كيف خرجت حركة «حسم» الإخوانية من «معسكرات الطلائع» المسلحة ؟

كيف خرجت حركة «حسم» الإخوانية من «معسكرات الطلائع» المسلحة ؟كيف خرجت حركة «حسم» الإخوانية من «معسكرات الطلائع» المسلحة ؟

*سلايد رئيسى4-9-2019 | 12:11

كتب: عمرو فاروق

لا يمكن اعتبار حركة "حسم" التابعة للجناح المسلح للإخوان، نقطة تحول في تاريخ الجماعة، سواء على المستوى المنهجي الفكري، أو على المستوى التنظيمي والحركي.

لكنها كانت تجسيدا حقيقيا وفاعلا لأفكار وأدبيات حسن البنا وسيد قطب، وامتدادا للتنظيم السري المسلح الذي أسسه البنا في أربعينيات القرن الماضي، وتورط في العديد من العمليات الإرهابية.

لكن ثمة عوامل ساعدت في بلورة حركة " حسم"، فكريا وتنظيميا، لا سيما أنها قامت على بقايا بعد الحركات الإخوانية المسلحة التي تشكلت عقب ثورة 30 يونيو 2013، مثل " العقاب الثوري"  و" ولع"، و" كتائب حلون" وغيرها من حركات جماعة الإخوان.

العامل الأول:

 اعتمادها حركة " حسم" على عدة دراسات فكرية طرحتها الجماعة سقوط حكمها، وعبرت بوضوح عن الخط الفكري للتنظيم الإخواني، مثل:

(1)  دراسة " فقه الاختبار والمحنة"، التي قدمها مفتي الإخوان الدكتور عبد الرحمن البر.

(2) كتاب " فقه المقاومة الشعبية"،  ويعتبر دراسة فقهية وشرعية لتوظيف العنف المسلح لخدمة الجماعة في مواجهة النظم السياسية الحاكمة.

(3) كتاب " دليل السائر ومرشد الحائر".

(4) كتاب " كشف الشبهات.. عما وقع فيه الناس من اختلافات".

(5) وثيقة " رد الاعتداء على الحركة الإسلامية " التي كتبها سيد قطب، وتم تسريبها من داخل السجن قبل إعدامه، ودعى فيها إلى ضرورة هدم الدولة المدنية لإقامة الدولة الإسلامية، وهي فكرة تتفق تماما مع نظرية " النكاية والانهاك"، التي طرحها  كتاب " إدارة التوحش"، الذي يعتبر أهم المرجعيات الفكرية لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش.

 جميع هذه الدراسات أصلت فكريا وشرعنة للعمل المسلح، تحت ما يسمى بـ" فقه دفع الصائل"، و" الفئة الممتنعة"، وإباحة دماء قوات الجيش والشرطة، وتكفيرهم، والاعتداء على مؤسسات الدولة، والعمل على إسقاط النظام السياسي.

وفي أحد لقاءاته عبر فضائية " مكملين" الإخوانية، أكد  القيادي الإخواني مجدي شلش، أنّ اللجنة الشرعية داخل الإخوان عكفت عقب 30 يونيو، وعلى مدار عدة أشهر، وقدمت مجموعة من الدراسات في مقدمتها كتاب " فقه المقاومة الشعبية"، للتأصيل الفكري والشرعي لتلك المرحلة الحرجة من تاريج جماعة الإخوان، وأنه كان على رأسه تلك اللجنة الدكتور محمد كمال، المسئول المباشر عن الجناح المسلح.

وشدّد شلش خلال لقائه، على أنّ " السلمية ليست ثابتاً من ثوابت الإخوان" وأنّ " شعار سلميتنا أقوى من الرصاص تغيّر الآن وأصبح سلميتنا أقوى بالرصاص".

كما كشف عن أنّ هذه الدراسات تقوم بتوزيعها على شباب القواعد التنظيمية للجماعة، وأن أكثر من 85 % من عناصر الإخوان، يؤيدون العمل المسلح لمواجهة النظام المصري.

العامل الثاني: التأهيل والتدريب

 وذلك من خلال " معسكرات الطلائع" التي فككتها الأجهزة الأمنية المصرية، في عدة مناطق صحراوية، وجففت منابع تمويلها، والوصول للشبكة الخارجية التي تمدها بالمال والسلاح.

جاءت عملية إنشاء " معسكرات طلائع الفتح"، في إطار التطوير للهيكل التنظيمي والتعبوي للجناح المسلح داخل الإخوان، وهي عبارة عن أجنحة مسلحة تم توطينها في المناطق النائية والصحراوية، بهدف تدريب أكبر عدد ممكن من شباب الجماعة، وتدريبها على فنون القتال والاغتيالات، تحت مسمى " التربية الجهادية" أو " مشروع الجهاد المقدس".

تعتبر  " معسكرات طلائع"، بمثابة النواة الحقيقية لتكوين ما يسمى بـ" التنظيم المسلح"، والنقل النوعية والتحول في استراتيجية العمل المسلح داخل الإخوان، والانتقال من خانة العشوائية والهواة إلى خانة الاحترافية والتدريب بشكل كامل على طرق استخدام السلاح، وفك وتركيب المتفجرات، وطريقة تصنيعها، واستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الحديثة في عمليات الرصد والتتبع والمراقبة للأهداف المرادة.

 إلا أن الأجهزة الأمنية المصرية قضت على هذا المشروع بشكل مبكر جدا،  واجهضت فكرة تكوين تلك الخلايا والأجنحة المسلحة، من خلال عملية تفكيك تلك المعسكرات، والقضاء على عدد كبير من عناصرها، وإلقاء القبض على بعضهم، والعثور على بعض من الأوراق التنظيمية،  وخطط تلك المعسكرات ومصادر تمويلها، ومخازن تسليحها التي تحت ما سمى بـ" مزارع الموت"، مثل مزرعة الإسكندرية ومزرعة البحيرة.

سعت " معسكرات الطلائع" إلى تشكيل عدد من الحركات المسلحة المتعددة بهدف تشتيت وإرباك الأجهزة الأمنية المصرية، وكان من ضمن الدورات التدريبية التي تلقتها عناصر " معسكرات الطلائع"، دورة " مقاومة الاستجواب"، والتي هدفت إلى تهيئة العناصر نفسيا للتعامل مع التحقيقات الأمنية حال وقوعهم في قبضة الأجهزة الأمنية الاستخبارات.

شكلت " معسكرات الطلائع" هيكلا تنظيميا، متكاملا، من حيث الاختصاص، والأدوار المنوط بتدريب وتأهل العناصر، فشملت: أولاً: " الدعم المركزي"، وهي لجنة معنية بتوفير جميع أوجه الدعم اللوجستي للحركة المسلحة، وفقا لاحتياجاتهم المرحلية.

ثانياً: " اللجنة الشرعية"، وهي لجنة معنية بإعداد البرامج والدورات الشرعية اللازمة لتأصيل العمليات النوعية المسلحة، وترسيخ الأفكار والمفاهيم الجهادية، والعمليات الانتحارية لدى عناصر التنظيم.

ثالثاً: لجنة " الوحدات الإدارية"، ومهمتها إعداد قواعد البيانات المختلفة للتنظيم، والتأكد من اتباع عناصر حركة حسم لإجراءات الأمن والسلامة.

رابعاً: لجنة " الرصد والمعلومات"، وهي لجنة معنية بجميع المعلومات عن العناصر والكيانات المطلوب استهدافها، ورصدها سواء كانت شخصيات سياسية أو عسكرية،  أو شرطية، أو قضائية، أو إعلامية، أو منشآت حيوية هامة.

خامساً: لجنة " العمليات والتنفيذ"،، وتتولى تنفيذ العمليات المسلحة، ضد الأهداف المرصودة، وتضم عدة خلايا فرعية على النحو التالي:  خلية "التدريب"، وخلية "التصنيع"، وخلية "التسكين" المعنية بتجهيز المقار التنظيمية، وغرف العمليات، وعقد اللقاءات التنظيمية وإخفاء الأسلحة والأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية، وخلية "التزوير" المكلفة باستخراج أوراق تحقيق الشخصية المزيفة لعناصر التنظيم، وخلية " التخزين" المكلفة بتدبير وإعداد معسكرات التدريب.

ووفقا لتحريات الأجهزة الأمنية، فإن " معسكرات الطلائع"، قسمت الدولة المصرية إلى مجموعة من القطاعات الجغرافية، في مقدمتهم " قطاع الشمال"، الذي يضطلع عناصره في تنفيذ العمليات الإرهابية بمحافظات الإسكندرية والبحيرة ودمياط والشرقية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية، و" قطاع الجنوب"، ويضم محافظات الفيوم وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، وأسوان، قنا، الأقصر، سوهاج، و" القطاع المركزي" بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.

العامل الثالث: التحالف مع تنظيم القاعدة

من العوامل التي ساعدت في بلورة حركة " حسم"، واستمرارية تواجدها ودعمها المستمر من تنظيم " القاعدة"، لا سيما في ظل وجود علاقة تاريخية بين الإخوان وبين قاعدة بن لادن، منذ مرحلة المرشد محمد حامد أبو النصر، والمرشد مصطفى مشهور.

يضاف إلى ذلك أن قطر تعد أحد عوامل نجاح هذا التحالف باعتبارها داعما قويا لتنظيم " القاعدة"، ولمختلف عملياته المسلحة، واحتضانها لعدد كبير من قيادات القاعدة، وراعيتها لرجال بن لادن،  في فترة زمنية معينة أمثال خالد شيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر 2001، إضافة لدعمها لحركة " حسم" الإخوانية التي يدار هيكلها من خارج الأراضي المصرية، ويشرف عليها عناصر قطرية وتركية.

وقد تجلى ذلك في العديد من المظاهر أهمها:

قيام المنصات الجهادية المحسوبة على تنظيم القاعدة، بالتعاون مع الإخوان في بث حملة ممنهجة ضد " التجنيد الإجباري" بالجيش المصري، وتوثيقها بأدلة وفتاوى شرعية ضالة ومنحرفة عن النهج الصحيح، لقيادات تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية.

ومساندة جناح الإخوان المسلح، لتنظيم " القاعدة" في قضية هشام عشماوي بشكل كبير، إذ بث فيلما وثائقيا تحت عنوان" الواحات.. الكمين القاتل"، تضمن تفاصيل ومعلومات هامة عن معركة " الواحات البحرية"، التي وقعت أحداثها عند منطقة الكيلو 135 بطريق الواحات بالصحراء الغربية، في 20 أكتوبر2017، ونفذها تنظيم المرابطون بقيادة عشماوي المحسوب على تنظيم القاعدة.

وتبنى الفيلم أطروحات كتاب " فقه المقاومة الشعبية"، التي سطر صفحاتها قيادات الجناح المسلح، وسردوا فيه خطوات وطريقة وتشكيل الخلايا النوعية، التي ليست من الضرورة أن تعمل بشكل مباشر مع التنظيم، إلا أنها تدور في فلكه، وتنفذ أوامره بما يشبه فكرة " الذئاب المنفردة".

كما احتفى قيادات الإخوان، خلال الفيلم بهشام عشماوي، الذي وصفته بـ" قائد المقاومة"، ووصفت شريكه عماد عبد الحميد، بـ" الشهيد القائد"، واعتبرتهما أحد رموزها الذين واجهوا الدولة المصرية، كما أثنت على التكفيري عمر رفاعي سرور مفتي القاعدة في ليبيا، ووصفته بـ" الشهيد المجاهد".

واحتوى الفيلم على عدة رسائل مباشرة، تؤكد التعاون المشترك بين الإخوان وتنظيم " القاعدة"، مثل عرض صور ومقطوعات حية لعملية فض اعتصام رابعة في أغسطس 2018.

كما أصدر مكتب الإخوان الهاربين في تركيا، بيانا مشتركا مع تنظيم "القاعدة"، يندد فيه باختفاء مريم رضوان، زوجة الإرهابي عمر رفاعي سرور، مفتي تنظيم القاعدة في ليبيا، ونجل رفاعي سرور أحد المؤسسين الفعليين للسلفية الجهادية في مصر، ويتهم الأجهزة الأمنية المصرية باخفائها.

العالم الرابع: لجان الردع

في ظل سيطرت القيادات القطبية، على المشهد داخل جماعة الإخوان كانت تهدف، لإقامة دولة ليست محلية فقط بل كيانا عالميا، وضع حدوده وجغرافيته حسن البنا في رسائله بمقولة " أستاذية العالم"، كانوا يعلمون أنهم سيواجهون أنظمة دولية مختلفة، لذا ضمت أجندتهم التوجه للقوة المسلحة حتى لا تتهاوى أركان كياناتهم.

الجماعة وضعت استراتيجية تستهدف تأمين تنظيمها، تحت ما يسمى بـ"القوة الضاربة"، والتي كانت تشمل 30% من أعضاء الجماعة، وهي نسبة تم الاتفاق عليها وسعت الجماعة لتحقيقها، بنهج شبيه بكيان "التنظيم السري" الذي أنشأه حسن البنا واختار له أفضل العناصر، لكن بصورة أكثر تطورا.

ما يعني أن ملف التدريبات المسلحة لم تغفله الجماعة على مدار نظام الرئيس مبارك، مثلما تدعي، وهو ما كشفه المرشد السابع محمد عاكف، من أنه بمقدور الإخوان إرسال 10 آلاف مقاتل لدعم حزب الله في لبنان، في أغسطس 2006.

كان مسئولية ملف التدريب العسكري يقع على كاهل أحد نواب المرشد، حيث كان مكتب الإرشاد يقوم بإرسال عناصر الإخوان إلى معسكرات التدريب المسلح خارج مصر، بطرق سرية تختلف أشكالها للتمويه على أجهزة الأمن المصرية، ومنعاً لإثارة الشك ولفت الانتباه.

وضعت قيادات مكتب الإرشاد شروطاً للانضمام إلى معسكرات التدريب المسلح منها: أن يكون العنصر الإخواني قد مر عليه 5 سنوات في مستوى " الأخ العامل"، وهو مستوى يصل إليه العنصر الإخواني وفق سياسة الترقي والتصعيد التي تتبعها الجماعة مع عناصرها.

وألا يقل عمر العنصر الإخواني في هذه المرحلة عن 30 عاماً، كما يتم تأهيل هذه العناصر نفسياً لرحلة السفر، بدورات ترسخ المبادئ الفكرية الإخوانية.

أضف تعليق