كتب: عمرو فاروق
جاء قرار البرلمان الليبي، بحظر جماعة الإخوان كاشفا لتاريخها منذ نشأتها منتصف القرن الماضي.
إذ كانت البداية الحقيقة، لتأسيس "إخوان ليبيا"، على يد قتلة رئيس الوزراء المصري، محمود فهمي النقراشي في ديسمبر 1948، وذلك بعد أن أصدر النقراشي باشا قراره التاريخي الأول بحل التنظيم في 8 ديسمبر 1948.
وهم عز الدين إيراهيم، ومحمود يونس الشربيني، وجلال الدين إبراهيم سعدة، المتهمين بالمشاركة في التخطيط لقتل النقراشي، وهروبوا من الملاحقة الأمنية، متجهين إلى ليبيا طالبين اللجوء عند الأمير إدريس السنوسي، حاكم ليبيا، الذي آواهم.
كانت هذه الواقعة سببا في توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ هددت مصر حينها بغلق حدودها مع ليبيا، بسبب رفض طلبها بتسليم المتورطين في مقتل النقراشي.
كان اختيار الإخوان اللجوء إلى الأمير إدريس السنوسي مدروسا، باعتبار أن "السنوسية"، مثلت توجها لحركة إصلاحية دينية، تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية.
لم تمض فترة طويلة حتى تمكن عناصر الإخوان الهاربين من تكوين أول شعبة رسمية لهم داخل التراب الليبي، وممارسة نشاطهم بصورة علنية.
الاغتيال
لكن في أكتوبر عام 1954، تغير المشهد تمام عقب تورط الإخوان في أول عملية اغتيال بالرصاص الحي، نفذها الشاب محي الدين السنوسي، البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً، واستهدفت إبراهيم الشلحي، ناظر الخاصة الملكية، والقائم على خدمة الملك الإدريسي.
وترتب على ذلك، منع جماعة الإخوان من ممارسة جميع نشاطها في ليبيا، لكنها لجأت إلى العمل السري، من خلال نشر الكتب والمجلات الدينية والسياسية.
التنظيم السري
مع بداية الستنيات ركزت شخصياتٌ بارزة من جماعة الإخوان في ليبيا على عملية البحث في إمكانيّة إنشاء تنظيمٍ يجمع أكبر عدد من الأشخاص المقتنعين بأفكارهم، حتى انتهت المشاورات والاتّصالات إلى عقد سلسلة من الاجتماعات في شقة محمد رمضان هويسة، القيادي الإخواني البارز، في منطقة زاوية الدّهماني في طرابلس، وكان هويسة من أسرة معروفة، وانتمى إلى الإخوان منذ كان طالبا في الثانوية، وانتهت الاجتماعات إلى الاتفاق على تأسيس تنظيم للإخوان في طرابلس، بقيادة الشيخ "فاتح أحواص"، وعيّن محمد رمضان هويسة مسؤولاً للعلاقات الخارجية، ومحمود محمد الناكوع، مسؤولاً لشؤون التنظيم، وعمرو خليفة النامي، مسؤولاً عن النشاط الجامعي، ومختار ناصف مسؤولاً عن الشؤون المالية.
في التوقيت ذاته، أسس إخوان بنغازي تنظيماً مشابهاً، من قياداته عبد الكريم ومصطفى الجهاني، وإدريس ماضي، ومحمد الصلابي، وصالح الغول، وكان بين التنظيمين علاقات تنسيقية لتبادل المعلومات والنشاط بسرية تامة، ودون إصدار أية إصدار أي بيانات رسمية.
ثورة الفاتح
عقب قيام ثورة الفاتح عام 1969، وإعلان الجمهورية الليبية، على يد معمر القذافي، الذي أبدى معارضة للإخوان من دون أن يعلن ذلك رسمياً، وظل كثير من عناصر الإخوان يتقلدون مناصب عليا في الدولة الليبية.
حتى أصدر القذافي قرارا عام 1973، بمنع نشاط الجماعة وحظرها، في إطار علمنة الدولة الليبية، التي دعا من خلالها إلى فصل الدين عن السياسية، ما اضطر الإخوان إلى مغادرة ليبيا، وطلب اللجوء في عدد من الدول الغربية.
وفي مطلع ثمانينيات، عاد كثير من أعضاء الإخوان في الخارج إلى ليبيا، لينتهجوا العمل السري بهدف إحياء نشاط التنظيم، وكان من أهم الشخصيات التي برزت خلال تلك المرحلة، عماد البناني، وعبد المنعم المجراب، والأمين بلحاج، وعبد المجيد بروين، وقد انضم إليهم من العناصر السابقة كل من إدريس ماضي، ومصطفى الجهاني، اللذان انضما في ما بعد إلى حركة التجمع الإسلامي.
وفي بداية عام 1995، شنت السلطات الليبية حملة اعتقالات واسعة شملت التنظيمات الإسلامية كلها، وتمكن عدد كبير من شباب الإخوان من الهرب من جديد خارج البلاد، إذ اتجه أغلبهم إلى أوروبا الغربية.
عام 1998، اكتشفت السلطات الليبية التنظيم السري للإخوان ، فاعتقلت 150 عنصراً قيادياً منهم.
وفي 16 فبراير 2002 أصدرت محكمة الشعب الخاصة التي حكمها بالإعدام على المراقب العام للإخوان في ليبيا عبد القادر عز الدين، ونائبه سالم أبو حنك، فيما حُكم على ثلاثة وسبعين متهما منهم أعضاء من مجلس الشورى بالسجن المؤبد، ولكنهم هربوا إلى الخارج.
وفي عام 2004 انتخب سليمان عبد القادر مراقبًا عامّا للإخوان المسلمين في ليبيا وهو يعتبر بذلك أصغر مراقب عام عرفته جماعة الإخوان، وظل عبد القادر يمارس نشاطه، منطلقا من مدينة زيوريخ في سويسرا، كما تم اختياره رئيسا لرابطة مسلمي سويسرا .
ليبيا الغد
عام 2006 طرح سيف الإسلام القذافي مشروع ليبيا الغد، أو ما سمي بـ "الجماهيرية الثانية"، حيث حاول احتواء جميع المكونات السياسية الليبية، في إطار دعوته إلى التحول السياسي من ليبيا الثورة إلى ليبيا الدولة.
بناء على ذلك أجرى سيف الإسلام القذافي سلسلة من الاتصالات والحوارات مع عدد كبير من القيادات الإخوانية في الخارج، بالتزامن مع لقاءات متكررة مع المعتقلين، نتج من ذلك الاتفاق على الإفراج عن الإخوان ، بشرط ألا يقوموا بأي نشاط تنظيمي أو سياسي أو اجتماعي، وأن يعيشوا مواطنين عاديين في ليبيا.
حاول سيف الإسلام القذافي، تحييد الإخوان ودمجهم في إطار مشروعه الوطني الجديد، ونتيجة عن ذلك تغلغل الجماعة داخل الكيان السياسي، إلى الحد الذي أصبحوا فيه جزءاً منه، لا سيما في السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط نظام القذافي عام 2011.
وفي نوفمبر(تشرين الثاني) 2011، انتخب إخوان ليبيا، بشير عبد السلام الكبتي مسؤولا عاما جديدا للجماعة بديلا لسليمان عبد القادر، ليحل محله في مايو (آيار) 2015 أحمد عبد الله السوقي، مراقباً عاماً للإخوان في ليبيا.
17 فبراير
ومنذ أحداث 17 فبراير(شباط) 2011، والاطاحة بمعمر القذافي، تعتبر جماعة الإخوان مصدرا مهما لتشكيل ودعم المليشيات المسلحة، بنختلف تنوعاتها الفكرية والايدلوجية بهدف بسط نوفذها سياسيا على التراب الليبي وفي مواجهة تحركات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.