كتب: عمرو فاروق
تجاهلت مختلف القنوات والأبواق الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، الحديث عن قرارات العفو الرئاسي عن بعض العناصر الإخوانية التائبة، خلال الساعات الماضية.
وجاء الرد العملي والفعلي من قبل الجناح المسلح للإخوان، في محاولة التفجير الفاشلة لأتوبيس سياحي مساء الأحد الماضى على منزل الطريق الدائرى المؤدى لميدان الرماية، بمحافظة الجيرة.
وهي عملية نفذت بنفس أسلوب تفجيرات الأتوبيس السياحي بالمريوطية في 29 ديسمبر(كانون الأول) 2018.
ويبو واضحاً أن الهدف الأساسي من هذه العمليات هو تشويه صورة الأجهزة الأمنية المصرية، محلياً ودولياً، إذ نشرت قناة الجزيرة ومواقعها تقارير اتهمت فيها الأجهزة الأمنية بتنفيذ العملية وإلصاقها بالإخوان وأعوانهم، ما يعني أن قرارت العفو التي أصدرتها الرئاسة المصرية بشأن بعض التائبين عن فكر الإخوان ليست في مصلحة التنظيم وقياداته نهائياً، كونها مراجعات ذاتية تهدم فكرة مركزية التنظيم، وتعد خطراً على مشروعه، بل مثلت ضربة حقيقية لتحركاته، إذ أنه من مصلحة الجماعة بقاء عناصرها داخل السجون لاسيما العنصر النسائي، خاصة في تلك المرحلة، كونهم الورقة التي تتاجر بها وتستغلها في تشويه الدولة المصرية أمام دوائر صناع القرار الدولي، خاصة المجتمع الأوروبي، والهروب من دائرة التصنيف على قوائم الإرهاب، وضمان تدفق التمويلات من كفلاء الإرهاب وأعوانهم، وهو ما يبرر عدم قيام قنوات الإخوان بالحديث حول الموضوع تماماً.
كما أن قضايا السجناء الإخوان، تعتبر الأداة الحقيقية التي توظفها الجماعة للتغطية على فشلها وسقوط فكرتها ومشروعها أمام أتباعها، وتصدير القضية على أنها مضطهدة على مدار تاريخها، وأن معركتها مع الأنظمة الحاكمة، معركة بين "الإسلام والكفر"، وأن ما لحق بقيادات وعناصر التنظيم هو مجرد ابتلاء مثلما ابتلى الله الأنبياء واختبرهم، ومن ثم يتم صياغة كربلايئة ومظلومية للتأثير بها على أتباعها وتضمن بها بقاء التنظيم والحيلولة دون تفككه.
لكن.. لماذا قرارات العفو الرئاسي؟
أولاً: قرارات العفو الرئاسي من شأنها التأكيد على احترام مصر لحقوق الإنسان، ومراعاتها لكافة الظروف الإنسانية.
ثانياً: اتجاه القيادة السياسية لتفكيك المشهد بهدوء تام، يشير إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يسير بخطوات ثابتة في هذا الملف وفقاً لتوجهات أمنية وسياسية موزونة جداً، وبعيداً عن البروباجندا الإعلامية، كما تؤكد أنه لم يرغب في جني أية مصلحة أو سمعة شخصية، لكنه يضع في مقدمة أولوياته مصلحة الدولة المصرية، بعيداً عن الأبواق الإعلامية التي تأتي تحركاتها بنتائج عكسية.
ثالثاً: الدولة المصرية لا تعترف بالمصالحة، على مدار تاريخها مع مختلف التنظيمات المتطرفة، لكن قُدمت مبادرات بناء عليها طرحت "مراجعات فكرية"، في شكل مؤسسي تنظيمي وليس في إطار مبادرات فردية ذاتية.
رابعاً: ما تفعله القيادة السياسية، حاليا ًمحاولة لتفكيك المشهد داخل السجون، بعيداً عن فكرة "المصالحة"، ووقف تمدد حالة الاستقطاب الفكري، ومنع تحول السجون إلى بيئة خصبة لصناعة العقول المتشددة والمتطرف، أو مورد لتشكيل الدواعش.
خامساً: وضعت القيادة السياسية، عدة شروط لقرارات العفو الرئاسي أهمها، أن تكون "المراجعات الفكرية" ذاتية فردية، أو صادرة من مجموعات جغرافية، وليس في شكل مؤسسي تنظيمي، مثل مجموعة إسكندرية، أو مجموعة البحيرة، أو مجموعة عين شمس، أو دمياط، أو مجموعة المنيا أوالفيوم، وهكذا، ودون أن يكون لهذه المجموعات رأس يحركها، بمعنى أنها لا تعترف بشرعية قيادات التنظيم ووجودهم، ولن تقبل منهم أية "مراجعات فكرية" باسم التنظيم أو الجماعة، على عكس مبادرات الجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد.
سادساً: جميع العناصر التي تم الإفراج عنهم، قدموا اعترافات تفصيلية عن مصادر التمويل، وخطوط ودوائر الاتصال والدعم المالي والتنظمي، الداخلية والخارجية للإخوان، كنوع من إثبات حسن نواياهم، كما أعلنوا بشكل رسمي توبتهم وتبرؤهم من أدبيات وأفكار الجماعة، والإيمان بفكرة ومشروع "الإسلام الإنساني"، والكفر بمختلف التنظيمات والجماعة الإرهابية الأخرى.
سابعاً: سبق قرارات العفو الرئاسي، الكثير من الإجراءات الهامة الضامنة للمراجعات الفكرية الذاتية لهذه العناصر، إذ بدأت بورش عمل فكرية، خلصت للكثير من النتائج حول مشاريع الإسلام السياسي والجماعات التنظيمية، وتم توثيق بعضها.
ثامناً: تم وضع هذه العناصر في عزلة فردية، ثم دوائر فكرية مشابهة، للوقوف حول حقيقة مراجعة أفكارهم ذاتياً، ومراقبتهم، ثم التدرج والتنقل بين السجون وفقاً لدرجة القناعات الفكرية، فمثلاً تعتبر المجموعات داخل سجن الفيوم هي الأكثر توازناً، يليه سجن برج العرب، ثم سجن الأبعدية، في حين يعتبر سجن العقرب، وكل السجون "شديد الحراسة"، هي المركز الرئيسي للعناصر الأكثر تطرفاً وتشدداً.
تاسعاً: تسعى القيادة السياسية، في إطار مشروعها، لتفكيك "مركزية الجماعة" عن طريق فصل القواعد عن رأس التنظيم، وتحويل قضية "المراجعات الفكرية"، لقرار شخصي وليس لتوجه تنظيمي يدخل في إطار التفاوض السياسي.
عاشراً: تضع القيادة السياسية في حساباتها القضاء على مستقبل التنظيم ووجوده نهائياً، علنية أو سراً، في المرحلة المقبلة، بمحاولة تفكيك المستويات الفكرية والتنظيمية داخل الجماعة، وتحييد العناصر الراغبة في "المراجعات الفكرية"، الذاتية، وفق شروط محددة.
حادي عشر: تسعى القيادة السياسية للتأكيد على سقوط فكرة الإسلام السياسي، ومشروع دولة الخلافة، بشكل عملي، والوقوف أمام توظيف قيادات الإخوان في الداخل والخارج لملحمة الكربلائية التي تشير إلى اضطهادهم ومظلوميتهم من قبل الأنظمة العربية والأجهزة الأمنية التي تقف حائلاً أمام مشروعهم.
ثاني عشر: ضرب تحركات التنظيم الدولي ومحور الشر (قطر وتركيا وإيران)، في توظيف المشهد لصالح مخططهم، واستقطاب العديد من العناصر وفق نظرية الثأر المضاد للعناصر المحبوسة داخل السجون.