ماذا يحدث في سوق المال المصري؟ أزمة قطاعية أم مرآة للأداء الاقتصادي؟
ماذا يحدث في سوق المال المصري؟ أزمة قطاعية أم مرآة للأداء الاقتصادي؟
كتب:فتحى السايح
عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية عصر اليوم الاثنين، ندوة بعنوان: "ماذا يحدث في سوق المال المصري؟ أزمة قطاعية أم مرآة للأداء الاقتصادي؟"، بهدف مناقشة الأسباب الحقيقة وراء ضعف سوق رأس المال وهل يرجع لمشاكل داخل البورصة نفسها أم مشاكل تتعلق بالاقتصاد ككل، وذلك بحضور وزير قطاع الأعمال ونخبة من المتخصصين بمجال الاستثمار والبورصة والقطاع الخاص ونواب البرلمان.
وأرجع هاني توفيق الرئيس السابق للجمعيتين المصرية والعربية للاستثمار المباشر، المشكلة الرئيسية في أزمات البورصة المصرية، إلى مشاكل تتعلق بالاستثمار المباشر وعدم وجود حوافز لطرح الشركات في البورصة، وهو ما تسبب في انخفاض حجم التداول اليومي بالبورصة من 400 مليون دولار عام 2000 إلى نحو 20 مليون دولار فقط حاليا، وانخفاض عدد الشركات المدرجة في البورصة من 1071 شركة عام 2000 إلى 251 شركة فقط عام 2018، وتراجع القيمة السوقية للشركات المدرجة بالبورصة كنسبة إلى الناتج المحلى من 106% عام 2007 إلى 19% فقط في 2018، وهى نسبة متدنية جدا مقارنة بدول عربية وأجنبية،حيث تصل نسبة القيمة السوقية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية لنحو 66% من الناتج المحلى الإجمالي، و77% من الناتج المحلى بالكويت، و337% ببورصة جنوب أفريقيا.
وأوضح توفيق، أن البورصة لكى تنشط تحتاج لما أسماه "بضاعة" أي شركات يتم إدراجها بسوق المال، لافتا إلى إلغاء الحوافز والإعفاءات الضريبية المحفزة لإدراج الشركات بالبورصة، وعمل ضريبة دمغة على التعاملات وصفها بالـ"كارثية"، بجانب أزمات الاستثمار المباشر المتمثلة في ارتفاع أسعار الأراضي وعدم توافرها، وارتفاع سعر الفائدة ومزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الاقتراض من القطاع المصرفي، وعدم جود عمالة فنية مدربة، علاوة على ارتفاع أسعار الطاقة للقطاع الصناعة بصورة تجعله غير تنافسي، وفساد المحليات والتشوه الجمركي.
من جانبه اتفق أحمد أبو السعد رئيس مجلس إدارة شركة رسملة لإدارة صناديق الاستثمار ومحافظ الأوراق المالية، مع وجهة النظر السابقة المتعلقة بأن السبب الرئيسي لأزمات البورصة يرجع لمشاكل الاستثمار، ولكنه أكد وجود تحسن في مؤشرات الأداء الاقتصادي، ولكن هذا التحسن لا ينعكس على الشركات المدرجة بالبورصة، وبالتالي لا ينعكس على أداء البورصة، مطالبا بمراجعة المعاملة الضريبية لصناديق الاستثمار لتحفيز المواطنين على الاستثمار بها بديلا عن العقارات.
وقالت هبة الصيرفي مساعد رئيس البورصة والمشرف على قطاع الشركات، إن البورصة تعكس ما يحدث في الاقتصاد بالفعل وأساسها وجود الثقة في الأداء الاقتصادي، لكن تحسين الأداء مسئولية مشتركة بين جميع الجهات من بورصة ومقاصة ووزارات معنية وجهات رقابية وجمعيات أهلية، مؤكدة على تواصل البورصة مع كافة حلقات المنظومة لعمل على جانبي العرض والطلب من خلال جذب الاستثمارات وزيادة الشركات المدرجة بالبورصة، وخلق بيئة تداول كفء وبيئة رقابية مطمئنة للمستثمر، وخلق الثقة.
وأشارت الصيرفي إلى التواصل مع نحو 80 شركة لعرض مزايا الإدراج بالبورصة، بالإضافة إلى التواصل مع بنوك الاستثمار والجامعات لنشر ثقافة الاستثمار، والعمل على توفير الإفصاحات الكاملة للشركات بما يساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار المناسب.
وعرض هاني برزي رئيس مجلس إدارة شركة ايديتا للصناعات الغذائية، تجربة إدراج شركته بالبورصة عام 2015 والتي واجهت صعوبات نتيجة الظروف الاقتصادية للدولة، ولكنها نجحت، مؤكدا على أن الشركات العائلية عندما تصل إلى حجم معين لابد من طرحها في البورصة للوصول إلى مستوى جيد من الحوكمة.
وأشار برزي إلى أن قطاع الصناعة يعاني من مشاكل كبيرة تتعلق بارتفاع أسعار الأراضي الصناعية بخلاف الترفيق وتكلفة المباني وانكماش السوق وتراجع القوى الشرائية، وهو ما يؤدى لصعوبة شديدة في تحقيق العائد على الاستثمار، مشددا على أن النمو الاقتصادي لن يتحقق إلا بالاهتمام بالصناعة، مطالبا وزارة الصناعة بتغيير الفكر في بيع الأراضي، والتوجه نحو نظام الإيجار وهو ما يحدث بالمغرب، كما دعا للاهتمام بدعم المصدرين لأنه إذا لم يتم الاهتمام بالاستثمار المحلى لن يأتي الاستثمار الأجنبي ولن تزيد الصادرات المصرية.
وعلقت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، بقولها إن مصر تعاني مشكلة كبيرة في الأراضي بشكل عام وليس الأراضي الصناعية فقط، لافتة إلى قيام المركز بإعداد دراسة متكاملة حول هذا الموضوع وطرق حل المشكلة أسوة بالتجارب العالمية وبما يتناسب مع الواقع المصري وتم تقديمها إلى الحكومة بالفعل، لافتة إلى وجود معوقات كبيرة أمام الاستثمار تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة لمستويات يصعب معها قيام استثمارات.
من جانبه قال هشام توفيق وزير قطاع الأعمال أن البورصة المصرية مرت بمرحلتين للانتعاش، الأولى في الفترة من عام 1993 وحتى 1997 حيث شهد تغيرات اقتصادية وانتهت بطرح 75% من شركة مدينة نصر المملوكة لقطاع الأعمال وهو ما أسهم في تدفق المستثمرين على البورصة المصرية، أما المرحلة الثانية فكانت في الفترة من 2005 وحتى 2008 حيث شهدت وجود مجموعة وزارية لديها رؤية مشرقة لمصر ولكن انتهت الإنتعاشة بعدد من القرارات الاقتصادية أعقبها أزمة مالية عالمية أوقفتها تماما.
وتابع توفيق من منظور "الخبير"، أن البورصة المصرية مرت بمراحل جيدة استثنائيا ولفترات محدودة وكان هناك ضبابية في المشهد، مؤكدا صعوبة انتعاش البورصة في ظل أسعار فائدة وتضخم مرتفعة، قائلا: "أولويتنا تخفيض سعر الفائدة والمديونية".
وأكد وزير قطاع الأعمال على وجود جهود حكومية كبيرة وغير مسبوقة في مجال تطوير التعليم والصحة، وبناء قاعدة بيانات كاملة للأصول غير المستغلة، مطالبا بتخفيض تكلفة التداول في البورصة حيث يمكن تخفيضها لنصف القيمة الحالية التي تحصلها الجهات المختلفة.
ونفى وزير قطاع الأعمال وجود أي نية لتصفية قطاع الأعمال العام، مؤكدا أن الطروحات الحكومية لا تهدف لسد عجز الموازنة حيث كان من المتوقع أن تصل قيمة ما يؤول من الطروحات إلى الموازنة لحوالي 10 مليار جنيه وهذا لا يمثل قيمة كبيرة من قيمة عجز الموازنة الذى يتخطى 500 مليار جنيه، مشددا على وضوح أهداف الطروحات الحكومية بالبورصة والمتمثلة في زيادة "البضاعة" بالبورصة حتى تعود البنوك وشركات الاتصالات التي خرجت من قبل مرة أخرى.
وردا على استفسارات حول أسباب تأخير الطروحات الحكومة، قال توفيق أن الطرح بدون سوق يعد من قبيل الجنون، معلنا عن قرب طرح شركتين جديدتين، لافتا إلى أن المرحلة الثانية لبرنامج الطروحات الحكومية بالبورصة المقرر بدئه قريبا يستهدف شركات جديدة يتم قيدها بالبورصة لأول مرة وفى قطاعات جديدة أيضا لتنويع الشركات المدرجة.
وطالبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف بإقرار حوافز لزيادة الشركات المدرجة بالبورصة، وإعادة النظر إلى إدارة صناديق الاستثمار لجذب استثمارات شريحة كبيرة من صغار المستثمرين الذين توجهوا للاستثمار في العقارات لعدم وجود بدائل أخرى، مشددة على أن نمو القطاع الخاص هو أساس الإصلاح، لافتة إلى أن منظومة الإصلاح هي منظومة متكاملة لابد أن تتم في وقت واحد وفى محورها الإصلاح المؤسسي وفى قلبه الإصلاح الإداري، معلنة عن عقد المركز لندوة يوم 23 يونيو الجاريلمناقشة حجم وتفاصيل المشكلة في الجهاز الإداري في مصر وطرق حلولها.