مذكـرات قارئ ... بداية المقتصـد، ونهاية المجتهد

مذكـرات قارئ ... بداية المقتصـد، ونهاية المجتهد مذكـرات قارئ ... بداية المقتصـد، ونهاية المجتهد

*سلايد رئيسى19-2-2017 | 22:48

كتب: الربيع الرحيمة إسماعيل*

عادةً إذا طلب منى شخص ما أن أرشح له كتاباً، فإنى وبلا تردد أذكر له العديد من الكتب التى تتحدث عن القراءة نفسها، فلعلنى بذلك أبقيه فى عالم القراءة ويزداد بها شغفاً وممارسةً وبعد قرائتى لكتاب "مذكرات قارئ"، لم أعد بحاجة لذكر الكثير من الكتب، إذ اكتفيت به فقط كمرشد للقراء، وسيكون من الجيد أن أتناول الكتاب فى قراءةٍ سريعة .

" بعد أن تجاوزتُ الأربعين، غلبنى إحساس شديد بالحاجة إلى الكتابة عن الكتب، وكيف لا أكتب وقد قضيتُ معظم ما مرّ من سنوات وعيى قارئاً؟».

بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد حامد الأحمرى كتابه القيَم والنبيل، ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن شــخصـاً قد أفنى أربعين عاماً يغوص فى بحور الكتب، ثم يأتى لك بعصـارة تجـربته ورحلته، إنه أمر يدعو للإمتنان، بل وشكر الكاتب على ذاك الإحساس الذى راوده، ويدعوك كقارئ على خوض التجربة والغوص فى رحلته بلا أى تردد .

يقع الكتاب تقريباً فى حدود470 صفحة وينقسم إلى خمسة فصول:

 وقبل الدخول كان الكاتب صريحاً مع القارئ فى إيرادا ما ستسير عليه الرحلة حيث يستهل فى المقدمة قائلاً : " وماذا سأقدم لك فى كتابى هذا إلا جمعاً من القول قاله غيرى ؟! فقليلاً تدخلت فى النصوص وسبب هذا أننى أسوق أخبار الكتب والكتاّب الذين صحبتهم فى حياتى، وأعلق مرةً هنا وأخرى هناك، لأننى أريد من الكتاب أن يحقق متعة القراءة ويكون هادياً فى عالم الكتب، ويكشف معاناة القراءة والكتابة .

بالفصل الأول المعنون متعة القراءة : يتحدث الكاتب عن متعة القراءة وواجبها فى مقالِ بعنوان " نقرأ للواجب ونقرأ للمتعة " وفى مقالٍ آخر بعنوان " نقرأ للتمذهب والقضـاء عليه " يتحدث عن القراءة المذهبية، وأذكر فى هذا السياق قصةً حدثت بينى وأحد الإخوة قال لى مزمجراً: إن كانت القراءة تعنى تبنى أفكار مذاهب فكرية كالعلمانية والشيوعية وغيرها من المذاهب الـ...، من أجل تبنيها فلا داعى لهذه القراءة " . فقلت له مقتبسـاً العنوان : مهلاً ... وماذا إن كانت القراءة من أجل التمذهب وللقضاء عليه ؟ فصمت صاحبى .

 وينتقد الكاتب تعصبية المتمذهبين عندما وصفهم قائلاً : " صغار العقول يتكلفون جداً بالمذاهب والدفاع عنها، وكأنها وجدت قبل الكون والعقل والعلم " ثم ذكر تمرد العقلاء على المذاهب ومن أبرزهم أبوالعلاء المعرى القائل:

إذا رجع الحكيم إلى حجاهُ ** تنَكر للمذاهب وازدراها .

كما أنه يتطرق للحديث عن كيفية القراءة وأجواء القراءة والتفكير فى المقروء وما شابه ذلك ببساطة " الفصل الأول " يعتبر المدخل للقراءة .

أما بالفصل الثانى وعنوانه: "عين لا ترى إلا الكتب" : فيبدأ ناقلاً : " كان ميمون بن سياه إذا جلس إلى قوم قال : نحن قومٌ منقطعٌ بنا، فحدثونا أحاديث نتجمل بها " _ من البيان والتبيين – الجاحظ

ويمضى الحديثُ منساباً عن الكتب وحكمة الكتب وغايتها، وسجن الكتب وكتاب السجن، الكتب القديمة، الكتب المعاصرة وأسوار الكتب، فعن الكتب يدور الفصل.

أما بالفصل الثالث " معايشة النمرة... " فيفتتحه الكاتب بالغبارة التالية:

إن الكتابة قد تبدو سهلة، لكنها بالواقع من أشقَ الأعمال " _إرنست همنجواى

يبدو أن المدخل واضحاً يسير حول الكتابة والإسلوب الكتابى مورداً قصصاً عديدة لكبار الكَتاب وتاريخهم فى الكتابة مورداً فى ذلك أجواء ما قبل لحظة الكتابة ولحظة الكتابة، والجدير بالذكر أن عنوان الفصل هو عنوان كتاب للناقد "جبرا إبراهيم جبرا " . .

 والفصل الرابع " عبقرى يستعد "... ويخصص الكاتب هذا الجزء من الكتاب للحديث عن كتب السير بإسلوب شيق، متناولاً بعض المقالات ومنها "كارل ماركس قارئاً وكاتباً " و"سارتر فى كلماته "، "توفيق الحكيم والقراءة " وآخرين .مورداً فى مدخل الفصل " إن السير الذاتية وسير الأفذاذ التى يكتبها الشخص بنفسه او يكتبها شخصٌ آخر هى موردٌ مهم جداً للقيم وتعلق الشباب بخير المواقف للسـابقين، كما أن بها إعادة تفسير دائم للماضى وإحياءٌ للأمجاد، ففى سير الأبطال سلوة وحياة، تاريخ ومنافع ،و مواقعٌ وقرارات لا تحصى.

 ثم يأتى الفصل الخامس : بيت فى مدينة الأدب :

 " يروى ان احداً سأل الأديب "الطيب صالح " لماذا لم تكتب كتباً أخرى بجودة "موسم الهجرة إلى الشمال " ؟ فد قائلاً " لا يمكن ان اكتب مثله أبداً، فهو بيتى فى مدينة الأدب. "وبذات السياق يمضى المؤلف فى الحديث عن بيوتٍ فى مدينة الأدب وعلوم الإجتماع والفلسفة وفروع أخرى من العلوم، فالكاتب يشقى نفسه فى الكتابة وينتج الكثير من الكتب، ثم لا يذكرهم أحد إلا بكتاب واحد وربما كتاب صغير . _ تساءلت حين قرأت هذا المقال ... ألا يمكن أن تكون هذه المذكرات هى بيت كاتبنا ؟! ولما ل. ومن الملفت أيضـاً فى هذا الفصل انه لم يتعين بالكتابة فى جانب معين بل شمل عدة جوانب وهنا سيتضح لك كقارئ للكتاب بأن كاتب هذه الحروف لم يكن كالراهب المعتزل فى خيمته عن المجتمع متقوقعاً حول كتبه فقط، بل ستكتشف مدى وعيه بالمجتمع حوله وبمجالسته ومحاوراته المتعددة .

الكتاب شيق وممتع وفى ذات الحين ليس سهلاً، ولذلك استحق الوصف "بداية المقتصد، ونهاية المجتهد" وهذا النوع من الكتب لا يقرأ مرةً واحدة ولا مرتين، بل هو مرجع دائم.

 وأخير هناك وصف للكاتب أورده الأديب " حجى جابر قال فيه – أى عن الكاتب : " ألبرتو مانغويل فى حيَنا ".

و فى ختام المقال سيكون من الرائع أن أورد لك عزيزى القارئ هذا الحوار الذى دار بين زوربا الرجل العامى والرجل المثقف الذى استهلكت الكتب حياته، والحوار مقتبسٌ من رواية "زوربا" لـ "نيكولاس كازانتزاكي" :

زوربا : " إذاً فكل تلك الكتب التى تقرؤونها، فى ماذا تنفع ؟ قل لى لماذا تقرؤها ؟

  • إنها تتحدث عن حيرة الانسان الذى لا يستطيع أن يجيب عمَا يسأل يا زوربا .

زوربا : أريدك أن تقول لى من أين نأتى ؟ وأين نذهب ؟ لا بد وأنك بعد هذه السنوات الطويلة التى أمضيتها وأنت تستهلك نفسك بالكتب قد عصرت ألفين أو ثلاثة آلاف كيلو من الورق، فأى عصير أستخلصته منها ؟

... لقد كان صوته قلقاً جداً إلى حد أن أنفاسى تلاحقت ولهثت، آه ! كم وددت لو استطيع إجابته ! كنت أحس إحساساً عميقاً بأن أعلى ذروة يمكن أن يبلغها الإنسان ليست هى المعرفة، ولا الفضيلة ولا الطيبة ولا النصر، بل شئ أكبر من ذلك وأشد رعباً وبطولةً ويأساً ... " الرُعب المقَدَس" . _ كتوضيح عزيزى القارئ يمكنك أن تسميه كما أسميته بـ "السمو الروحي" .

* كاتب المقال:

سودانى الجنسية - يدرس بكلية الهندسة قسم الاتصالات - بجامعة جواهر لال نهرو التكنولولجية - بالهند ... مهتم بقضــايا الفكر والثقافة. ويسعى لإيقاد شعلة النهضـة فى أمته بسلاح القلم ونور المعـرفة كما يقول فى تعريفه لنفسه

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2