المتطوعون في الصين مائة مليون متطوع صيني يشاركون في الخطط الوطنية الكبرى

المتطوعون في الصين مائة مليون متطوع صيني يشاركون في الخطط الوطنية الكبرىالمتطوعون في الصين مائة مليون متطوع صيني يشاركون في الخطط الوطنية الكبرى

عرب وعالم9-12-2019 | 19:37

كتب:فتحى السايح
قال أحمد سلّْام، خبير في الشأن الصيني والمستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر لدى الصين  في الخامس من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للتطوع. وهذا اليوم أقرته الأمم المتحدة في قرارها رقم 40/212 في 17ديسمبر 1985، وفي عام 2001 انطلق العام الدولي للتطوع، وهي مناسبة يتم التأكيد فيها على أهمية العمل التطوعي كقيمة إنسانية عظيمة، والتعبير عن الشكر لكل المنخرطين في العمل التطوعي في أنحاء الكرة الأرضية، فضلا عن زيادة الوعي العام بمساهمة المتطوعين في مجتمعاتهم. وبشكل عام، فإن الهدف من إحياء هذا اليوم هو تحفيز وتشجيع المشاركة المجتمعية وإيجاد سياسات تشجع الأعمال التطوعية والمساهمة في توسيع العمل التطوعي والاعتراف بأهمية دور المتطوعين في تنمية مجتمعاتهم.
ويُعرّف التطور الرسمي بأنه عملية يختار فيها الفرد التصرف من خلال مؤسسة تقديرا للحاجة وبدون الاهتمام بالربح النقدي.
واضاف سلام لقد ظهر العمل التطوعي لأول مرة في جمهورية الصين الشعبية في عام 1979. وفي منتصف ثمانينات القرن العشرين، دعت وزارة الشئون المدنية الصينية إلى تعزيز العمل التطوعي في الأحياء السكنية، حيث أنشئت أول جمعية لمتطوعي خدمة الأحياء السكنية في الصين. وفي بداية التسعينات تأسست جمعية المتطوعين الشبان الصينية، ودخلت أول لائحة وضعتها الصين بشأن الخدمات التطوعية حيز التنفيذ في ديسمبر عام 2017. ومن أجل تشجيع الناس على العمل التطوعي، نظمت الحكومة الصينية العديد من الأنشطة، ومنها حركة متطوعي الشباب الصينيين، وتطوع الخريجين في غربي الصين، إلخ.
واشار الىً ان  المشاركة التلقائية للمتطوعين تطورت  في الصين بسرعة على مدار العقد الماضي، وتتنوع أنواع ودوافع مشاركة المتطوعين، كما تتباين تجارب خدماتهم التطوعيةومواقفهم تجاه العمل التطوعي. وحسب دراسة بعنوان "مشاركة المتطوعين وتنمية المجتمع المدني في الصين" للباحث ينغ شو، من الجامعة الصينية في هونغ كونغ، نشرت في عام 2013، فإن المشاركين من تلقاء أنفسهم ممن يتمتعون بتجارب طيبة والذين يتطوعون من خلال القواعد الشعبية يكون لهم موقف إيجابي تجاه العمل التطوعي ويعتقدون أن العمل التطوعي يمكن أن يسهم في تنمية المجتمع، كما أن المشاركين في القواعد الشعبية والمجتمعية القائمة على المجتمع يكون لهم موقف متحمس تجاه العمل التطوعي.
ونوهً لقد أتيحت له الفرصة ليكون شاهدا على تجربة العمل التطوعي في جمهورية الصين الشعبية، في مناسبات مختلفة، منها دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 في بكين، وإكسبو شانغهاي في عام 2010، وقمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو عام 2016، وقمة منظمة شانغهاي للتعاون في تشينغداو عام 2018، وغيرها.
وحسب وزارة الشؤون المدنية الصينية، فإن الصين بها حتى نهاية عام 2018، ما يربو على مائة مليون فرد تم تسجيلهم كمتطوعين، ونحو 12 ألف منظمة للخدمات التطوعية مسجلة، وقدمت هذه المنظمات خدمات تزيد على مليار ومائتي مليون ساعة عمل.
يمكننا تصنيف فئات المتطوعين في الصين إلى: أولا،المتطوعون من الفتيات والفتيان ويمثل معظمهم طلاب الجامعات والمعاهد ممن يقوموا بخدمات الترجمة وبعض الأعمال اللوجستية؛ ثانيا، متطوعو التجمعات السكنية وهم عادة من أبناء وسكان التجمعات السكنية وممن خرجو إلى التاقعد عن العمل ومن لديهم وقت للتطوع؛ ثالثا، متطوعو المنظمات الدولية؛ رابعا، متطوعو المنظمات غير الحكومية.
وتركز حملات العمل التطوعي في الصين على تقديم التسهيلات للضيوف الأجانب في المؤتمرات والمعارض التي تنظمها الصين على كافة المستويات، وكذلك في حماية البيئة وتقديم الخدمات في التجمعات السكنية وصيانة النظام الاجتماعي، وتنظيم النشاطات الخيرية وتقديم المعونات الدولية والقضاء على الفقر، وغيرها. ومن المتوقع أن تتزايد أعداد المنخرطين في العمل التطوعي مستقبلا في ظل الدور المتعاظم للصين على المستوى الدولي.
ونستعرض هنا نماذج من الأعمال التطوعية في الصين:
أولمبياد بكين 2008
كان ضمن الوفد الإعلامي المصري المشارك في أولمبياد بكين. عند وصولنا إلى مطار العاصمة الدولي في بكين، استقبلنا عند باب الطائرة مجموعة من الشباب يرتدون .يا موحدا ويحمل كل منهم شارة "متطوع"، ومنهم من يتحدث باللغة العربية ومن يتحدث باللغة الإنجليزية، ولغات أخرى. تم تحديد متطوع لكل مجموعة من القادمين إلى الصين حسب لغتهم. تجاوز عدد المتطوعين للعمل في خدمة المشاركين في أولمبياد بكين مليون وسبعمائة ألف شخص، وقد بذلوا أقصى جهودهم لإنجاح هذه الدورة من الألعاب الأولمبية. معظم متطوعي خدمات اللغات طلبة من دارسي الاغات الأجنبية في بكين، وبعضهم الآخر متطوعون أجانب ومغتربون صينيون وأجانب من أصل صيني. وقد قامت الجهات المعنية بجمهورية الصين الشعبية بتجهيزهم وتدريبهم على مرافقة الأجانب وعرفتهم على ثقافات بعض الدول الزائرة والمشاركة.
وعندما سال عن إجراءات التطوع  وكيف يمكن لأي شخص أن يقوم بهذا العمل الرائع، قال لي الطالب المتطوع المسؤول عن مجموعتنا إنه تقدم بطلب الانضمام مع المتطوعين إلى اللجنة التنظيمية، وبعد استيفاء كافة البيانات والمستندات المطلوبة، تم الاتصال به لإخباره بأنه تم اختياره. ولكن ما أدهشني وأذهل جميع الأجانب أن المتطوع يعمل من منطلق أن مايقوم به هو أسلوب حياة، فهو دائما مبتسم ويلبي كل ما يطلب منه دون ضجر أو ضيق أو إظهار التعب، على الرغم من أنه كان عمل مجهد جدا.
إكسبو شانغهاي 2010
وجدنا أعدادا كبيرة من الطلبة والطالبات يقدمون الخدمات ويساعدون كل ضيوف الإكسبو من جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه وجدنا بعض الأشخاص يحملون شارات كتب عليها "متطوع"، وكانوا موزعين على مختلف الأماكن،ويؤمنون خدمات للزوار مثل مساعدتهم على عبور الشوارع وإرشادهم لخطوط المواصلات التي تنقلهم إلى وجهاتهم، سواء إلى مكان الإكسبو أو إلى الأماكن السياحية في شانغهاي. قال الشاب المرافق لنا إن هؤلاء الأشخاص لا يتقاضون أي أجر وإنهم خلال أوقات فراغهم يقومون بالتطوع من أجل تنظيم حركة السير وحث الناس على احترام القوانين المعمول بها. وفي حقيقة الأمر فإن العمل التطوعي لم يقتصر على هذه المجالات  بل شمل العديد من جوانب الحياة التي تعد بالنسبة لنا صعبة بكل المقاييس.
وتعتبر الصين من أكبر البلدان المستفيدة من المنتديات الدولية للعمل التطوعي، إذ تنشط العديد من هذه المنتديات بمختلف أنحاء الصين، وذلك لوجود مناخ اجتماعي مساعد على مثل هذه الأنشطة، فالإنسان الصيني مستعد للعمل لساعات طويلة وبانتظام ملحوظ. وقد أسعدني كثيرا أنه كان من ضمن المتطوعين طلبة مصريون، بالإضافة إلى أبناجنسيات أخرى انخرطوا في منتديات العمل التطوعي بالصين. وأنا أرى أن المتطوعون في الصين كان لهم عظيم الأثر في إنجاح كثير من الفعاليات مثل دورة الألعاب الأولمبية وإكسبو 2010.
خلاصة القول، فإن العمل التطوعي أصبح أحد أهم الآليات لدى الحكومة الصينية من أجل تعبئة الجماهير وإدماجها في المخططات الوطنية الكبرى، إذ تستثمر في هذا المجال من أجل ضمان انخراط المواطنين في المشروعات المجتمعية وإنجازها بتكلفة أقل، مما جعل أعمال التطوع تستحق دراسة مستفيضة من أجل الاطلاع على مكامنها وأسباب نجاحها، وإمكانية تطبيقها في بلدان أخرى، وخاصة الدول العربية، مما يكون له عظيم الأثر في عملية الانتماء وحب الوطن.
 وأشارإلى أن مصر بها حاليا عدد من الجمعيات والمؤسسات التي تساهم بشكل كبير في نجاح العمل التطوعي، غير أن تعزيز ثقافة التطوع يحتاج إلى جهد مضاعف، من خلال توثيق العلاقات بالمسؤولين ومتخذي القرار، وتنظيم المؤتمرات والملتقيات وإنشاء مراكز للعمل التطوعي على مستوي البلاد، بغرض تشجيع العطاء بلا مقابل والمساهمة الفاعلة في المجتمعات، والاستفادة من أهم عنصر يستطيع كل منا التطوع فيه، وهو الوقت والجهد والعلم والرأي والخبرة، كأحد أوجه التطوع والعطاء، خاصة في ظل تعقد عالمنا المعاصر وتعدد الاحتياجات الاجتماعية لكثير من فئات المجتمع، مما زاد من الأعباء الملقاة على عاتق الدولة، حيث لم تعد الحكومات قادرة وحدها على القيام بهذا الدور، مما يتطلب مشاركة جهات أخرى تعزز الدور الحكومي وتسانده وتقوم بالمساعدة في تلبية الحاجات الاجتماعية لفئات كثيرة في المجتمع .
والمؤكد أن الدولة لم تغفل في "رؤية مصر 2030" جانبا هاما من جوانب النهضة والتطوير والبناء، ألا وهو جانب الأعمال التطوعية. من خلال هذه الرؤية الطموحة، تسعى مصر إلى رفع نسبة المتطوعين، وهو ما يعني رفع طاقة الموارد البشرية في مجال العمل التطوعي وتعظيم الاستفادة من أوقات ومهارات الشباب والفتيات كل في مجاله، واستثمار جهود المتطوعين في عمليات التنمية في مصر.
ولاشك أن هناك دورا هاما لوسائل الإعلام المختلفة في تعليم وترسيخ الإيمان بأن التطوع رسالة سامية تعني التكافل والتعاون والمشاركة والعطاء بدون مقابل وهي كلها معانٍ سامية ونبيلة.
في الوقت نفسه علي الجامعات والمدارس القيام بدور فاعل في توعية الشباب بمفاهيم التطوع وأهمية العمل التطوعي في تطوير المجتمع، وأهمية ذلك في بناء الشخصية والحفاظ علي الهوية المصرية وغرس روح الانتماء، وتعزيز القيم الإيجابية لدي ابنائنا، وإكسابهم المهارات والصفات الطيبة، والتأكيد علي أن التطوع ممارسة تتطلب ثقافة ووعي والمثابرة علي روح المبادرة والقيادة وحب الخير للآخرين. مما يكون من نتائجه إشاعة روح المحبة والإخاء والتكافل والتلاحم.
أضف تعليق

حكايات الأبطال

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2