(الجزء الثانى) أسرار من داخل الجماعة.. من الذى قاد تنظيم الإخوان الإرهابي بعد ثورة 30 يونيو؟!
(الجزء الثانى) أسرار من داخل الجماعة.. من الذى قاد تنظيم الإخوان الإرهابي بعد ثورة 30 يونيو؟!
كتب: عاطف عبد الغنى
إلى أى مدى أثرت ثورة 30 يونيو، وما تلاها من أحداث على كفاءة وطريقة عمل تنظيم الإخوان الإرهابى؟!.. (مع ملاحظة أن هناك فرق بين التنظيم والجماعة).
ومن أدار التنظيم فيما تلى من أيام؟ خاصة بعد حل جماعة الإخوان المسلمين، وتصنيفها كيانا إرهابيا فى شهر مارس 2014، وحل ذراعها السياسى حزب “الحرية والعدالة” ؟!
كانت إحدى المشاكل الهيكلية في تنظيم الإخوان، خلال العقدين الأخيرين، وحتى قبل 30 يونيو 2013 هي سيطرة مجموعة صغيرة على عملية وضع الأهداف والرؤى والاستراتيجية الكبرى للجماعة ككل من دون مشاركة حقيقية من بقية القيادات فضلاً عن الشباب.
أما على مستوى العمل الحركي، فالتنظيم تبنى دائماً استراتيجية ثنائية تقوم على أمرين هما مركزية القرار، ولا مركزية التنفيذ، كما يقول الكاتب خليل العناني، فى كتابه الصادر أولا باللغة الإنجليزية، بعنوان ” داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة” ، ويوضح الكتاب أن القرارات الكبرى أو الاستراتيجية العامة للجماعة والتي تتعلق بوضع الأهداف العامة للتنظيم يتم اتخاذها بشكل مركزي عن طريق القيادات المسؤولة في التنظيم، وتكون فى الغالب نتيجة حسابات وتوازنات كثيرة، أما عملية تنفيذ هذه القرارات فتترك فيها الحرية للمستويات الوسيطة والدنيا، والتي تتمتع بقدرة عالية من اللامركزية في تنفيذ أهداف الجماعة وذلك تحت رقابة المكاتب الإدارية.
وعود على بدء، فقد ذكرنا فى الحلقة السابقة من هذه السلسلة أنه بعد ثورة 30 يونيو 2013 وعزل مرسى من الحكم، والإعلان عن خريطة الطريق في 3 يوليو، تبقت 4 من قيادات الصف الأول للجماعة، صار يعول على أن يلعبوا دورا فى الخروج بالجماعة من الأزمة الزلزالية التى عصفت بها، بأقل الخسائر الممكنة، وذلك من خلال وضع حد لحالة التوتر السياسي التى خلقتها الجماعة فى مصر.
كان الأربعة المقصودين هم: مرشد الجماعة محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، وعمرو دراج، ومحمد على بشر، والأربعة السابقين كانوا هنا فى مصر، أثنان منهما فى السجن، واثنان خارجه، لكنهما تحت عين الأمن، وحاول الأخيرون القيام بدور الملطف إن جاز التعبير، مع السلطات، لكن بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، أكد الواقع أن قيادة الجماعة انتقلت بالفعل وربما للمرة الأولى فى تاريخها إلى خارج مصر، وأصبح لأعضاء الجماعة من قيادات الصف الأول، في الخارج دورا واضحا، وخاصة جمعة أمين ومحمود حسين ، عضوا مكتب الإرشاد ، وقد سافر جمعة إلى لندن، بينما انتقل حسين من السعودية إلى قطر، وكان عليهما قيادة التنظيم من خلال ما يسمى بـ “التحالف الوطني لدعم الشرعية”.
قبل 4 أيام من تفجر ثورة 30 يونيو، وبعد أن خرج الشعب المصرى بأعداد كبيرة إلى الميادين والشوارع يندد بالجماعة وحكمها الفاشل، أصبحت الجماعة شبه متأكدة أن مرسي سوف يُخلع، ولهذا السبب غادر محمود حسين الأمين العام للجماعة مصر، ودون إذن من مكتب الإرشاد (كما يقول خصومه داخل الجماعة) حيث سافر إلى المملكة العربية السعودية، وعندما سئل – فيما بعد – قال أنه سافر فى زيارة أسرية، ومكث مع ابنته في جدة، وبعد أن قامت الثورة وخلعت مرسى ونظام الإخوان من الحكم، طٌلب من حسين مغادرة المملكة السعودية خشية أن تسلمه السلطات السعودية إلى مصر ، خاصة وأن المملكة العربية السعودية كانت واحدة من أوائل الدول التي أشادت بانتصار إرادة المصريين وخلع مرسي، وطلب منه أيضا أن يتوجه إلى قطر تحديدا، وأصبح محمود حسين الأمين العام، مسؤولاً عن التنسيق داخل الجماعة في مصر وخارجها، ولهذا السبب حرصت الجماعة ألا يقع فى يد الأمن، حتى لاتفقد التواصل بين تنظيمها وفروعه المختلفة، وحسين هو حارس التنظيم ضد التهديدات الخارجية، مثل الضغط من أجل المصالحة أو الاعتذار.
في هذه الأثناء ، لم تعرف أجهزة الأمن مكان محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الرسمى للجماعة، ولا محمود عزت عضو مكتب الإرشاد، الذى عينته الجماعة فيما بعد قائما بأعمال المرشد، بعد القبض على بديع في 20 أغسطس 2013، وحبسه تحت المحاكمة فى عدد من القضايا.
عجوز أخر من عواجيز الجماعة هو جمعة أمين، عضو مكتب الإرشاد، ونائب المرشد العام، الذى سافر أيضا قبل يومين من خلع مرسى إلى لندن بحجة العلاج من مرض مزمن في عظامه، ومارس من موقعه فى لندن دورا بالتنسيق مع أمين التنظيم الدولي إبراهيم منير، حيث عمل كلاهما (جمعة ومنير) بتركيز كبير على الجانب الدعائى، للجماعة والترويج للروايات المكذوبة بشأن ما حدث فى 30 يونيو 2013، وتوليا فتح مكتب إعلامي ليحل محل فضائيات الجماعة، أو الداعمة لها، والموجهة للداخل المصرى بالأساس، والتى أغلقتها السلطات وأبرزها قناتى: “مصر 25” و “الجزيرة” القطرية.
وتوزعت قيادات الجماعة من الصف الأول في الخارج مركزة أولا على الإعلام، لجاب الدعم من خلاله، وإدراكا منها لتأثيره على الخارج، وكان اللاعب الرئيسي في هذا المجال عبد الله الحداد ، شقيق جهاد الحداد.
وعائلة الحداد المكونة من الأب عصام الحداد، و 5 أبناء ذكور، (سوف نكتفى هنا بالحديث عن ثلاثة منهم) هم: جهاد، وعبدالله، ومدحت، ولهم وأبيهم قصة طويلة مع الإخوان.
القصة بدأت مع الوالد "عصام الحداد” ، الرجل الأقوي والأخطر داخل الأسرة، والذى قضى شطرا كبيرا من عمره فى أنجلترا، قبل أن يأتى إلى مصر وينضم للجماعة، ويصعد فيها إلى أن يصبح عضوا مؤثرا فى مكتب الإرشاد، ليس فقط لمهارته فى خدمة الجماعة وخاصة فى الخارج، ولكن لعلاقاته الشخصية، فهو صديق مقرب لخيرت الشاطر، ويرتبط بمصاهرة مع الدكتور محمود أبوزيد، عضو مكتب الإرشاد فضلا عن أن القيادي الإخواني محمد إبراهيم، عضو مكتب الإرشاد، هو زوج خالته.
تولى عصام الحداد رئاسة لجنة العلاقات الخارجية فى حزب “الحرية والعدالة” بعد إعلانه، قبل أن يتخلي عن المنصب لعمرو دراج ويشغل هو منصب مساعد الرئيس للشئون الخارجية بعد فوز “مرسي” بالرئاسة.
وتولى عصام الحداد هو وأحد أبنائه (جهاد) الحملة الإعلامية للمعزول مرسى، إبان ترشحه للرئاسة ومع الأخير دخل آل الحداد القصر الرئاسى، وأصبح الابن جهاد المحرك الرئيسي لجميع التحركات التي قامت بها الجماعة والعقل المدبر لها بالخارج والرجل الذي يملك مفاتيح خزائن أسرارها، فيما أصبح شقيقه عبدالله أحد أهم المشرفين علي المقر السري للإخوان بلندن المتمثل في المكتب الصحفي للجماعة، أحد أهم مقرات الدعاية الإخوانية بعاصمة الضباب لندن بحسب ماتم نشره فى مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
والمكتب الذي أداره الأخير يقع فى شمال العاصمة البريطانية، ويقوم بالتنسيق مع عدد من المكاتب العالمية في مصر وأوروبا وأمريكا لإرسال أحدث البيانات الصحفية وتنظيم الاحتجاجات، ووضع الاستراتيجيات الجديدة بما فيها الاتفاق مع محامين بريطانيين لتنسيق رفع القضايا ضد الحكومة المصرية.
أما الأخ الثالث مدحت الحداد فقد كان طالبا بكلية الهندسة، وهو من الذين حكم عليهم بالسجن 3 سنوات في القضية المعروفة إعلاميا بـ”ميليشيات الأزهر”، ومع مرور الأيام أصبح واحدا من رجال البيزنس، وكادرا من أهم كوادرالجماعة بالأسكندرية، ووصل لمنصب أمين التنظيم بها.
بعد خلع مرسى – أيضا – سافر يحيى حميد، وزير الاستثمار إلى تركيا، ليقوم بنفس المهمة الإعلامية، بينما ذهب جمال حشمت، وأشرف بدر الدين إلى العاصمة القطرية الدوحة مكلفين بنفس المهمة، وزاد عليها حشمت بأن نظم هو ومجموعة من الإخوان البرلمانيين السابقين تجمعاً في تركيا وأعلنوا أنفسهم البرلمان الشرعي لمصر، وبينما هو هارب فى تركيا أحرقت الجماهير الغاضبة منزل حشمت في البحيرة.
وفى مجال العمل الإعلامى، والدعائى، يبرز كلاعب رئبسى أيضا اسم إبراهيم الزيات، الأمين العام للمنظمات الإسلامية في ألمانيا، وكان دوره يتلخص فى محاولة إقناع العالم بأن ما حدث فى مصر فى 30 يونيو ليس ثورة شعب ضد الجماعة الإرهابية، ولكن انقلابًا عسكريًا، وبين أنقرة والدوحة صارت أفراد الجماعة سابقة الذكر تتردد مرارًا وتكرارًا دون أن توقفهم سلطات الأمن أو يتم القبض عليهم.
كذلك سافر ما يقرب من ثلاثة آلاف من شباب الجماعة إلى تركيا وقطر لنقل مهام من قادة الخارج إلى كوادر التنظيم من الدرجتين الثانية والثالثة في القاهرة، ولجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعى، مثل الـ “واتساب وفايبر” لتنفيذ المهام الموكلة إليهم.
كان هذا على مستوى قادة الصف الأول من قيادات الجماعة، لكن قيادات الصف الثانى والثالث، وشباب الإرهابية كان لهم رأى وتوجهات أخرى، وقد نظروا إلى قيادات الصف الأول بأنهم صنّاع الأزمة التى عصفت بالجماعة بشكل غير مسبوق، ووصفوهم بأنهم قيادات متكلسة.
وكالعادة لجأت الجماعة والتنظيم فى مثل هذه الأزمات للنزول تحت الأرض والعمل السرى، ويشير الكاتب أحمد خير الدين، فى مقال بعنوان: ” من يرشد الإخوان الآن” إلى أن الأمر وصل إلى تشكيل جبهتين متصارعتين لقيادة الجماعة، خاصة بعد فض رابعة والنهضة وتشكلت بالفعل قيادة جديدة للتنظيم الخاص، وتولت فى الداخل أمر الجماعة واتخذت قرارا بمواجهة النظام بشكل عنيف تحت مبدأ «ما دون الرصاص»، وهو ما امتد إلى اتخاذ اجراءات هيكلية بتشكيل بعض اللجان النوعية للقيام ببعض أعمال العنف كقطع الطرق، أو استهداف أبراج الكهرباء، لاحتواء غضب الشباب وإنهاك الدولة المصرية، دون إلزام جميع أفراد التنظيم بالمشاركة، فالبعض تجنب المشاركة في هذا التطور، وهو ما تشير إليه بعض صفحات الإخوان غير الرسمية على «فيس بوك» وتوقف الإدانات التي كانت تعقب وقوع حوادث إرهابية في البلاد.