لواء دكتور سمير فرج يكتب: المواطن المصرى الأول
لواء دكتور سمير فرج يكتب: المواطن المصرى الأول
حين كنت طالباً، ثم مدرساً، في كلية كمبرلي الملكية، بإنجلترا، لمدة عامين، لمست بنفسي معاني العراقة، والأصالة، واحترام التقاليد والعادات، مثل العادات الخاصة بالمواطن الإنجليزي، فعلى سبيل المثال، لم يكن مسموح، لأي منا، دخول ميس الضباط، إلا بزيه الرسمي الكامل، بينما يُسمح، في يوم الأربعاء، فقط، بالدخول مرتدين "بليزر"، أي جاكيت مخالفاً للون البنطلون. وحتى شاي الظهيرة، يوم الأربعاء، يقدم معه البان كيك بالعسل، بينما باقي الأيام يقدم فيها الكيك الإنجليزي الشهير، English Cake. لم تكن تلك العادات قاصرة على الكلية الملكية فقط، وإنما تنسحب على كل البيوت الإنجليزية. وكان من ضمن هذه التقاليد، كذلك، أصول وفنون التعامل مع العائلة المالكة، ورغم أن هذه العائلة، وأنشطتها، وتحركاتها، تكلف الخزانة البريطانية الكثير، إلا أنها جزء من تقاليد الإمبراطورية البريطانية، التي مازالت تحافظ عليه حتى الآن.
كان مما استوقفني من كل هذه التقاليد، هو الحصول على لقب "سير"، أو “Sir”، من حكومة جلالة الملكة في بريطانيا، وما يصاحب ذلك من امتيازات، ومعاملات، تفوق في بعضها، ما يحصل عليه أعضاء الحكومة هناك، وهو اللقب الذي حصل عليه، عن استحقاق، طبيبنا المصري العظيم، الدكتور مجدي يعقوب، ابن مدينة بلبيس، بمحافظة الشرقية، المولود في ١٦ نوفمبر عام ١٩٣٥، ودرس الطب في جامعة القاهرة، وأكمل بعض دراساته في شيكاغو، بالولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا، ليعمل في مستشفى الصدر بلندن، ثم يصبح أخصائي جراحات القلب والرئتين، في مستشفى هارفيلد، ثم مديراً لقسم الأبحاث العلمية بها. فاهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب، حتى أجرى بنفسه، أولى جراحات نقل القلب، في عام ١٩٨٠، بأن نقل قلب للمريض "دريك موريس"، والذي عاش حتى عام ٢٠٠٥، وأصبح، بعدها، الدكتور مجدي يعقوب أشهر جراحي القلوب في بريطانيا، وفي أوروبا، ولقبه الإعلام البريطاني، بلقب "ملك القلوب"، وصار هذا الطبيب المصري، النابغ، حديث الجميع داخل بريطانيا وأوروبا.
لا تفيه الكلمات، ولا تحصي أعماله الجليلة المقالات، فقد أجرى الدكتور مجدي يعقوب، أكثر من ١٢٠ ألف عملية قلب، في بريطانيا، وحدها، كما نجح، وفريقه، في تطوير صمام القلب، باستخدام الخلايا الجذعية، ليسجل باسمه أكبر ثورة في جراحة القلب في العصر الحديث، وساهم في تأسيس جمعيات خيرية لقلوب الأطفال، بأكثر من ١٥ دولة، من دول العالم النامي، وتطوع بإجراء العمليات الجراحية بها. منحته قناة ITV جائرة فخر بريطانيا، في ١١ أكتوبر ٢٠٠٧، بحضور رئيس الوزراء البريطاني، حينها، جوردان براون. وأذكر أن الأميرة ديانا، بعد انفصالها عن الأمير تشارلز، أحبت طبيباً باكستانياً، يعيش في إنجلترا، وأرادت لهذا الطبيب أن يتعلم جراحة القلوب، وينبغ فيها، فطلبت، شخصياً، من الدكتور مجدي يعقوب أن يسمح له بأن يكون أحد تلاميذه، في مستشفاه.
تقرر منح الدكتور مجدي يعقوب لقب Sir، وكانت القوانين البريطانية لا تسمح بمنح اللقب لأصحاب الجنسيات المزدوجة، وعليه فقد طلبت منه الحكومة البريطانية التنازل عن جنسيته المصرية، مع الاحتفاظ بالجنسية الإنجليزية، بما يؤهله لحمل اللقب، فكانت المفاجأة يومها عندما جاءهم رده، بكل فخر وعزة، بأنهم من سعوا لمنحه لقب Sir، ولم يسع هو إليه، وأنه لن يتنازل عن جنسيتيه المصرية طوال حياته، مضيفاً أن حصلوه على الجنسية البريطانية، كان وفقاً للقانون، وبعد إقامته الطويلة في العاصمة البريطانية لندن، وقد قبلها، حينها، لتفادي تعقيدات البيروقراطية في الإقامة، والتملك، وغيرهم من الأمور الحياتية، إلا أن ذلك لا يعني له، أبداً، التخلي عن جنسيته المصرية التي يعتز بها!
أحدث رد فعله زلزالاً إعلامياً في بريطانيا، فالقوانين هناك صلبة، وواضحة، خاصة في ذلك الشأن، ولكن أمام هذا الجراح المبدع، الذي عشقه الشعب البريطاني، لقدراته، ولموهبته، ولعطاءه، فقد حدثت المعجزة، بأن أجاز البرلمان الإنجليزي قانوناً، استثنائياً، يتيح للدكتور مجدي يعقوب، المزدوج الجنسية، أن يُمنح لقب Sir، تكريماً له على كل ما قدمه للشعب البريطاني، وللعلم الإنساني، في مجال الطب، للعالم كله.
كان الدكتور مجدي يعقوب، ولازال، ضيفاً دائماً في كل الاحتفالات الرسمية، في البلاط الملكي البريطاني، وكان، ولازال، من أشهر نجوم المجتمع في بريطانيا، وأوروبا، وأصبح محاضراً زائراً في أكثر من ٢٥ كلية في العالم، وكان لقب Sir يمنحه العديد من الامتيازات داخل بريطانيا، تتفوق على أي وزير بريطاني. وفجأة ترك هذا الطبيب العظيم كل ذلك المجد، وعاد إلى وطنه الأم، وأنشأ مستشفى لعلاج قلوب الأطفال، في مدينة أسوان، وكافح في جمع التبرعات لاستكمالها، وخلال مقابلة لي، مع هذا الطبيب العظيم، حينما كنت محافظاً للأقصر، شكى لي مرارة الروتين، الذي عانى ويلاته لبناء هذه المستشفى.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، علمت أن الدكتور مجدي يعقوب، يقوم بجولة، في دولة الإمارات الشقيق، لجمع التبرعات، لبناء مستشفى جديد لقلوب الأطفال، في القاهرة، بمدينة السادس من أكتوبر، بجوار جامعة زويل، وعلمت أن معاناته مع البيروقراطية، لازالت مستمرة، إلا أن رجل الأعمال معتز الالفي، تقدم لرفع حمل إنهاء هذه المشاكل عن كاهله. وبعدما أنشأ، خلال العام الماضي، قسم قلوب الأطفال، في مستشفى الأطفال، في مجمع مستشفيات القوات المسلحة، منحته الدولة المصرية وسام قلادة النيل، وهو أعلى وسام مصري، منحه الشعب المصري، في المقابل، لقب "المواطن المصري الأول"، لينصبوه، بذلك، قدوة لكل أبناء، وشباب مصر ... فالعظماء في التاريخ، لا يولدون كل يوم، ولكنهم يظلون، دائماً وأبداً، ينيرون صفحاته، وهو ما لمسناه من "المواطن المصري الأول"، الذي استحق أن يكون نبراساً هادياً لكل أبناء الجيل الجديد من شباب مصر.