طارق متولى يكتب: نظام حياتنا العشوائية

كنت فى زيارة لفرنسا وكانت أول زيارة لى لبلد أوروبى.. وكعاداتنا فى مصر قررت أنا وأصدقائي أخذ قسط من الراحة بعد الغذاء فى الفندق على أن ننزل فى المساء للتسوق، فى منطقة وسط البلد حيث المحلات والمول الشهير "لافييت". وبالفعل تحركنا من الفندق الذى كان يقع فى ضواحى باريس بالتحديد فى منطقة اسمها أرجينتى حوالى الساعة السادسة والنصف مساءً لنصل إليها فى حوالى الساعة السابعة مساءً لنفاجىء بأن جميع المحلات بدأت تغلق أبوابها ولا يسمح لأحد بالدخول حيث جميع العاملين يستعدون للمغادرة. عرفنا أن مواعيد عمل المحلات تنتهى كل يوم الساعة السابعة مساءً وفى أيام العطلات تغلق فى التاسعة. أخذنا نتجول فى المدينة حيث الكافيهات والمطاعم فى المنطقة السياحية المحيطة بشارع الشانزليزيه الشهير، والتى تعمل فقط حتى ساعة متأخرة من الليل، وهى بعيدة عن المناطق السكنية فهى منطقة كافيهات ومطاعم ومسارح. جلسنا فى إحدى المقاهى هناك، وجاءنا نادل فرنسى فى غاية الأناقة يرتدى قميص أبيض وبنطال أسود وبابيون أسود بقائمة المشروبات المكتوبة باللغة الفرنسية التى لا نجيدها لكنها كانت مليئة بصور لأنواع "الآيس كريم" والمشروبات. أعجبنا نوع من الآيس كريم طلبنا من الجرسون أن يحضره لنا ولما كان الرجل يرى من حديثنا بالإنجليزية وملامحنا العربية أننا زوار للمدينة تحدث إلينا بالإنجليزية قائلا: " إن هذا النوع من الآيس كريم يحتوى على خمر حتى نكون على علم." شكرناه بالطبع على أمانته وأخذنا نبحث فى القائمة عن شىء أخر وأشار هو علينا بالنوع الوحيد الذى لا يحتوى على خمور واحضره لنا. فى طريق العودة إلى الفندق مررنا بالمناطق السكنية وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساءاً فلاحظنا هدوء تام فى هذه المناطق وكأنها مهجورة، لا توجد أنوار مضاءة فى الشقق السكنية وبالطبع لايوجد محلات أسفل العمارات السكنية على الإطلاق فالأسواق والمحلات فى أماكن محددة خارج المناطق السكنية. كان يبدو أن الجميع خلدوا إلى النوم لا صوت لمذياع ولا تليفزيون ولا شىء فالجميع نائمون ليستيقظوا مبكرا تقريباً فى الساعة السادسة صباحا للذهاب إلى الأعمال. استحضر عقلى سريعا نفس المشهد فى القاهرة لأكتشف فى الحقيقة أننا لا ننام فالمحلات والمقاهى أسفل العمارات السكنية تعمل أربعة وعشرون ساعة فى صخب، وأصوات التليفزيونات والراديو تأتيك من كل مكان حتى ساعات الفجر الأولى لهذا لا نستيقظ مبكرا، ونذهب للعمل غالبا متأخرين، مرهقين من السهر وقلة النوم ننتظر الفرصة للعودة للمنزل لأخذ قسط من الراحة والسهر مرة أخرى. كنت أظن أن العشوائية هى مساكن وشوارع مبنية بدون تخطيط لكننى اكتشفت أنها فى الحقيقة نظام حياة نعيشه، نفرضه على بعضنا البعض.. يدمر صحتنا.. يقلل إنتاجنا ويؤخرنا كثيرا عن التقدم فى الحياة.