أحمد عاطف آدم يكتب: أيام السترة
أحمد عاطف آدم يكتب: أيام السترة
المشهد كان ضمن تقرير مصور فى أحد برامج الـ "توك شو" الشهيرة وكان يستطلع أحوال مجموعة من المواطنين فى فى منطقة شعبية بالقاهرة، وقد تجمعوا حول بعض الباعة الجائلين الذين افترشوا أرض الشارع يبيعون لهم أطعمة مكشوفة لا تصلح للإستهلاك الآدمي، فهي عبارة عن مخلفات أو ما يسمي بـ "فضلات المصانع"، وكانت ما بين منتجات ألبان وأسماك لا تبدو في حالة جيدة، وبقايا حلوي، وما إلي ذلك من مواد غذائية يسكنها المرض.
المفجع في الأمر والذي أسال دموعى هو تلك السيدة التي بكت لمراسلة البرنامج ومعدة التقرير وهي تقسم أمام الكاميرا بأنه أصابها المرض من تناول تلك الأطعمة، لكنها مضطرة هي وأسرتها ، وأشار طفل إلي أنهم لا يستطيعون إلا شراء تلك النوعيات من الغذاء ، بينما أضافت مواطنة أخري أنها تشتري هذه الفضلات لإطعام اطفالها الصغار ، وأخيرا طلب رجل مسن من المواطنين أن لا يلقون بمخلفاتهم في سلات مهملاتهم لأن فقراء مصر يحتجونها ، قالها وقد أوشك علي البكاء.
هذا التقرير وإن عكس ظروف شريحة من المجتمع وصلت لمستوي ينذر بحالة يرثي لها من العوز والمعاناة ، في ظل ظروف إقتصادية صعبة تمر بها البلاد ، وتحاول الحكومة بشتي الطرق مجابهتها من كل اتجاه وتقليل أثرها قدر الاستطاعة ، إلا أن الأمر تخطي محدود الدخل، الذي أصبح معدوم الدخل ، في ظل نار الأسعار وجشع التجار، وسلب معدوم الدخل هذا حتى القدرة على الشراء من سيارات الدعم أو بعض المنافذ الثابتة بالمحافظات بسعر أقل من المعروض في السوق.
وأري من وجهة نظري أن ثمة بعض الدعم الإضافي أصبح من الضروري تقديمه لأبناء مصر المطحونين خلال تلك الفترة العصيبة، والتي يجب أن تتضافر فيها كل الجهود لضمان حياة كريمة وآدمية لهم ولذويهم ، يستطيعون من خلالها تناول أطعمة مدون عليها بيانات الصلاحية ، بدلا من تلك المكشوفة مجهولة المصدر.
ومن الممكن أيضا أن يؤدي رجال الأعمال الشرفاء دورا موازيا لدور الدولة ومكملا له، وفى هذا أقترح أن يقوموا بتأسيس شركة فيما بينهم تقدم سلعا غذائية لهؤلاء الذين لا يملكون من الدنيا إلا حطامها، وليكن هناك " كروت ضمان اجتماعي " توفرها لهم الدولة ببحوث ميدانية تثبت أحقية هؤلاء في دعم رجال الأعمال، ويبيع رجال الأعمال لهم السلع بنفس القيمة المادية التي كان يشترى بها الفقراء احتياجاتهم من مخلفات مصانعهم ، فاليبيعوها لهم بشرف هذه المرة ، وليتذكر بعض من رجال الأعمال الذين كانوا ضيوفا لبعض القنوات التليفزيونية تلك المآسي التي قصوها علينا بمحض إرادتهم حول بداياتهم قبل الثراء .
ظروفا شبيهة مروا بها كالتي يعيشها من يشترون مخلفاتهم ، اقول لهم تذكروها بشرف فليس عيبا ولا عارا أنكم كنتم مثل هؤلاء ممن لا زال الفقر ملازما لهم، ولتعلموا أنه من حقهم عليكم أن تكونوا سندا لهم مثل تلك اليد التي مدها الله لكم حتي أصبحتم علي ما انتم عليه .
وأخيرا أوجه رسالة إلي كل بيت مصري أصيل يعرف جارا له ضاقت ذات يده، ويستطيع أن يساعده بأقل القليل، ولنستعيد معا تلك الأيام التى كان فيها "المليان بيكب علي الفاضي" والحقيقة أنه لا كان هناك "مليان ولا فاضي" ولكن كان هناك شعب مستور ببعضه، لا يخاف نقص الطعام، ولا يهاب الجوع.