د.ناجح إبراهيم يكتب: هل سيظل الثوب الأبيض ناصعاً ؟!

د.ناجح إبراهيم يكتب: هل سيظل الثوب الأبيض ناصعاً ؟!د.ناجح إبراهيم يكتب: هل سيظل الثوب الأبيض ناصعاً ؟!

*سلايد رئيسى20-8-2019 | 19:41

نشأ في أسرة معدومة في الصعيد يكابد الحياة ويعيش بشق الأنفس,عف النفس رغم فقره,أصيب في حادث بنزيف في الشبكية وعتامة في العدسة. اسودت الدنيا في عينه حقيقة ومجازاً,أعيته المستشفيات الحكومية والجامعية وهي تؤجل جراحته دوماً,لا واسطة له ولا مال,وهما عصب الحياة في مصر. تطوع أستاذ للعيون بسوهاج لإجراء الجراحة علي نفقته الخاصة بكل مشتملاتها,وقد تحمل من قبل نفقات جراحة لمريضة فقيرة تكلفت 11 ألفاً,قال:أنا أتقرب إلي الله في شهر رمضان بإجراء عدد من الجراحات الكبرى مجاناً زكاة عن عملي وأدفع أجر التخدير والمستشفى الخاص من زكاة مالي.

تخيلت انقراض هذه النماذج تحت سطوة المادية الطاغية وقصف الأنانية الذى لم يترك مهنة إلا دمر الرحمة الإنسانية فيها. أعادنى هذا الأستاذ  الجامعى إلي أستاذه أ.د/إسماعيل موسي الذى تأثر به وسلك نفس مسلكه في الإحسان إلي المرضي ورحمتهم,قال:جاءت مريضة معدومة لأستاذى فقرر لها جراحة مياه زرقاء فقال زوجها:نحن لا نملك شيئاً,فأسر إلي ممرضه المحنك بكلمات,فإذا بالمرأة تجرى الجراحة ويصرف لها العلاج علي نفقته,سأله د/الأحمدى عن ذلك فقال:لو أنك تسير في الطريق ورأيت أعمى يوشك أن يسقط في حفرة ماذا تفعل ؟قال:أنقذه فوراً فقال د/إسماعيل:هذا حالنا مع أي حالة طارئة لابد أن ننقذها ولو بدون مقابل,وهذا واجبنا وليس تفضلاً منا. ظل د/الأحمدى عشر سنوات يتلقى الإنسانية والرحمة مع  الطب والجراحة علي أيدى أستاذه,وما رآه يتقاضى أجراً من الفقراء في إصابات الحوادث,ولا من حالة ميئؤس من شفائها.

الطب لا ترث فيه من أستاذك العلم فقط لكن ترث منهم الكثير من الأخلاق والحلم والصبر. لقد رأيت د/جبريل حكيمباشى مستشفى الرمد بأرمنت"أي مديرها"يفحص عشرات الفقراء في عيادته دون أجر,كانت جراحة المياه البيضاء بـ 60 جنيهاً ويأتيه القروى يقول له:ليس معى سوى 7 جنيهات فيبتسم ويكتفى بها ، وآخر يقول له :ليس معى نقود وطمعت في كرمك فيرضى بذلك ويجرى الجراحة دون غضب ولا ضجر بل يقابلهم بابتسامة عريضة. وكان أمهر جراح عيون في المنطقة كلها وتلاميذ تلاميذه كان لديهم شقق فاخرة وسيارات فارهة وهو لا يملك سوى شقة متواضعة تلح زوجته عليه بتغييرها أو امتلاك سيارة دون جدوى,فقد كان يتبرع أشهراً بدخل عيادته كاملاً لبناء مسجد مثلاً ويكتفي بمرتبه وما أدراك ما ضعفه وهوانه مع متطلبات الحياة،وبعد إلحاح كبير من زوجته علي امتلاك شقة فاخرة أو فيلاً قال لها:تعالى لتشاهدى مسكننا الجديد الذى أشيده ففرحت فذهب بها إلي المقابر وقال لها:هذا سكننا القادم وأنا أعده ليكون واسعاً ومريحاً,فبكت وغضبت عليه أكثر. لقد تعلمت من د/لبيب الطبيب المسيحى أنه كان يكشف علي الأشقاء بأجر واحد رحمة بالأسرة فعزمت على أن أفعل ذلك طوال حياتى شفقة علي أبيهم من التكاليف ولو طبق الأطباء هذه القاعدة لنفعتهم وزادت بركة عياداتهم.

أما المعلم والأستاذ العبقرى لأطباء بلدتنا جميعاً فهو المرحوم د/طوسون زعزوع الذى أجرى آلاف الجراحات الكبرى والصغرى،إما مجاناً وإما بأثمان زهيدة,قلت يوماً لمريضة قريبتى:كم دفعت للدكتور زعزوع في هذه الجراحة المعقدة قالت:37 جنيهاً فقلت لها هذا قليل وظلم وخاصة أنك مكثت أسبوعاً فى غرفة مستقلة في العيادة قالت:هو قبل ذلك راضياً ولم يعترض. وكان يستقدم النابهين من الأطباء حتى لو كانوا منافسين له في تخصصه ويرسل لهم الكثير من زبائنه فيقال له"كيف تفعل ذلك؟قال:لأشجعهم علي البقاء في البلدة لتطوير المنظومة الطبية بكفاءات جديدة. وكان لا يتقاضى من دخل العيادة إلا قليلاً،فهذا شيخ وهذا قسيس وآخر معوق وثالث رياضي ورابع من أسرة الطبيب فلان وهكذا,وكان يرسل مرضاه الفقراء للمستشفي قائلاً:أنا الذى سأجرى لكم الجراحة هناك,أى يحولهم من الخاص للعام عكس ما يحدث كثيراً في هذه الأيام.

هذا الثوب الأبيض الناصع الذى أنار به الأطباء القدامى الدنيا كلها لا نريده أن يتلوث بالطمع أو الجشع أو الأثرة أو تحويل الطب من رسالة إلي تجارة ،فالمتاجرة بالإنسان جريمة وبالمريض وآلامه جرم أفظع. نريد طبيباً يجعل جزءً من عيادته لله  وللفقراء والأيتام والمعاقين,أو يخصص جراحة أسبوعية صغرى أو متوسطة وكبرى كل 15 يوماً دون أجر,فلكل مكان زكاة"ولكل علم زكاة ولكل وقت زكاة". لقد أعجبنى بعض الأطباء الذين علقوا يافطة في عيادتهم تقول"أخى المريض,إذا لم تستطع دفع ثمن الكشف فاطلب الإعفاء منه دون حياء"ويحدث هذا بسلاسة ودون معرفة للآخرين. سيظل الثوب الأبيض ناصعاً ما عادت مثل النماذج,وطالما اختفت الصفقات المريبة مع شركات الأدوية والمستلزمات وتقديم مصلحة المريض والضمير الدينى والمهنى علي كل المغريات.

أضف تعليق

طحن العظام وتدمير الأوطان

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2