أجري الحوار: أمجد رشدي
- مجموعتى القصصية "علي مرمي قُبلة" صدرت فى القاهرة وعمان وغابت عن بيروت عاصمة بلادى بسبب الاضطرابات التى تمر بها
-الإبداع هو الطريق لتحقيق حلم العيش في عالم خالي من الكراهية والطائفية
- أحببت القاهرة وأنا شابة من الأفلام والأغاني، وأشدّ الرحال إليها كلما سنحت الفرصة
أخرجت مطابع القاهرة والعاصمة الأردنية عمان في توقيت واحد مجموعة قصصية بعنوان (علي مرمي قُبلة) أخر إبداعات الكاتبة اللبنانية إخلاص فرنسيس، ومن المقرر أن تشارك الكاتبة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورتة الجديدة رقم 51 في الثاني والعشرين من شهر يناير الجاري.
وهذا الحوار، محاولة للتعرف علي شخصية الكاتبة ورؤيتها ومدي تأثير الغربة علي إبداعها وما هي الرسالة التي تحاول إيصالها سواء شعرا أو نثرا بعد صدور 3 أعمال إبداعية لها خلال عام واحد .
- منذ أيام قليلة صدرت مجموعتك القصصية الجديدة (على مرمي قُبلة) التي طبعت في القاهرة وعمّان في نفس الوقت، ماذا يعني ذلك؟ مجموعة قصص قصيرة تصدر من عاصمتين عربيتين. لماذا غابت بيروت هنا؟
* سبب صدور المجموعة القصصية في عاصمتين عربيتين في ذات الوقت هو أنّها قد تمّ تبنّيها من قبل دار يافا للنشر في الأردن بالتزامن مع النشر في مصر، وغياب بيروت بسبب ما يمرّ البلد به من ظروف واضطرابات سياسية واقتصادية، فبيروت لها مكانة في القلب حتى ولو لم تصدر هذه المجموعة هناك.
وكلنا على علم بالثورة في الآونة الأخيرة، فبيروت لها مكانة في القلب حتى ولو لم تصدر هذه المجموعة هناك.
ويبقى لبنان الوطن الوجع، الصدر الحنون النزف، وهو الأب والأمّ في كلّ زمان، هو الطفولة، هو الذكريات، هو الأصول والحضارة، هو المجد، وهو ما أنا عليه الآن.
كلّي أمل أن بيروت ستنتفض مثل طائر الفينيق، وتعود للحياة بعد موت، أما الآن فلبيروت حصة الأسد كما نقول في اللبناني من حيث النشر والقراءة، المكان والزمان لا يصنعان جمهور الكاتب بل الكاتب والكتاب هو من يصنع جمهوره.
"على مرمي قُبلة" هي الإبداع الثاني لك في أقلّ من عام ، حيث صدرت في منتصف العام الماضي ٢٠١٩
- أول إصدار روائيّ لك بعنوان (رغبات مهشّمة) أثار اهتمام النقّاد وقرّاء العربية لجرأتها ودخولها في مناطق فكرية وشعورية مليئة بالألغام، وكان الاختيار هو الصدور من القاهرة، لماذا كان هذا الاختيار، وهل تعمّدت الصدام مع الفكر التقليديّ السائد في عالمنا العربيّ بالحديث عن الحبّ، والحديث عن حلم امرأة تريد أن تحقّق ذاتها، وتكشف بؤس فكر مجتمع ما زال أسيرًا لتقاليد قديمة ؟
* المجموعة القصصيةً الجديدة "على مرمى قبلة" هو العمل الثالث، فأول عمل كان ديوان شعر نشر إلكترونيّاً عبر أمازون، و راوية "رغبات مهشّمة" كان العمل الثاني.
القاهرة هي المدينة التي أحببتها منذ كنت شابة من خلال الأفلام والأغاني، وما زلت أشدّ الرحال إليها كلما سنحت لي الفرصة.
أمّا الجرأة في الرواية كما أسلفت فكان لا بدّ لها من أرض يسود فيه ليس الفكر التقليديّ فحسب بل الازدواجية في حياة الفرد حيث يعيش الإنسان حياة في السرّ وأخرى في العلن خوفاً من التقاليد والعادات على المستوى الدينيّ أو الاجتماعي، إضافة إلى أنّ الرواية هي صورة عن الحياة، والحياة مغامرة، ولا بدّ أن تكون الرواية قادر،ة على خوض هذه المغامرة بتحدٍّ وشجاعة.
أما عن مسألة الصدام الفكريّ إن كان هناك واحد، فأنا لا أتصادم مع الفكر التقليديّ الذي ساد مصر في عهد أنور وجدي وليلى مراد وفاتن حمامة، ولكنّي أتصادم مع التلوث الفكريّ المستورد الحديث الغريب عن القاهرة الذي يتعمّد إلغاء هوية المرأة وينسبها إلى ولدها أو زوجها أو عائلتها ويخفى هويتها.
إنّ المجموعة القصصية هي كشف مواطن الضعف والكراهية والوجع في المجتمع، ومحاولة معالجتها بالحديث عن الحبّ ونشره ورسالة السلام بين البشر، والحبّ إن تصادم به البشر لا بدّ أن يحلّ عليه من روحه أي روح الحبّ، ويخرج الإنسان ليس كما دخل في هذه المعركة.
- أعرف أنّك شاعرةً، ولك نصوص شعرية، لكنّك بدأت النشر بالرواية، والآن بمجموعة قصصية، هل وجدت أنّ النصّ الشعريّ يضيق بتعبيرك، وأنّ الرواية والقصّة أكثر اتّساعًا ورحابة في التعبير؟
* كما قلت بدأت بديوان شعر "حين يزهر الورد" وهو عبارة عن حواريات غزلية مع الشاعر السوريّ معروف عازار، لكن كان إلكترونيًّا.
إنّ النصّ الشعريّ يختلف تماما عن النصّ الروائيّ وعن القصة القصيرة، فلكلّ منها مقوماتها، ولعلي مغرمة بالسرد ونقل صورة واقعية عما نعانيه في أوطاننا ومنافينا، لأنّ الرواية والنثر عامة أكثر إيغالا في تفاصيل الحياة، أما الشعر فمناجاة مع النفس، وغناء على إيقاع القلب.
وهذا لا يعني تفضيلي النثر على الشعر، فللشعر وقته الآخر، سواء حبسته أو أطلقت سراحه.
ففي رواية "رغبات مهشمة" كان للشعر النصيب الوفير لأنّي أؤمن بانّ الشعر يكمل الرواية، وأراهما يسيران معاً يدًا بيد، فالشعر الموسيقى التصويرية التي تهيّئ الروح والفكر لاستقبال الأحداث المتتالية في الرواية، وتخفّف من حدتها بأسلوب راقٍ، ويبقى كلاهما الشعر والرواية فرشاة أرسم بها ما أشعر به، ويظلّ الفيصل بينهما هو اتساع رقعة القراء، فالقصة لها مريدون أكثر من الشعر الذي تضيق رقعته بين القراء، لكن هذا لا ينفى أنّ قراء الشعر مازالوا هم النخبة المؤثرة.
- في المجموعة القصصية كان إهداؤكً صرخة انحياز لكلّ امرأة عربيّة وشرقيّة، وإدانة للرجل الذي سقط من بين سطورك...ألا ترين أنّ هذا الموقف يختلف عن حلم أبطال قصصك في العثور على النموذج الأمثل لقصص الحبّ والحياة في ظلال رجل يؤمن بقيمة العطاء المشترك، ويحبّ دون قيود؟
* كما قلت الرواية صورة حياة، وأنا أصور أحداثها كما تجري دون أي تدخّل منّي، وربما ظهر انحيازي إلى هذه الشخصية أو تلك بشكل غير مباشر، لكني ساردة أمينة لكلّ ما يجري، وأرى أنّ الرجل كما المرأة ضحية المجتمع المتخلف، لكن مأساة المرأة مضاعفة، لأنّ قوانين المجتمع ذكورية، تجعل من المرأة تابعة منصاعة لرجل قد لا يستحقّها، وهنا الطامّة الكبرى.
إنّ الرجل الذي سقط سهواً بين سطوري هو ذلك الرجل الحرّ الذي تحلم به كلّ امرأة، وتنتظره كلّ صبية ليخطفها على حصانه الأبيض هو ذلك الفارس الذي نفتقده كثيرًا في المجتمعات الشرقية. حالياً موجود لكن ليس بالكمّ المطلوب، لو كان الرجل حرًّا لما احتاجت المرأة إلى مطالبته بحريتها، موجود لكنه مقموع من الفكر الذي يرى الرجل موجودا بتحكمه وتسلطه الكامل على المرأة، وتحكمه بالبيت والشغل في كلّ كبيرة وصغيرة.
أنا أرى أنه كلما ازداد قمع المرأة في المجتمع كان ذلك دليلا واضحاً على جهل الرجل وضعفه، وليس دليل قوة، فالإهداء بالفعل صرخة عليه كي يستيقظ ويفعّل ضميره ومشاعره، ويقف إلى جانب كلّ امرأة عربية وشرقية حلمت وبُتر حلمها، ودُفنت أمنياتها سواء في سراديب الحرب الفعلية أو حربها مع المجتمع الذي قمع إنسانيتها، والسلطات التي همشتها. الرجل الشرقيّ هنا أعني ذلك الذكر الذي لا يرى في المرأة سوى سلعة ولعبة يُشبع بها غريزته وأهواءه، ويراها دونه، فأهدر مشاعرها، ولم يأبه لها بل كان يفتخر بذكوريته وسطوته، ومع هذا كان هناك الرجل الرجل الذي وإن كان قليلا ونادرا في مجتمعنا، لكنه موجود هنا في هذا الحلم الذي تتكلم عنه هو الصرخة لضمير ذلك الذكر أن يكون الرجل الذي يتخذ من المرأة شريكا ومعينا وليس جارية تباع وتُشرى على هواه وحسب استحسانه، وصرخة للمجتمع كي يستيقظ من كبوته، فالمرأة تسبق الرجل في المجتمع ، فهي أمّه ، وإن أردت إصلاح مجتمع فعليك بتنشئة إناثه على قوة التعبير ، عندها تستطيع الأنثى أن تقوم بدورها في تربية رجال ونساء لهم نفس قوتها.
- أراك تصرين على الكتابة، أما زلت تؤمنين بأنّ الكلمة يمكن أن تغير مجتمعا بتقاليده وأفكاره القديمة؟
* الكتابة حياة عظيمة "في البدء كانت الكلمة" فالكلمة هي صوت العقل والقلب ودونها نحن صمّ بكم، لذلك إيماني بها راسخ رسوخ الراسيات الشامخات، فكم من قصيدة أو قصة أو مقالة أو رواية أقامت الدنيا وأقعدتها، ومنعت من النشر أو التداول لأنّها تقف على خطّ النار في معركة لا هوادة فيها ضدّ الظلم والانحطاط.
رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم التي تتحدّث عن ثورة 1919 في مصر، الرواية التي تأثر بها جمال عبد الناصر، فكانت أحد أسباب ثورة 1952.
الكلمة هي سهم ناريّ يخترق الصقيع، ليبدّد ظلام العالم.
أصرّ على الكتابة نعم أنا أؤمن أنّ للكلمة قوتها في كلّ المجتمعات الشرقية والغربية على السواء، إن تغير المجتمع يبدأ بتغيير وجدانه، والتاريخ يخبرنا بأنّ وجدان المجتمع يتغير مع الفنون والآداب، فلا يخفى على جميعنا ما صقلته القصص والمسلسلات في وجداننا من قيم ومعتقدات ترسخت في أعماقنا، وتحكمت في أقدارنا ومصائرنا، فالقلم يحدث تغييرا عن طريق عرض المشكلة وإظهارها للنور، كي يستطيع الطبيب معالجتها ووصف الدواء المناسب.
نعم ربما تأخذ وقتا أطول في المجتمعات الشرقية لأنّ المشكلة ليست في التقليد بحد ذاته بل من المستفيدين من هذا التقليد، وخاصة عندما تدخل الأفكار المتطرفة، وتستخدم الرموز الدينية، ونحن نعلم قوة سلطة الدين على الإنسان العادي البسيط الذي يصبح نعجة تسير مع القطيع دون أن يجرؤ على السؤال أو حتى بالتفكير وإلا اتهمت بالتكفير والإلحاد.
إنّ الكلمة لها قوتها ودورها الكبير في إعلان الحق والتغير الجذري سواء كانت رواية او شعرا مثلها مثل الصحافة، فأنا أعتبر أنّ الكتابة هي الروح، هي الجنديّ المجهول الذي يحمل السلاح القلم، ويأخذ على عاتقه ليس الحماية فقط بل الدفاع باستماتة ليل نهار، ويسهر على الجبهة الداخلية، لأنّ العدو الداخلي باعتقادي هو أخطر علينا من العدو الخارجيّ.
- أنت لبنانيةً، تعيشين في المهجر، لكن وجدانك ما يزال متعلّقا بالوطن بل امتدّ هذا التعلّق للوطن الكبير. لماذا وأنت التي اضطررت للرحيل من وطنك وإذا بك لا تفقدين في غربتك لبنانيتك، بل أصبحت أكثر اتصالا ومتابعة وشغفا بما يحدث في كلّ أرجاء الوطن الكبير، وظهر ذلك في مجموعتك القصصية التي تنوعت فيها هويات بطلاتك وأبطالك، ماذا فعلت الغربة في وجدان وإبداع إخلاص فرنسيس؟
* إنّ البعد عن الوطن يجعلنا نحبّه أكثر، ونحنّ إليه صباح مساء، لأنه ملاعب الطفولة ومراتع الصبا، فهو الملاذ الذي حرمنا منه، وهو حقّنا الذي لا يضيع بمرور الزمن.
إنّ الظروف القاسية هي التي تبعدنا عنه من حيث المسافات الجغرافية، لكنه على مرمى قبلة من قلوبنا وأرواحنا التواقة إلى صنّينه وأرزه وأخطله وفيروزه.
الغربة مهما كانت حسناتها فهي لا تغني عن الوطن. وقد صدق أحمد شوقي حين قال:
وطني لو شُغلتُ بالخلدِ عنهُ نازعتني إليهِ في الخلدِ نفسي
كلّ مجتمع يساند حرية الإنسان ويؤمن بالتعددية أحسبه وطني، فلا أستطيع أن أجزم بأني مغتربة في بلاد الغرب أو مواطنة في الوطن العربي، فالغربة هي ليس فقط أن تكون خارج وطنك بالجسد، لكن الغربة هي أن تكون في وطنك وتشعر بالغربة، وهذا باعتقادي هي الغربة الأصعب على الإطلاق.
الغربة في الوطن أقسى من الغربة في المهجر أو المنفى، لأنّ الغربة الثانية توفّر للإنسان حياة كريمة لا وجود لها في الوطن الذي " تنهشُهُ مخالبُ الموتِ" على حدّ تعبير البياتي.
من هنا شدّ المبدعون اللبنانيون الرحال إلى أمريكا منذ جبران إلى إخلاص، فلبنان حلمنا الذي لا ينتهي، حبنا الذي يواجه الحرب بكلّ شجاعة وثقة بأنّ الغد أجمل. الوطن والغربة سيف يخترقني حتى مفاصل الروح، فما الوطن؟ أليس هو الحضن الدافئ الذي يشعر به الإنسان بالأمان، أليس هو المكان الذي ولدنا وكبرنا به، أليس هو المكان الذي تعرفنا فيه إلى نفوسنا، حيث اختبرنا أول حبّ، وتذوقنا أول قبلة.
لقد حملت لبنان معي في حقيبة السفر، وكان يرافقني، ويطلّ من بين سطوري في كلّ بلد كنت أزوره وكأني بي أبحث عن لبنان في كلّ البلاد، بذكرياته المفرحة والمؤلمة منها، كمن تبحث عن حبيبها في كلّ الوجوه.
نعم هجرتي وإن كانت طوعا، لكنها كانت تحمل ألمًا كبيرًا.
لا أنكر فضل بلاد الاغتراب التي منحتني الأمان، وتعلمت فيها الاعتماد على الذات وحرية الآخر وحرية التعبير، لكنها لا تستطيع أن تنسيني الهوية الروحية التي أحملها في جيناتي، تلك الهوية التي يولد الإنسان بها، ويحملها معه أينما حلّ، ولا يستطيع استبدالها، ولا أحد يستطيع أن يعوضها، لأنها في رائحة حضن أبي وأمّي، وفي جدران منزلي ورائحة الزيتون والغار، وفي لون الفجر من على سطوح منزلي في قريتي المتواضعة، فتراني أُحمل في كلّ القصص التي أكتبها إلى كلّ ما في لبنان، فصوله.. بحره.. جبله، ألوان ضيعتي الجبلية الصغيرة حيث الربيع خلع على قلمي حبره، يأخذني القلم إلى لبنان، إلى فيروز وصباح وروح جبران خليل جبران، إلى ذلك البلد الذي أكنّ له الحبّ ووجع الحنين حيث سلختني الحرب عمّن أحبّت نفسي، وعن أصدقائي، وشرذمت العوائل في بقاع الدنيا، وكانت كتاباتي انعكاس تلك المعاناة، وحلمي أن أوصل فكرتي على لسان الأبطال في المجموعة القصصية على مرمى قُبلة.
إنّ التعددية وحرية التعبير تثري المجتمع، وتنهض به صحياً وعاطفياً واقتصاديا، ومن رأيي أنّ العمل هنا ضروريّ، والمبادرة إلى التوعية الثقافية والفكرية تستدعينا بأقصى سرعة قبل خراب البصرة، ونفقد الفرصة نهائيًّا في الإصلاح.
- في مجموعتك القصصية (على مرمى قُبلةً ) ألمح حالة تدفّق في الوصف والتفاصيل ، وكأنك تريدين قول كلّ شيء ، ماهي رسالتك الحقيقة في أعمالك شعرًا ونثرًا؟ وهل ترين معي أنك تحاولين تخطّي الزمن والأيام، وكأنك على عجلة من أمرك؟
* ربما كنت على عجلة من أمري فليس للوقت وقت، فقد تأخّرت كثيرا في النشر، وكأني في سباق مع الزمن، أريد تدارك ما فاتني، لأنّ لديّ الكثير مما أقوله شعرا ونثرا، فكلما اتّسع الألم نهض الأمل من رماده نارا كالعنقاء، فلكي نولد من جديد لا بد أن نحترق، ونصرخ، ونثبت وجودنا بالكتابة التي لا غنى عنها في الدفاع عن النفس وعن الحياة كلها.
- ماهو الخيط الرفيع الذي يربط بين إبداعك والواقع؟ ألا ترين أنك مع قدرتك علي الدخول في تفاصيل مشاعر أبطال وبطلات قصصك تقفين أحيانًا على حافّة الحقيقة، وعلى مرمى الهدف الذي لا يتحقّق في كثير من النهايات. أما زلت رغم هذا النضوج الفكريّ والوجدانيّ أسيرة أغلال مجتمعك بتقاليده وعاداته؟
* الحلم يختلف عن الواقع، أنا أحلم إذًا أنا موجودة، والإبداع هو الطريق إلى الحلم تحقّق أو لم يتحقّق، كما قال الشاعر:
وعليّ أن أسعى وليسَ عليّ إدراكُ النجاحِ
لا أظنني أسيرة الأغلال، فلديّ القدر الكافي من الحرية التي أتنفس في أجوائها، ودونها لا يستطيع الأديب أن يدعو إلى حرية غيره، ففاقد الشيء لا يعطيه.
مع ذلك نحتاج إلى المزيد من الحرية في الوطن العربيّ، وهذا يحتاج إلى نضال طويل لا ينتهي، وما أجمل ما عبر عنه المبدع المصريّ يوسف إدريس في قوله:
"إنّ الحرية المتاحة في بلادنا لا تكفي أديبا واحدا"
التابوات السياسية والدينية والجنسية ما زالت رابضة على أنفاس مجتمعاتنا، في الوقت الذي وصل إليه الغرب والشرق إلى سماوات العلم وكرامة الإنسان.
ما زلنا نتطفّل على الماضي الذي لا يغني ولا يسمن. قال جبران:
" من يشنقه صوت الماضي لا يستطيع مخاطبة المستقبل"
ما زلنا في نقطة الصفر، ولا بدّ أن نبدأ، هذا قدر الإنسان أن يكافح حتى آخر قطرة من الأمل.
الخيط هو أن تعيش الواقع، الإبداع هو الحلم وإحساسك بكلّ ما يجري من حولك، أن تعيش الحالة بكلّ تفاصيلها، وأن تملك قلباً به تستطيع الولوج إلى عالم أبطال وبطلات القصص، يقولون هناك شعرة بين الحقيقة والخيال، فأنا أقف على حدّ السيف بينهما، سعيت وما زلت أسعى أن أحقّق الهدف الأسمى من كل الكتابة ألا وهو أن أنهض بالقارئ فكريًّا وروحيًّا، طبعا لست أسيرة التقاليد، لكني أترك للقارئ حرية الاختيار فكريًّا ، فأنا أسافر به في الماضي والحاضر، وأترك له المستقبل، ليختار بنفسه ، عليه أن يخطو بنفسه الخطوة الأخيرة وينتقد العمل، ويعبّر عن أمله في النهاية، يقول ما يريد أن يقوله دون أن يملي عليه أحد الأوامر، إلى كسر كلّ ما يقيد روح وفكر الإنسان من تقاليد وعادات أكل الدهر عليها وشرب، وإذا لم أصل إلى تحقيق النهاية المنشودة يكفيني شرفًا أنّي لم أقف مكتوفة اليدين، وليس المحاولة فقط بل وضع حجر آخر في أساس هذه القضية الإنسانية التي تتمرغ في وحول التقاليد وفي مستنقع الجهل الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين حيث إنّ الإنسان غزا الفضاء في الغرب ونحن في الشرق ما زالت العادات تتحكّم بنا، عدا الحروب الطائفية والكراهية المدمرة والتعصّب الأعمى.
- إخلاص فرنسيس ... أخيرًا من أنت؟!
* أنا امرأة ضعيفة، أرى قوّتي في الكتابة التي تشعرني بوجودي، وتتيح لي المجال أن أطوف في عوالم من واقع وخيال.
لا يمكن لي أن أهنأ لحظة، ووطني مستباح، والإنسانيّة تعاني ما تعاني من ظلم وسفك وقمع وحرمان .
تعود إلى ذاكرتي قصّة لأحد الكتاب الروس ربما كان مكسيم غوركي، ملخّصها أنّ امرأة كانت تكنس يوميًّا أمام باب دراها، لتجد الأوساخ مكوّمة أمامه في اليوم الثاني، فأدركت أنّها تأتي بفعل الريح من بيوت الجيران ثمّ المدينة كلّها.
إنّ الخلاص الفرديّ لا يُجدي نفعًا إذا كانت الغالبية تكابد أهوال هذه الحياة القاسية، ومهمّتي أن أغرس فسيلة في هذه الصحراء الإنسانية الشاسعة.
أنا سليلة الحرب انتصرت عليها بالحبّ، حبّ الحياة .. والجمال صومعتي، وقلبي نابض بالحبّ والحياة، أنا فكرة، وكلمة لم تكتمل بعد.