عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (6) الحاكمية

عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (6) الحاكميةعاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (6) الحاكمية

* عاجل19-7-2019 | 16:58

كان المودودى زعيمًا سياسيًا أكثر منه عالم دين ولم ينتبه الذين ساروا خلفه، أو صدقوه أنه تجاوز فى تنظيره النص القرآنى الذى اشتمل على تفسيرات واضحة وصريحة تقف ضد تأويلاته، هذا أولاً.

وثانيًا أنه تجاوز الحدود الفاصلة بين ما هو متعلق بالإسلام كعقيدة، وبالإيمان، وبين ما هو عملى يربط الدين بالدنيا، وأنه حين راح يؤصل لأيديولوجيته الجهادية باستمداد مقولات الدين، فقد اجترأ على الدين، وجعل فكرة إسلام وإيمان الإنسان الفرد البسيط التى تجيب له على أسئلة ما وراء الغيب والوجود، وتمنح هذا الإنسان ما يحتاجه من ثقة وسكينة وسعادة فى الدنيا، جعلها المودودى معقدة، حين خلطها بأفكاره السياسية وخرج بأيدلوجية جديدة لتوظيفها فى التغيير المرتبط بالمصالح الفردية والجماعية فأخضع بذلك الثابت المقدس للواقع المتغير.

(1)

وفى الرد على تأويلات المودودى بشأن عدم فهم المسلمون المعاصرين للشهادة التى ينطقونها هناك عشرات السور، والآيات القرآنية بلسان عربى مبين، أى واضح وبسيط كما يقول رب العزة، يستطيع المسلم أن يرجع إليها ليفهم إسلامه ودينه ويعرف ربه، بداية من فاتحة الكتاب المثانى السبع: بسم الله الرحمن الرحيم: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين» صدق الله العظيم.

وهى سورة تشتمل على التعريف بالله، وحمده، وتمجيده، والثناء عليه، وتنزيهه، والإقرار بالإخلاص له، والاستعانة به، وإثبات البعث، والجزاء، وإفراد العبادة، والتوجه إليه سبحانه بطلب الهداية.. يقرأها المسلم فى صلاته المفروضة 17 مرة كل يوم غير صلاة، السنن والنوافل، وهى نفس السورة التى نزلت على رسول الله قبل ما يزيد على 14 قرنًا، فهل يحتاج المسلم لتفسير ألفاظها العربية البسيطة وصولا لكل المعانى السابقة؟!.

وهناك سورة الإخلاص، معجزة البيان فى التوحيد: «قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد» صدق الله العظيم.، سورة تتكون من 4 آيات، عدد كلماتها 15 كلمة فيها جل ما يحتاجه المسلم لمعرفة ربه.

عشرات السور، ومئات الأحاديث البسيطة التى تستوعبها ذائقة المسلم المعاصر اللغوية، فلا يحتاج أن يعود للغة الجاهلية، وعصر التنزيل ليعرف ربه، فلا يشرك به كائن أو مخلوق.

وضع المودودى من خلال تأويلاته للمصطلحات الأربعة (الإله، الرب، العبادة، الدين) الأساس، ليأتى من بعده من يرتب على كلامه أحكامًا شرعية (فتاوى) تقرر عدم الحُكم بإسلام من نطق الشهادتين فى وقتنا الحاضر، ورد علي هذه الفتاوى علماء أجلاء، وأضافوا أنه حتى شرط العمل المصدق للقول لا يؤخذ به فى الحُكم على إسلام ناطق الشهادتين، ولا يحتج فى ذلك بما قيل أنه حديث: «ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل»، وقال بعضهم إنه ليس بحديث شريف، ولكن قول مأثور لحسن البصرى أو على ابن أبى طالب، قال هذا ابن تيمية والغزالى فى إحياء علوم الدين.

وما سبق لا يتعارض مع كون المسلم مكلفًا بعد النطق بالشهادتين، بالقيام بفرائض الإسلام، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، أركان الإسلام، أما الإيمان فدرجة أعلى وهو يزيد وينقص كما جاء فى الأثر.

(2)

ومن تأويل المصطلحات الأربعة، استولد المودودى مفهومًا آخر هو الحاكمية، فانتقل به خطوة تجاوزت الجدل حول عقيدة المسلم إلى إدخال العقيدة فى المجال السياسى، كما يقول محمد شحرور فى كتابه المعنون «الدين والسلطة قراءة معاصرة للحاكمية»، ويضيف أن «مصطلح الحاكمية يعود إلى فكرة الحُكم بما أنزل الله، وهى عبارة قرآنية وقع تداولها فى إطار فلسفة التوحيد، والتأكيد على وحدانية الذات الإلهية والاحتكام إلى التشريعات الإسلامية، وقد أسهمت البيئة الهندية فى تشكيل المودودى لهذا المفهوم فى ارتباط بالقومية الهندوسية المهيمنة، والديمقراطية الأغلبية التى لا تنصف الأقليات، وضعف المسلمين وتشظيهم العرقى واللغوى، والمجالى، وتأثرهم بالواقع الثقافى المتنوع لتكون بذلك فكرة الحاكمية رهانًا مفهوميًا وأيديولوجيًا لخوض المواجهة السياسية وتأسيس قومية إسلامية كلية تشمل شتى مناحى الحياة».

(3)

على المستوى الفقهى يؤكد كتاب «دعاة لا قضاة» أن لفظ الحاكمية لم يرد بالقرآن الكريم على الإطلاق، ولا الأحاديث الصحاح، ويفسر الكتاب ورود وشيوع المصطلح فى الحياة المعاصرة كالآتى:

«والتجارب وواقع حال الناس يقول لنا إن أصحاب الفكر والنظر والباحثين قد يلحظون ارتباطًا بين معانى مجموعة من الآيات بالقرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، وفكرة بارزة فيها فيضعون مصطلحًا لتلكم المعانى، غير أنه لا يمر الوجيز من الزمن حتى يستسهل الناس المصطلح الموضوع فيتداولونه بينهم، ثم يتشدق به إناس، قليل منهم من قرأ الكثير الذى كتبه الباحثون والمفكرون.. والأقل من هؤلاء القليل من يكون قد استوعب ما كتبه الباحثون والمفكرون، واستطاع أن يفهم ما أرادوه وأدرك حقيقة مقصدهم.. وقد لا يمضى كثير من الوقت حتى يستقل المصطلح بنفسه فى أذهان الناس، ويقر فى آذانهم أنه الأصل الذى يرجع إليه، وأنه الحكم الكلى الجامع الذى تتفرع منه مختلف الأحكام التفصيلية.. وهكذا يجعل بعض الناس أساسًا لمعتقدهم مصطلحًا لم يرد له نص من كتاب الله أو سُنّة رسوله.. أساسًا من كلام بشر غير معصوم، وارد عليه الخطأ والوهم.. أساسًا من كلام بشر غير معصوم، علمهم بما قاله فى الأغلب الأعم علم مبتسر مغلوط».

هل تصدق أن من قال ذلك على «الحاكمية» هو مرشد الإخوان الهضيبى فى رده على أبو الأعلى المودودى؟!

وفى فصل تال من كتاب «دعاة لا قضاة» تفنيد فى إسهاب وشرح واف لعبارة: «إن الحكم إلا لله» التى استند إليها المودودى فى نحت مصطلح (الحاكمية) وتستطيع أن ترجع إليه».

(4)

ومن مفهوم «الحاكمية» الذى اصّل له المودودى فى خطابه الأيديولوجى، انتقل إلى حكم جديد بـ»حاكمية البشر» أو الجاهلية المعاصرة، (كمقابل للحاكمية) حيث اعتبر أن حُكم البشر من دون الله نوع من الجاهلية، وعمم ذلك الحُكم على الأنظمة السياسية التى تتخذ غير الإسلام نظامًا للحكم، النظام الديمقراطى، وعدد المودودى الجاهلية المعاصر فى 3 صور.

.. وللحديث بقية.
أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2