عمرو فاروق يكتب: الجوكر.. المحرض على الفوضى

عمرو فاروق يكتب: الجوكر.. المحرض على الفوضىعمرو فاروق يكتب: الجوكر.. المحرض على الفوضى

* عاجل11-10-2019 | 22:41

"احتلال العقول قبل احتلال الأوطان".. قد تتفق أو تختلف معي في مفهوم تلك العبارة، فهذا حقك، فلن أجبرك، ولا أجبر أحدا أن يؤمن بما أرى واعتقد.

لكني يا صديقي السينما، لم تصنع هباء، ولم توظف عبثا مثلما يظن البعض.. لكنها أحد أدوات التأثير والهيمنة على العقول واحتلالها فكريا وثقافيا على مدار التاريخ الحديث.

فربما سمعت أو شهدت وتأثرت بالدور البارع الذي جسده الممثل الأمريكي خواكين فينكس في فيلم "Joker"، وأصبحت أسيرا لحالة الكآبة المتناهية التي قيدت أوصالك، وأنت ترى مشاهد العنف والقتل والفوضى.

وربما خرجت من قاعة السينما، وتحمل بين خلجات نفسك حالة من الغضب والتأفف، وتشعر بأنك لم تفهم منه شيئا، وتلعن بينك وبين نفسك أم الفيلم والمخرج والمنتج، وكل اللي طرح عليك مشاهد "جوكر".

دعني يا صديقي أوضح لك بعضا من الرسائل السياسية التي حملها فيلم "جوكر"، بين سطوره، إذ كونه من الأفلام "ذات الوجهين"، مثلما وصفها صديقي البحث السياسي عمرو حسين، لما تحمله في طياتها من معاني وأهداف، ربما لست في حاجة اليها الآن، لكن المطلوب أن تستقر في وجدانك وذاكرتك وعقلك اللاواعي، أوعقلك الباطن، ربما تكون ملهمة لحالة معينة تستدعيها الظروف والأوضاع المرتقبة.

أولاً: وظف الفيلم شخصية "المهرج" أو "البليتشو"، لينسج بين دقات عقل وقلب المتلقي، حالة من السخط على مخلتف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتمرد عليها، مطلا من خلال لوحة هيسترية ساخرة.

ثانياً: حاول فيلم "جوكر"، شحن المتلقي على أن مأسي الشعوب تتجسد في الصراع بين الحاكم والمحكوم، فلم يتم تصوير الصراع على أنه صراع بين الخير والشر أو الحق والباطل، أو الأغنياء والفقراء، ومن ثم رسخ لديه أن معركته الأولى مع الأنظمة السياسية، التي تقهر المحتاجين والمهمشين، ولم تنتفض لمشاكلهم وأزماتهم، فكانت المواجهة بين الشعب ومؤسسات الدولة، إذ ركزت المشاهد على الهدم والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والاستيلاء على محتوياتها، كنوع من الانتقام وشفاء غليل الصدور.

ثالثاً: لعب الفيلم على فكرة "الثورة النفسية" أو "التمرد" الغير متوقع، الذي اصاب البطل "جوكر"، محاولا الانقلاب على كل ما يحيط بأمور حياته من شخصيات أو ظروف أو أوضاع، فقتل صديقه، وأمه التي كانت سببا في معاناته، وثلاثة أخرين كانوا نموذجا وتجسيدا لحالة الصراع الطبقي بين فئات المجتمع، ومقدم برامج شهير، كان رمزا لإعلام الدولة الذي سخر منه ولم يمنحه الإهتمام .

رابعاً: تمثل فكرة "التمرد"، المحور الرئيسيي الذي يطل برأسه أمام المتلقي خلال أحداث الفيلم، منتفضا على الأوضاع الداخلية، لخلق حالة من الفوضى، وصفوها من قبل بأنها "الفوضى الخلاقة"، ليعقبها "البناء المنظم"، الذي يتسق مع أطروحاتهم الفكرية والثقافية التي تستهدف التغيير السياسي والاجتماعي للشعوب.

خامساً: يضغط سيناريو فيلم "جوكر" على نفسية المتلقي بفكرة "العجز" النفسي والبدني للبطل، ليضعه أمام فكرة "الخلاص المرتقب"، الذي يوظف فيه مفاهيم "القوة المفرطة"، من خلال مشاهد الفوضى والعنف والدم، واستقرار تلك المفردات في العقل اللاواعي أو الباطن لتستدعى حينها.

سادساً: "القوة المفرطة" التي طرحها "جوكر"، هي القوة التي تهدم في طريقها الأخضر واليابس، فلا تعترف بالشرعية الدستورية أو الشرعية القانونية، ولا تؤمن بالشرعية الاجتماعية، ولا تضع في حساباتها مفاهيم الدولة الوطنية، حتى يتحول المجتمع لـ"غابة"، يسودها العنف والدم.

سابعاً:عمل الفيلم على خلق وصناعة "رمزية البطل" الشعبي، الصاعد من الطبقات الدنيا المتألمة، لقيادة الحراك المجمتعي انتفاضا ضد الأجهزة التنفيذية ومؤسساتها.

ثامناً: الصاق حالة "الاضطراب النفسي" المصحوبة بضحكات هيستيرية، بشخصية البطل، لم تكن اختيارا عبثيا، لكنها كانت تعبيرا حقيقيا عن مفردات ومعاني يتم التأكيد عليها، إذ يمثل البطل شريح كبيرة وعريضة من الشعوب، التي توصف في أدبيات من يديرون العالم ويتحكمون في مفاصله بأنهم شعوب دونية ومختلة نفسيا ، لذك جاء عنوان الفيلم "Joker" ككلمة مطلقة دون التعريف بالألف واللام.

مثلما فعلوا في فيلم glass، الذي لعب على فكرة "القدرات الخاصة" للأبطال، إذ كان تجسيدا حرفيا للمنظمة أو الجمعية التي تحكم العالم، مستدعيا فكرة المنظمات الصهيو أمريكية التي ترسم السيناريو السياسية بدقة متناهية، وتختار من يدير أطراف الصراع فيها، وهي أفلام تصنع مشاهدها بدقة عالية لترسخ حالة وجدانية محددة من خلال الايحاءات النفسية.

تاسعاً: أكد سيناريو فيلم "جوكر"، على لسان البطل أنه لا يلعب دورا سياسيا، لكنه فقط مجرد "مهرج"، يتفنن كيف يضحك الناس، رغم احتوائه على عشرات الشعارات السياسية، الغير مباشرة، مثل جملته الشهيرة التي طرحها في مشاهد النهاية التي صنعت منه بطلا شعبيا، "أرجو أن يكون موتي أكثر منطقية من حياتي"، فيرى الموت حلا مثاليا للخلاص والانتقام ممن حوله وهو ما فعله حرفيا أمام الشاشات عندما أطلق الرصاص على مقدم البرنامج الشهير، مصرحاً: "لم يعد لدي ما أخسره".

عاشراً: أوحى الفيلم للمتلقي ضرورة الانقضاض على أجهزة الدولة التنفيذية، في مشهد عبثي فوضوي، لاسيما جهاز الشرطة، الذي يمثل أهم أدوات الحكم للأنظمة السياسية، ويقف حائلا أمام حرية المواطن وأحلامه، ومن ثم يجب الثورة عليه، فتضمن الفيلم مشاهد حرق وتدمير سيارة الشرطة، والاعتداء على الضباط داخل محطات المترو، إضافة لاستمرار "سارينة الشرطة" التي تم توظيفها بهدوء شديد خلال الكثير من اللقطات التي يختلي فيها "البطل" بنفسه، على اعتبار أنها مصدر ازعاج.

أضف تعليق

طحن العظام وتدمير الأوطان

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2