ذاكرة المدينة (2) زيزو عبده يحكى عن «حى السيدة زينب»

ذاكرة المدينة (2) زيزو عبده يحكى عن «حى السيدة زينب»ذاكرة المدينة (2) زيزو عبده يحكى عن «حى السيدة زينب»

* عاجل12-11-2019 | 16:01

صورة ترسمها بالكلمات: أمل إبراهيم

فى حلقة سابقة قدمنا عاشق التاريخ، عبد العزيز فهمى، أو "زيزو عبده" كما يحب أن تناديه الناس، وفتح لـ "دار المعارف" قلبه وانطلق لسانه يكشف أسرار القاهرة حيث تحب "القاهرة" أن تهب أسرارها للمغرمين بحبها وهذا أول مبادىء العشق.

وفى هذه الحلقة يواصل "عبده" حكايته الساحرة الطويلة من حى "السيدة زينب" حيث المقام الشهير الذى أطلق اسم صاحبته على الحى، وحيث يمكنك أن تصغى إلى همهمات الأمل، دعوات مختلفة تتأرجح بين الرجاء والتوسل بين الدموع واليقين، يطلبون صلاح الحال أو تيسير الزواج أو عمل ومال وغيرها من الأمنيات والحوائج، فضفضة بين الأنسان وربه تنتظر لحظة انفراجة لأبواب السماء.

شىء لله يا أم هاشم، شىء لله يا رئيسة الديوان، شىء لله يا أم العواجز يا صاحبة الشورى، السيدة زينب الحبيبة القريبة إلى قلوب المصريين، صاحبة المقام العالى، سمى حى كامل باسمها حبا وتيمنا لمكانتها فى قلوب المصريين، وعلى بعد مسافة قصيرة من مسجد السيدة وأحد المقاهى الشعبية كان اللقاء مع عبد العزيز فهمى، الشهير بزيزو عبده، يحكى عن تاريخ الحى وأهم الآثار الموجودة فيه.

يقول زيزو: "إذا بدأنا بتعريف كلمة حى أو منطقة فهي مجموعة من الشوارع والحوارى والأزقة والبيوت ولكن أيهم أهم بالنسبة لوصف المكان الجغرافيا أم التاريخ؟ بالطبع بعض المناطق لا نستطيع أن نتحدث عنها بوصفها مجرد مكان يسكنه بعض الناس لأننا أمام شواهد تعلن عن نفسها، من هنا مر التاريخ وترك بصماته بقوة لا نستطيع إلا أن نحاول أن نفتش فى ذاكرة المكان كى تبقى منتعشة فى عقولنا، السيدة حى سكنى يحوى أكثر من ٤٠ أثرًا تاريخى إسلامى وله موقع خاص نظرا للارتباط الروحى به لوجود مسجد السيدة، يعتبر الحى من أهم الأحياء المصرية بل يمكننا القول إنه الأجدر بلقب عاصمة القاهرة الحقيقية خاصة كلنا يعلم مدى ارتباط بالمصريين الأولياء والصالحين وآل البيت. يضيف زيزو قائلاً: "إن التفاصيل خارج المسجد تبدو حياة عادية مزدحمة مثل الأنوار والحلويات والباعة والزوار والسلع، ولكن المشهد داخل المسجد أكثر تأثيرا وجذبا للانتباه، بالداخل تفاصيل مختلفة، صوانى الحنة والشموع المشتعلة ورقص تعبيرى والسبح الألفية "ألف خرزة" والملابس الخضراء، عالم آخر ابتدعه المريدون وحالة تستحق التأمل والتوثيق. سميت المنطقة بالسيدة زينب في آخر القرن التاسع عشر في عهد محمد علي، ويسمى الشارع المواجه للمسجد شارع بور سعيد والذي كان يسمى قديما بشارع الخليج المصري، حيث كان يمر به فرع النيل الذي تم ردمه بعد ذلك ويسمى الشارع الملاصق للمسجد بشارع السد ويبدو من اسم الشارع علاقته بالقناطر الموجودة قديما في المكان، يتميز الحى بأن كل الدروب تعج بالمقامات وكل الشوارع تزينها الآثار، تتغير أسماء الشوارع ولكن تبقى ذاكرة التاريخ هى الأهم ويكون ارتباط الناس بما نشأوا عليه وألفوا إلى سماعه. من ميدان السيدة زينيب مرورًاً بمدرسة السينية ستجد أمامك متفرعين وهما شارع خيرت وشارع الناصرية قبل أن تصل الى ميدان لاظوغلى ثم وسط البلد، تستطيع أن تقول إنها نقطة فاصلة تنتهى بها القاهرة القديمة ونقطة انطلاق للقاهرة الخديوية. ومن المناطق بحى السيدة "الناصرية" التى تشتهر بعدد من المطاعم المعروفة التى تجذب الكثيرين إليها، يعود تسميتها للسلطان الناصر محمد بن قلاون عظيم دولة المماليك البحرية الذى وافق على المد العمرانى لذلك المكان وعرفت قديما بأنها كانت حدائق وبساتين ومتسعًا عمرانيًا جديدًا باعثًا على الراحة والاستجمام والهدوء. تلاشت بالطبع تلك البساتين والأجواء الرائعة وأخذت فى ذيلها جزءًا من ملامح الحياة اليومية فى زمن المماليك وتبقى لنا أجزاء من جدران مهدّمة. ومن أهم المعالم أيضا مدرسة وخانقاه سلار وسنجر الجاولى عبارة عن تحفة فنية تسر الناظرين شاهدة على عظمة المعمار المملوكى، تطّل القبتان الجنائزيتان وتلك المئذنة الفريدة العتيقة على أكوام القمامة والهدم بشارع مراسينا - السيدة زينيب فى مشهد سريالى فريد لن تجده إلا فى القاهرة. ومن المزارات الرائعة "التكيّة المولوية" هذا الكنز الأثرى فى مصر، بعد عدة خطوات من تقاطع شارع الصليبة بمنطقة الخليفة متجهاً إلى شارع السيوفية العريق ستجد هذا الأثر الساحر، هو من أهم معالم مصر السياحية بلا شك ولكن للأسف لا يأخذ حقه فى الشهرة حاله كحال سائر آثار العصور الوسطى. فى الأساس ترجع البناية (مدرسة وقبة) لمنشأها الأمير سنقر السعدى زمن سلطنة الناصر محمد بن قلاون وفى العصر العثماني (القرن ١٧ م) تم تزويدها واستخدامها كمقر للتكية المولوية أو تكية الدروايش والسمع خانة وبها ضريح حسن صدقة أشهر دراويش عصره زمن العثمانيين. المولوية هو طقس صوفى بدأه جلال الدين الرومى ونظّم أغلب أشعاره وأذكاره، الحركة عبارة عن رقص دائرى يمتد للساعات فى استدعاء كامل لحالة الاندماج والصفاء الروحى والبعد عن العالم المادى سعياً إلى الوجود الإلهى. من أهم الآثار الإسلامية مسجد أحمد بن طولون وهو ثالث جامع أنشئ في مصر، بناه الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية وهو الأثر الوحيد الباقي من مدينة القطائع الذي أنشأه ابن طالون كعاصمة لمصر، وهذا المسجد له طراز معماري مميز و له مئذنة فريدة من نوعها وخلف الجامع يقع بيت الكريتلية الذي أصبح متحفًَا الآن ويتكون من بيتين أنشئ أحدهما في القرن الـ 16 والآخر في القرن السابع عشر وفى عام 1935 تقدم الميجور جاير اندورسون الذي كان من بين الضباط الإنجليز الذين خدموا في الجيش الإنجليزي والمصري في وادي النيل بطلب إلى لجنة الآثار العربية بأن يسكن في هذين البيتين على أن يقوم بتأثيثهما على الطراز الإسلامي العربي ويعرض فيهما مجموعته الأثرية النفيثة من المقتنيات الأثرية الإسلامية وبعد وفاته آلت ملكية البيتين إلى هيئة الآثار. لا يمكن أن نغفل عن ذكر شارع الصليبة ثانى متحف آثار مفتوح بعد شارع المعز ويمتد الشارع حوالى نصف كيلو متر ويصل بين ميدان صلاح الدين أمام مدرسة السلطان حسن وميدان السيدة زينب, وأطلق عليه المستشرقون شارع الصليبية نظرا لتقاطع الشارع مع الشارع الأعظم ويحتوى الشارع على العديد من الآثار الإسلامية تتنوع بين الأسبلة والمساجد والمدارس ويستحق الشارع فصلا منفصلا من الكتابة.

[caption id="attachment_367923" align="alignnone" width="1143"] عبد العزيز فهمى الشهير بزيزو عبده[/caption] [caption id="attachment_367922" align="alignnone" width="892"] بيت الكريتلية أو متحف جاير اندرسون[/caption] [caption id="attachment_367924" align="alignnone" width="886"] مسجد السيدة زينب[/caption]
أضف تعليق

إعلان آراك 2