو إنقاذ مصر.

وتكشف الفضيحة حقيقة الدكتور أيمن نور فقد أعلن عددًا غير قليل من قائمة المائة التى أعلنها الدكتور.. رفضهم الانضمام للقائمة وقالوا إن أحدًا لم يتواصل معهم ولم يأخذ رأيهم فى الانضمام للقائمة.. بل إن بعضهم تهكم على أيمن نور وقائمته وقال: إذا أردت أن تكون معارضا تعالى إلى مصر وادفع مثلنا ثمن المعارضة!

ولم أجد إجابة حتى الآن للتساؤلات التى طرحتها بعد تعارفى بأيمن نور.. من أين له هذا، من أين له حمام سباحة مقام فى الدور الأخير من عمارته.. من أين له عوَّامة بناها له أبطال حرب أكتوبر كما يزعم.. من أين له كل هذا البذخ الذى كان يتمتع به فى مصر.. ثم من أين له الأموال التى أنفقها ولا يزال على قناة الشرق الإخوانية.. من أين له كل هذه الحسابات البنكية التى ينفق منها فى الخارج.

مثله إما أن يكون مولودًا وفى فمه معلقة من ذهب مرصعة بالياقوت والألماظ.. أو أنه ينتمى إلى هؤلاء الذين يبيعون أوطانهم.

وعلى قدر علمى فقد ولد أيمن نور فى 5 ديسمبر من عام 1964 بمدينة الإسكندرية وليس فى فمه أى معلقة.. لا ذهب ولا حتى صفيح.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2