د .ناجح إبراهيم يكتب: علاقة الأمراض النفسية بالتدين

د .ناجح إبراهيم يكتب: علاقة الأمراض النفسية بالتديند .ناجح إبراهيم يكتب: علاقة الأمراض النفسية بالتدين

* عاجل10-12-2019 | 19:01

كانت طالبة متفوقة في أرفع الكليات تصلي وتصوم وتقرأ القرآن وتمارس الرياضة ،والدها عالم وأستاذ جامعى مرموق من الصالحين,ورغم ذلك كله أصيبت بمرض نفسي أعاقها عن دراستها وحياتها فترة حتى عولجت لدى أكبر أساتذة الطب النفسي وشفيت تماماً.
وهذا إعلامى شهير متدين وعابد من أسرة عريقة اتهم ظلماً في قضية سياسية قديماً حتى برئ منها بعد فترة فصدمته المحنة,فأصيب باكتئاب حاد أدى إلي ذهان فقد فيه الذاكرة كوسيلة نفسية للتخلص من الموقف كله.
رأيته في الحالتين وتابعته عن كثب بحكم وجودى بجواره وقارنت بين حالتيه,وأدركت عظمة الطب النفسي,فحينما كان مريضاً كان منظره مخيفاً ويضرب من يقترب منه،فلما تعافي من مرضه أشرق وجهه وكسته الهيبة والوقار وكان يعطينا دروساً رائعة في الدين والحياة,جميل الطلعة وقوراً عالماً ذكياً.
وهذا شاب متفوق متدين في كلية الطب دخل المعتقل كاشتباه سياسي أياماً بسيطة فأصابه مرض الفصام الخطير,ولولا أنه عولج خارج السجن لضاع مستقبله.
رأيت وشاهدت وتابعت وشاركت في علاج مئات الحالات لأناس متدينين ساقتهم ظروفهم إلي المعتقل فترات,فأصيب بعضهم بالصرع أو البكم,أو الشلل الهستيرى، بل والأزمات الربوية الهستيرية.
ورأيت شباباً متديناً ومن أسر عريقة أصابهم الفصام دون سبب واضح فأصبح يؤذن تارة ويخطب مثل الشيخ كشك تارة ثم يسب الدين بعدها مباشرة.
فالمرض النفسي عامة والاكتئاب خاصة لا علاقة له بالتدين،وهو يختلف عن حالات الحزن او اعتلال المزاج العابرة.
فالاكتئاب ومعظم الأمراض النفسية تحدث من خلال خلل كيميائي عضوى بالمخ أو اضطراب في توازن الهرمونات أو خلل في  بعض مراكز المخ كما يقرر كل علماء الطب النفسي وهو بذلك يقارب الأمراض العضوية.
وكما يقول د/محمد المهدى"إذا كان مرض السكر فيه نقص في هرمون الأنسولين فإن الاكتئاب فيه نقص في هرمون السيرتونين أو الادرينالين أو الدوبامين أو الثلاثة مجتمعين".
وكما أنه لا يقال"أن مرض السكر لا يصيب المؤمن فكذلك من غير المنطقي أن يقال أن الاكتئاب لا يصيب أهل الإيمان وغيرهم،فهو يصيب المتدين مثل غيره،ومن يتهم المريض النفسي أو مريض الاكتئاب أو الفصام بضعف الإيمان فلا يعرف عن العلم شيئاً,بل إن هذا الاتهام للمريض يزيده مرضاً وقد يدفع حالته للتدهور.
الإيمان يعطى للمريض طاقة روحية كبيرة ولكن هذه الطاقة لا تعمل إلا بعد إصلاح الخلل الذى اعترى هرمونات ومراكز المخ.
أما في حالة الخلل الجسيم بها فإن المريض لا يتجاوب مع نصح أو تذكرة أو وعظ ديني أو سماع قرآن أو تذكر أحاديث أو وعظ كنسي.
الإيمان والوعظ والتذكرة يفيد قبل المرض أو في مرحلة لاحقة للعلاج الدوائي حينما يتجاوب المخ مع هذه المحفزات،الإيمان يمنع المريض من الانتحار عادة لخلفيته الدينية السابقة.
أما الحزن الشديد الطارئ بسبب أو لآخر والذى يؤدى إلي أعراض نفسجسمية فهذا يمكن أن يعترى الفضلاء والحكماء والعلماء بل والأنبياء،ومن أشهرهم نبى الله يعقوب الذى حكى عنه القرآن" وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ"أي حزين،فالعمى العضوى نتج من الحزن الطارئ لفقده ولديه معاً يوسف وبنيامين،وبهذا يكون القرآن العظيم قد سبق العلم الحديث بـ 13 قرناً كاملاً في التحدث عن الأمراض النفسجسمية.
ورغم إننى لست متخصصاً في الطب النفسي إلا أننى من عشاقه وقد ساقتني الأقدار سوقاً إلي تعلمه والتضلع فيه والمشاركة في علاج مئات الحالات,لم تجد في وقت من الأوقات طبيباً لها سواي،وكنت من قبل قد أتقنته وتضلعت فيه قدراً علي يد صديقى أ.د/علي عبد العزيز.
المرض النفسي مثل العضوى ليس سبة ولا عار رغم آلامه وأحزانه,وهو يحتاج للصبر والتآخى والتآزر مع العلاج الحديث الذى ألغى كلمة"الجنون"من قاموس الطب والفقه والقانون شريطة المواظبة علي العلاج وعدم تركه.
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2