عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (7)حزب الله وحزب الشيطان!

عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (7)حزب الله وحزب الشيطان!عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (7)حزب الله وحزب الشيطان!

*سلايد رئيسى26-7-2019 | 13:41

خطوة.. خطوة، نقل أبو الأعلى المودودى مفهوم «الحاكمية» بعد أن قرنه بالتوحيد من مجال العقيدة، والدين إلى المجالين السياسى والاجتماعى..

فقد شكك أولاً فى فهم المسلمين المعاصرين لمعنى التوحيد عبر ممارساتهم الاجتماعية، بقوله إن التوحيد ليس عقيدة دينية طقسية فقط بل هو عبارة عن نظام حياة اجتماعية مبنى على أساس خضوع الإنسان خضوعًا كاملاً للأمر الإلهى، وهذا يقتضى منه: «أن يكفر بالطواغيت والآلهة الكاذبة من دون الله، وهى القوانين، والأنظمة الوضعية، والحكام البشر».

(1)

وعلى قاعدة التوحيد أسس المودودى مفهومه الخاص عن «الحاكمية» التى جعلها شرطًا من شروط الإيمان الفردى، ودليلاً على نقاء هذا الإيمان وصوابه، فهى الوجه الآخر للتوحيد وبها يكون تسليم البشر وانقيادهم إلى حقيقة الاعتقاد الصائب.

  وفى تأويله لعبارة «إن الحكم إلا لله» التى وردت فى القرآن الكريم، انطلق المودودى خطوة أخرى نحو هدف محدد هو مقاربة «السلطة الدنيوية» كيف؟!.. يقول فى كتابه «المصطلحات الأربعة»: «مادام، أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس (السلطة) من حيث إن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث إن الإنسان فى حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأمرها فى حد ذاته واجب الطاعة والإذعان».

ومن بعده جاء سيد قطب ليوضح أكثر فقال: «لأن إعلان ربوبية الله وحده فى العالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر، فى كل صورها وأشكالها، وأنظمتها، وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع فى أرجاء الأرض الحكم فيها للبشر بصورة من الصور»، (معالم فى الطريق).

وبناء على ما سبق أعاد أهم وأخطر، منظرى الجهاديين فى العصر الحديث، تأويل المجتمع الإسلامى والدولة المسلمة، ورسما حدود فاصلة بين عبدة الله، وعبدة الطواغيت، أو حزب الله، وحزب الشيطان.

لقد سعيا المودودى وقطب إلى إحداث «انقلاب إسلامى عام» قال ذلك الأول فى كتابه «الجهاد فى سبيل الله»، وأكد عليه الأخير، فى كتابه معالم فى الطريق، واستكملا عمل مفهوم الحاكمية بمصطلح آخر رديف هو «الجاهلية».

(2)

 كانت الجاهلية المقصودة على عصر نزول الوحى والنبوة هى جاهلية العرب الدينية، وقام المودودى باستحضار هذا المفهوم، ودلالاته من العصر الجاهلى، ليسم (من وسم) مجتمع المسلمين المعاصر، فى عملية إعادته لتدوير، أحداث ووقائع، وصراعات، عصر النبوة الأول إلى الحاضر، وفيما يشبه الاختراع أعاد تشكيل معسكرى الإيمان، والكفر، على الرغم من كل التغييرات التى طرأت بحكم مرور الزمن، وأولها غياب القائد الرسول صلى الله عليه وسلم، وانقطاع الوحى، وخلود الرسالة الخاتمة، واستتباب الأمر، والتمكين لدين الله، وإدراك الفرق بين الغى والرشد، لكن كل ما سبق لم يمنع المودودى من تصريف بضاعة الجاهلية المعاصرة، وأهم زبائنها هم من ينازعونه السلطة السياسية أو المجتمعية أو الدينية.

وهيأ المودودى خيال أتباعه لركوب آلة الزمن والعودة بها، فصدقوا أن كفار قريش وحلفاءهم يتخفون اليوم فى ملابس وهيئات عصرية، ويعلنون أنهم مسلمين، وأن الإسلام مهزوم حتى من أهله، ويستصرخ الأبطال لينصروه، وانطلقت المعارك ضد أعداء الداخل والخارج لتخلف ورائها الآلاف من الضحايا، للأسف كثرتهم الغالبة من المسلمين، الضعفاء، الفقراء، المقهورين.

ومن نفس المنطلق (الصراع السياسى على السلطة الذى يتخفى فى رداء الدين) ألصق سيد قطب بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر التهمة التى اخترعها لتكفير الحكام المسلمين وهى «الحاكم الطاغوت»، ولما كان الشعب المصرى يسير خلفه ويأتمر بأوامره فقد حكم على الشعب بالجاهلية، فاستحق العقاب بالموت، وراح يشكل فرق التنفيذ الجهادية لإنفاذ الأحكام من خلال عمليات إرهابية مثل تفجير القناطر الخيرية، ليغرق نظام عبدالناصر ومن يتبعه من الشعب، وربما تمثل فى خياله مشهد جند فرعون الذين طاردوا نبى الله موسى (!!!)

(3)

وتحولت النظريات إلى أفعال، تبنتها – وما زالت - تنظيمات حركية فى الهند وباكستان، ومصر، وباقى دول العالم، لكن الخنجر استهدف بالأساس قلب المسلم، ولم يتوقف الأمر عند تنظيم سيد قطب الذى خطط لانقلاب مسلح ضد الحاكم الذى يمثل السلطة التى تسعى الإخوان المسلمين للوصول إليها بأى طريقة، وأى ثمن، وبعد الحكم بإعدام قطب، خرج تلميذ له، فلسطينى يعيش فى مصر اسمه صالح سرية، وشكّل خلية جهادية تأسيسا على نظرياته، ووضع «مانفستو» جهادى، أدرك فيه أعداء الإيمان من الحكام وعلى رأسهم الرئيس الراحل أنور السادات، وفى منشوره التكفيرى الذى أطلق عليه زورا وبهتانًا: «رسالة الإيمان» حدد الجاهليين وأعوانهم فى: «الدولة والأحزاب الكافرة، والقوانين، والمعارضين لأحكام الإسلام، والذين يعلنون الاعتزاز بتراث الكفر وحصر الدين فى العبادة وطقوس الشرك الجديدة كتحية العلم والنشيد الرسمى».

وانطلق سرية فى عملية إرهابية يحاول اقتحام الكلية الفنية العسكرية للاستيلاء على أسلحة ومعدات تمكنه من تنفيذ انقلاب مسلح ضد الدولة المصرية، ومثل سابقه وأستاذه سيد قطب فشل، ولاقى المصير الذى لاقاه الأخير، لكن سلسال القطبيين لم ينقطع من قواد التنظيم الخاص للإخوان الإرهابيين، وقتلة السادات، وتنظيم القاعدة، وصولا إلى أمراء داعش الحاليين.

(4)

هذا ما جنته أمة الإسلام من تسييس مفهوم التوحيد، والمشتقات من المصطلحات التى خرجت عنه ( الجاهلية، والحاكمية، والولاء والبراء) وغيرها، وتحويل هذه المصطلحات النظرية إلى أدوات عملية تقوض السلم الاجتماعى، وتبرر ممارسة إرهاب الناس، وإتيان جرائم القتل، والنهب، والسبى، والتنكيل، ونشر ثقافة التكفير فى المجتمع الإسلامى بعد شقه إلى فئتين، كفار يندرجون تحت من يسمونهم الطائفة «الممتنعة أو المرتدة أو المبدلين للشريعة»، أو «أتباع الطاغوت»، وغيرها من الأسماء والأوصاف التى ما أنزل الله بها من سلطان، أوجدوها ليشيطنوا بها خصومهم، بينما حجزوا لأنفسهم صفات وأسماء القداسة والتدين والتطهر، مثل الجماعة المسلمة، والطليعة المؤمنة، والطائفة المنصورة، ولا يخجلون أن يرفعوا هذه اللافتات بأيدي موغلة فى دماء المسلمين. 

فماذا يقول الدين فيما يؤمن به هؤلاء على مستوى العقيدة والشريعة ؟!

.. للحديث بقية.  

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2