لواء دكتور سمير فرج يكتب: الأيقونة الذهبية للقوات المسلحة المصرية
لواء دكتور سمير فرج يكتب: الأيقونة الذهبية للقوات المسلحة المصرية
رغم أنني أنتمي إلى سلاح المشاة، الملقبين في القوات المسلحة باسم سادة المعارك ... الذي اقتحمت خمس فرق منه قناة السويس في حرب أكتوبر 73، إلى خط بارليف، وكونت رأس الكوبري في شرق قناة السويس في سيناء، ونجحت في صد الهجمات المضادة المدرعة للعدو الإسرائيلي، واستطاعت أن تحتفظ بقواتها صامدة في سيناء ... رغم كل تلك البطولات من رجالات المشاة، ومعهم رجال المدرعات، والمدفعية، والقوات الجوية، والبحرية، وكل عناصر القوات المسلحة المصرية، إلا أن هناك رجال لولا فضل الله، ولولا مجهوداتهم وتضحياتهم، ما تحقق لمصر النصر في هذه الحرب أبداً ... هم رجال من ذهب ... إنهم أبطال الدفاع الجوي.
أتذكر يوم السادس من أكتوبر 73، وبينما نحن في غرفة عمليات القوات المسلحة، وبعد تمام نجاح الضربة الجوية، في الساعة الثانية ظهراً، التي مهدت لبدء عبور موجات المشاة، لاقتحام قناة السويس، إذا بأجهزة الاستطلاع اللاسلكي المصرية تلتقط، فجأة، في الثانية والربع ظهراً، إشارة مفتوحة، بدون رمز ولا شفرة، وهو ما لا يحدث في الحروب، إلا في حالات الضرورة القصوى، وعندما يكون الأمر عاجلاً لا يحتمل الانتظار، إذ أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية في حرب 73، الجنرال بيني بيليد، إشارة مفتوحة إلى جميع الطيارين الإسرائيليين، بمنع الاقتراب من قناة السويس، لمسافة 15 كم، وهي مدى عمل حائط الصواريخ المصري، بمعنى أنه في حال اقتراب أي طيار إسرائيلي لتلك المسافة، سيلقى حتفه فوراً. في تلك اللحظة، وأنا الضابط الحديث سناً، ورتبة، أيقنت أن العبور سيتم بنجاح، وأن القوات المصرية ستعبر بأمان، وتؤسس رأس الجسر في سيناء، دون تدخل "اليد الطولى" لجيش العدو الإسرائيلي، وهو اللقب الذي أطلقوه على قواتهم الجوية، بعد انتصارهم في حرب يونيو 1967.
وقبل الدخول في تفاصيل ما فعله رجال الذهب، من قوات الدفاع الجوي المصري، أفخر بتأكيد أن حائط الصواريخ المصري، في حرب 73، قد غير مفاهيم القتال، والعقائد القتالية في الفكر العسكري الغربي، خاصة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف الناتو، فبعدما كانت المراجع العسكرية، في قوانين القتال الغربية، تنص على أن تصنيف كفاءة عمل القوات الجوية يقاس بعنصرين، أولهما "السيادة الجوية"، Air Supremacy، بمعنى سيطرة القوات الجوية على ميدان القتال، بالكامل، ومنع أي وجود للقوات الجوية المعادية. أما العنصر الثاني فكان "السيطرة الجوية"، Air Superiority، وهي سيطرة القوات الجوية، المتفوقة في العدد، والنوع، على القوات الجوية المعادية على ميدان القتال بالكامل، أو جزء منه، أو لوقت محدود.
إلا أن انتصار قواتنا المسلحة في حرب 73، كان له في الفضل في أن يضيف رجال الذهب، من الدفاع الجوي المصري، عنصراً جديداً لتقييم استخدام القوات الجوية، على مستوى الفكر العسكري العالمي، وهو "تحييد القوات الجوية المعادية"، Neutralizing Enemy Airforce، ويعني أنه رغم التفوق العددي، والنوعي، للقوات الجوية المعادية، الذي يمكنها من تحقيق السيطرة الجوية، إلا أنها تعجز عن المشاركة في القتال، وهو ما حققه رجال الدفاع الجوي المصري، بفضل حائط الصواريخ المصري ... ومنذ ذلك اليوم، تمت إضافة هذا البند، إلى قوانين القتال الغربية، بناءً على خبرة قوات الدفاع الجوي المصري، في حرب عيد الغفران.
لقد تم إنشاء قيادة قوات الدفاع الجوي المصري، بعد حرب 67، تحديداً يوم 1 فبراير 1968، تحت قيادة الفريق محمد علي فهمي، لتمثل القوة الرابعة في القوات المسلحة المصرية، فأصبحت بذلك أول قوة للدفاع الجوي، في الشرق الأوسط. قام الفريق محمد علي فهمي بإنشاء حائط الصواريخ، خلال حرب الاستنزاف، الذي كان مثلاً لتكاتف الجيش والشعب من أبناء شركة المقاولون العرب، الذين نفذوا البناء هندسياً. ورغم تدخل القوات الجوية الإسرائيلية، عدد من المرات، لمنع إنشاء هذا الحائط، خلال حرب الاستنزاف، إلا أن رجالنا أتموا بناءه، وكانوا، دوماً، في تمام اليقظة، للتصدي لمحاولات القوات الجوية الإسرائيلية، لضرب الأهداف الاستراتيجية المصرية في العمق، وتمكنوا، بالفعل، من إسقاط العديد من طائرات العدو.
ويعرف الفريق محمد علي فهمي حائط الصواريخ، بأنه تجميع قتالي، متنوع، من الصواريخ، والمدفعية المضادة للطائرات، في الساحة القتالية داخل مواقع ودشم ... قادر على صد، وتدمير، الطائرات المعادية، مضيفاً أن وصول حائط الصواريخ، إلى منطقة القناة، تم على شكل وثبات، أطلق عليها اسم "أسلوب الزحف البطيء"، على أساس إنشاء تحصينات كل نطاق، واحتلاله، تحت حماية النطاق الخلفي له.
ولقد كان يوم 30 يونيو 1970، يوماً مشهوداً للدفاع الجوي، تم فيه إسقاط طائرتين فانتوم، وطائرتين سكاي هوك، وتم أسر 3 طيارين إسرائيليين، وتوالى بعدها سقوط طائرات العدو الإسرائيلي، إلى أن وصل عددها، بنهاية الأسبوع، إلى 12 طائرة، فأُطلق عليه اسم "أسبوع تساقط الفانتوم"، واعتبر يوم الثلاثين من يونيو، من كل عام، عيداً لقوات الدفاع الجوي المصري.
وخلال حرب 73، وبعد نجاح حائط الصواريخ في منع القوات الجوية الإسرائيلية من الهجوم من اتجاه سيناء، نسج رجال الدفاع الجوي المصري ملحمة كبيرة في منطقة بورسعيد، عندما حاولت طائرات العدو الإسرائيلي مهاجمة مطارات الدلتا، من اتجاه بورسعيد، مستغلة أن ذلك القطاع خارج نطاق حائط الصواريخ، فوصلت نسبة مهاجمة الطائرات الإسرائيلية لمواقع الدفاع الجوي في بورسعيد، إلى 12% من إجمالي طلعاته الجوية، وارتفعت يوم 8 أكتوبر إلى نسبة 25% من إجمالي الطلعات الجوية الإسرائيلية ... ومع ذلك نجحت مواقع الدفاع الجوي، في بورسعيد، من إسقاط 21 طائرة إسرائيلية، في الفترة من 6 إلى 8 أكتوبر 73، فكبدت العدو خسائر جسيمة في السلاح، والأرواح، ليضاف ذلك الإنجاز العظيم إلى سجلات قوات الدفاع الجوي.
ستفتخر مصر، دائماً، بأن رجال الدفاع الجوي، هم رجال عظماء، معدنهم من ذهب، وستظل ملحمة الدفاع الجوي المصري في حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 73 ... هي الأيقونة الذهبية للقوات المسلحة المصرية.