لغز الماضـي ... لماذا تـبــدوالذكـريات أجــمل؟

لغز الماضـي ... لماذا تـبــدوالذكـريات أجــمل؟لغز الماضـي ... لماذا تـبــدوالذكـريات أجــمل؟

* عاجل26-4-2017 | 00:39

كتب: الربيع الرحيمة إسماعيل*

نحن لا نتذكر الماضي لجماله ولكن لبشاعة حاضرنا.

- د. علي الوردي

يوم الحادي عشر من ديسمبر للعام واحد و ألفين "2001" كان يوماً مشـهوداً لن ينســأه العالم ، و الشعب الأمريكي بالذات ، فكون أربع طائرات تفجر برج التجارة العالمي، و عدد الضحايا يقدر بأكثر من ثلاثة آلاف، و البورصة الأمريكية تسجل أكبر نسبة خسارة لها منذ تأسيسها، بلغت 14% في يوم واحد، و النتائج لهذه الحادثة لن يحصيها مقال واحد و لكن بعيداً عن التحليل السياسي .. و بحسبانه يوماً مهماً في تاريخ الشعب الأمريكي، قام مجموعة من الباحثين بإستبيان أطلقوا عليه عنوان: " مشروع مانهاتن للذاكرة..  manhanten memory project " و كان مضمون هذا الاستبيان و الذي شمل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، عدد من الأسئلة كالتالي :

سؤال الشخص عن... صف لنا ذاك اليوم " أي يوم الحادثة " ؟ و أين كنت اثناء حدوث التفجير؟ و ماذا فعلت في اليوم الذي قبله؟ ببساطة... النشاط اليومي لما قبل و أثناء يوم الحادثة، و يجيب الشخص المسؤول بكل بساطة عن الأسئلة و يؤخذ عنوانه و بياناته الشخصية .

انتهى الإســتبيان و مضى الباحثون إلى حال ســبيلهم ، ثم بعد مضي عام من الحادثة اتصل الباحثون مرةً أخرى على أولئك الأشخاص الذين خضعو للإســتبيان و التقوا بهم ثم طرحوا عليهم نفس الأسئلة.. فماالذيحدث؟

مفاجأة.... !! لقد تغيرت الإجابات بنسبة 40%"  بمعني أن الذي كان مرتدياً شورت أصفر ، تذكر أنه كان مرتدياً بنطالاً أسـود ...و من كان كان يشـعر بالإكتئاب في يوم ما قبل الحادثة، غير إجابته إلى أنه كان سعيداً في ذاك اليوم، و آخر كان يشــاهد التلفاز في بيته يوم ما قبل الحادثة، ثم تغيرت إجابته إلى أنه كان يتنزه مع أصــدقائه ... و هكذا دواليك !

ثم شكروهم مرةً أخرى و مضى الباحثون بعد أن أخذوا عناوينهم للمرةً الثالثة، و بعد ثلاثة أعوام أتصلوا عليهم و التقوا بهم للمرة الثالثة واستجوبوهم بنفس الأسئلة " وبالطبع كان الباحثون بالهم طويل جداً و المستجوبون بالهم أطول... و ربنا يطول بالگ أنت عزيزي القارئ... حتى نصل وإياك إلى ما أفضت إليه القصة و النتيجة؟  " ماذا حدث هذه المرة ؟ بعد الإستجواب الثالث، كانت الكارثة و المفاجأة الكبرى.... تغيرت الأجوبة بنسبة 70% و ليس إلى هذا الحد فقط و إنما أضافوا إليها بعض الإضافات التي لم تكن موجودة بالسابق... !! إلى هذا الحد انتهت القصة .

و لكن ... ماهيالخلاصة؟؟

الخلاصة التي أفضى إليها البحث هو أنه كان البحث الأفضل في ذاگ العام، و تم نشره في مجلة " التايم " و تم تكريم الباحثين، أما النتيجة الخطيرة التي توصل إليها الإستبيان أو البحث فهى: "نحن من نصور الأحداث بالطريقة التي نريدها و ليست الأحداث نفسها و لكن بعد مرور فترة من الزمان على هذه الأحداث، أي أن الذاكرة ليست كاميرا تصور الأحداث بإستقلاليتها عن المخ ، و إنما الأحداث " هيكل يقوم المخ برسمه.. و نقوم نحن بروايتها للآخرين .

بصورة أوضح عزيزي القارئ أن 70% من ذكرياتنا مجرد صور أضفيناها نحن عليها لم تكن موجودة أصلاً ... أي ببساطة نحن من نساهم في تشكيل الماضي بالطريقة التي نريدها و الآن عزيزي القاريء ...عرفت لماذا الماضي جميل ؟ لطالما أرقني البحث عن إجابة لهذا السؤال.. و لماذا لم اسشعر جمال تلگ الأيام في زمانها؟ فقـط كانت مجرد "فوتوشوب " ... بمفهوم أكثر عصــرية (!!) ، و على حسب ذوقگ و فن التصميم الخاص بگ تستطيع إضفاء الرونق الخاص على ذكرياتگ و أيامك الخوالي.

قضية الماضي و الذكريات من أكثر القضــايا الشائكة التي ظلت تؤرق البشر، و في رواية " بائع الماضـي " يقوم الســيد "فليكس فنتورا " بمهنة عجيبة إذ يبيع ماضيا مجيدا لزبائنه الجدد من الطبقة البرجوازية الصاعدة في العاصمة لواندا، فيؤثّث لهم ذكريات سعيدة، ويخلق لهم أنسابا متأصلة في الجاه والنبالة .

إنّهم " رجال أعمال، وزراء، مزارعون، تجّار ألماس، جنرالات، ناس عاديون؛ يعني أصحاب مستقبل مضمون، و لا ينقص هؤلاء الناس إلا ماض جيّد وأجداد مشاهير."

و ربما لســت بحاجة لشراء ماضٍ عزيزي القارئ ، بل كل ما عليكـ أن تتوافق مع الحاضـر و تحتضنه، فعندما تجعل من الحاضر جميلاً ، حتماً ســتبدو الذكريات أجمـل .

* كاتب المقال:

سودانى الجنسية – يدرس بكلية الهندسة قسم الاتصالات – بجامعة جواهر لال نهرو التكنولولجية – بالهند … مهتم بقضــايا الفكر والثقافة. ويسعى لإيقاد شعلة النهضـة فى أمته بسلاح القلم ونور المعـرفة كما يقول فى تعريفه لنفسه.

أضف تعليق