كتب: عمرو فاروق
اعلنت الساعات الماضية الولايات المتحدة للمرة الأولى، مقتل خبير تصنيع قنابل وتنسيق الهجمات الإرهابية بتنظيم القاعدة، إبراهيم العسيري، بعد انتشار شائعات مقتله عدة مرات دون تأكيد صحتها.
وأوضح البيت الأبيض في بيان له، أن إبراهيم العسيري قتل قبل عامين في اليمن في عملية أمريكية لمحاربة الإرهاب، وأن مقتله أعاق بشكل كبير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
يُعَدُّ إبراهيم العسيري أحد أشهر الإرهابيين في تاريخ العمليات الجهاديَّة، وبرز كخبير في صناعة المتفجرات، بعد اندماج جناحي القاعدة اليمني والسعودي، ليشكّلا "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، كما شَكَّل كابوسا لأجهزة الأمن الدوليَّة، وتهديدا دائما على مطارات العالم.
ولد إبراهيم حسن العسيري، المكنى بـ "أبو صالح"، في أبريل1982، بالعاصمة السعوديَّة الرياض، لأبٍ يعمل ضابطا في الجيش السعودي، ما زاد من خبرته العسكريَّة وحسِّه الأمني، وانضم في فترة مبكرة من حياته إلى إحدى خلايا تنظيم القاعدة في السعوديَّة، إذ ترك دراسته في الكيمياء بكلية العلوم، جامعة الملك سعود.
لينضم إلى التنظيم، مع شقيقه الأصغر عبدالله، إلى تنظيم "القاعدة" في اليمن في 2007، وبفضل دراسته للعلوم الكيميائيَّة نشط كصانع للمتفجرات، كما شارك في التخطيط لتفجيرات منشآت نفطيَّة في المملكة.
ألقي القبض على "العسيري" عام 2006، بسبب نشاطاته مع التنظيم، ومحاولته الهروب إلى العراق للانضمام للجماعة المتشددة، وبعد الإفراج عنه حاول إنشاء خلية جديدة للمتشددين داخل المملكة، إلا أن السلطات السعوديَّة داهمت مقر الاجتماعات وقتلت ستة من زملائه، في حين تَمكَّن هو وشقيقه من الفرار إلى اليمن؛ حيث انضم عام 2007 لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وأدرجت السلطات السعوديَّة "إبراهيم العسيري" على رأس قائمة المطلوبين الـ85 في المملكة، في فبراير2009.
حاز "إبراهيم العسيري"، بفعل تخصصه على لقب "خبير المتفجرات" في تنظيم القاعدة والمسؤول الأول عن إعداد القنابل والطرود المتفجرة، التي يستخدمها التنظيم في هجماته، ويصفها المتخصصون بأنها من النوع الذي يصعب اكتشافه في المطارات، إذ يعتمد في صناعتها على مادة (تيترانيترات البنتايروتريول) وهي مكونات يصعب رصدها، بفضل مُفجّرها الكيميائي الذي يخلو من أي قطعة معدنية، وبالتالي يمكنها عبور كل نقاط المراقبة الأمنية تقريبا في كافة المطارات الدولية دون مشاكل.
بروز إبراهيم العسيري على الصعيد العالمي، كانت في عام 2009 عندما تمكن من تصنيع "قنبلة الملابس الداخلية" التي ارتداها الإرهابي النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب، الذي حاول تفجير طائرة أمريكيَّة في عيد الميلاد عام 2009، خلال رحلته المتجهة إلى الولايات المتحدة، لتفجير الطائرة فوق مدينة ديترويت الأمريكية إلا أنها لم تنفجر، ما ساعد مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) في التعرّف على بصمة العسيري الموجودة على القنبلة، وتضعه في دائرة الاهتمام والمتابعة إلى جانب كبار القاعدة الذين يعدون العقول المدبرة لعدد من الأفكار التخريبية كأنور العولقي وخالد شيخ محمد.
كما تُعد من أشهر تجاربه في صناعة المتفجرات الدقيقة حين جَهَّز حزاما ناسفا يصعب اكتشافه لأخيه عبدالله، عام 2009 ليستهدف بهذا التفجير الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخليَّة السعوديّ للشؤون الأمنيَّة، وعبر عبدالله العسيري الحدود، واستطاع الدخول إلى قصر "نايف"، زاعما تخليه عن ولائه لـ"القاعدة"، ولم يتم اكتشاف المتفجرات، لكن المحاولة باءت بالفشل ولم يقتل فيها سوى الانتحاري..
وفي أكتوبر2010، عُثر على طردين كل منهما يضم عبوات حبر للطابعات، محشوة بالمادة المتفجرة نفسها، وذلك على متن طائرتين في طريقها من اليمن إلى شيكاغو في الولايات المتحدة، وتم اكتشاف القنابل بعدما توقفت الطائرتان في مطار إيست ميدلانذز في بريطانيا.
وفي أبريل2012، اكتشفت "سي أي آيه" نسخة من قنبلة الملابس الداخلية، لكن من دون معادن، خلال عملية تفتيش مباغتة، وقالت السلطات حينها: إن العسيري وراء هذه الطرود.
وقد نجا ابراهيم العسيري من الموت أكثر من مرة في اليمن، فكلما ظن الأمريكيون أنه مات، كان يظهر من جديد، ويعتقد مسؤولون أميركيون أنه درب جيلًا من أنصاره، وهم جاهزون للحلول مكانه.
وقالت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن ابراهيم العسيري درب جهاديين أوروبيين في سوريا على تنفيذ هجمات انتحارية بعد عودتهم لدولهم، وأن هناك مخاوف من 500 جهادي بريطاني، يمثلون أغلبية المقاتلين الأجانب في سوريا، دربوا على شن عمليات أرهابية في بريطانيا.
وفي فبراير2014، حذرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية شركات الطيران المتجهة إلى روسيا خلال أولمبياد سوتشي الشتوية لعام 2014، من أن لديها معلومات بتهريب العناصر الارهابية متفجرات على متن الرحلات الجوية عن طريق إخفائها داخل أنابيب معجون الأسنان، التي يجيد صناعتها إبراهيم العسيري.
وفي هذا السياق، تم تشديد الإجراءات الأمنية في أكثر من 250 مطاراً حول العالم، ومن ضمن هذه الإجراءات الماسح الضوئي "سكانر" للجسم، والماسح الضوئي العامل بالمايكروويف، لكن اتضح في ما بعد أن الماسحين لا يستطيعان كشف القنابل المزروعة داخل الأجسام البشرية.
ورجَّحت الاستخبارات الأمريكيَّة مقتل إبراهيم العسيري، خلال الغارة الجوية التي أدت إلى مقتل القيادي القاعدي أنور العولقي، في أكتوبر2010، فأرسلت جثتين يُشتبه في أن تكون أيهما لـ"العسيري" إلى السعوديَّة لتحليل الـDNA، لكن الفحوصات أثبتت أن الجثتين لم تكن أيهما له.