د.ناجح إبراهيم يكتب: يوسف والمسيح ومحمد ..الإحسان بلا حدود
د.ناجح إبراهيم يكتب: يوسف والمسيح ومحمد ..الإحسان بلا حدود
الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم نبي الإسلام محمد "عليهم السلام " جاءوا رحمة لأقوامهم فلم يكلفوهم ما لا يطيقون ويسروا عليهم ولم يعسروا وبشروا ولم ينفروا وجمعوا ولم يفرقوا فهذا رسول الله"ص" تعترض بعض زوجاته ضد زهده ويطلبن زيادة النفقة والتوسعة فرئيس الدولة وخاتم النبيين لا يوقد في بيته نار ولا يطبخ فيها لعدة أشهر .. وتمر الأيام والليالي وليس في بيته سوى التمر والماء ويربط أحياناً الحجر على بطنه من الجوع .. ولكنهم لم يطردهن إلى بيوت آبائهن ولم يضربهن أو يشتمهن ولكنه ذهب إلى "بيت أبيه"أي ربه ومولاه وهو المسجد .
رفض أن يعاتب زوجاته كثيراً ..اهتم بالأخطاء الإستراتيجية فنبههم إليها في حياء وكأنه هو الذي أخطأ وأعرض عن أخطائهن " عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ " اقتدى بأخيه يوسف عليهما السلام حينما رفض أن يحرج أو يجرح إخوته رغم غدرهم به .. أبت أخلاقه الكريمة أن يفضح سرائرهم وجرائمهم في حقه وحق أبيه يعقوب "فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ "وقال لهم بعد ذلك "مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي " رفض أن يعايرهم بلحظات الضعف الإنساني التي مرت بهم .. أو أن يفضح لحظات الحقد والحسد والأنانية التي مرت بهم من قبل .
آه يا يوسف الصديق .. كم أنت كريم ورحيم وودود وخلوق .. أراد إخوتك موتك وأنت تبغي حياتهم .. يظلموك فتعدل معهم .. يبخسوك فتعدل معهم .. يسيئون إليك فتحسن إليهم .. يبيعوك بثمن بخس فتشتريهم وتكسب مودتهم وتستحي أن تذكرهم بجرمهم فتهتف بصفاء ونقاء " لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " ويستعيرها محمد "ص" منه فيصدح بها في قومه الذين عذبوه وآذوه وشتموه "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .. اذهبوا فأنتم الطلقاء " لم يبطش بهم كما بطشوا ، أو يعذبهم كما عذبوا ،أو ينكل بهم كما نكلوا ، لم يأخذهم بالسيف والسوط والجلاد ، ولكنه ضمهم إلي صدره ،واصطنعهم لدعوته ، واتخذهم أحباباً وأولياء بالحلم والصفح .. ففي معركة حنين أطلق ستة آلاف أسير لأنه رضع في قومهم وإكراما لشقيقته في الرضاعة .
إنه لم يأت لإذلال الناس ولا قمع حرياتهم و كبتهم أو أخذهم بالشبهات .. فكيف يفعل ذلك وربه يناديه " لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ " .. وكيف لا يعفو عنهم ومولاه الحق يأمره " فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ " وهو الصفح الذي لا عتاب بعده .
ولذلك رفض أن يقتل حاطب بن أبي بلتعة الذي تجسس عليه وجيشه ذاكراً له حسناته السابقة "دعه يا عمر فلعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اصنعوا ما شئتم قد غفرت لكم " .. فالحسنة الكبيرة تكفر السيئة الكبيرة وتمحوها .. ونهر الحسنات تذوب وتندثر فيه الخطايا .. "وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " .
كما رفض أن يحقد علي خالد بن الوليد الذي كان سبباً في هزيمة الصحابة في أحد أو يطلب رأسه أو يأمر باغتياله .. ولكنه أراد هدايته وبره فكسب وده بكلمات قصيرة في رسالة ( قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير..ومثلك لا يجهل الإسلام ) فلم يدخله بالسيف ولا بالقهر .
وأسرت جيوش النبي ثمامة زعيم بني حنيفة القوي .. فعرض عليه النبي الإسلام مرات فرفض فأطلق سراحه رغم ذلك .. فأسلم الرجل طواعية .. فالقهر والاستبداد لا يصنع حباً ولا ديناً ولا وطنية ولا ولاءً .. ولكن يصنع كراهية ونفاقاً وذلاً وهواناً وضياعاً .
ورأي الأعرابي يتبول في المسجد النبوي فرفض أن يؤذيه أو يشتمه أو يوبخه أحد وقال :"ذروه يكمل بولته واسكبوا عليه دلواً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" ..وعلم الأعرابي حرمة ذلك حتي قال الرجل من هول دهشته بحلم النبي :اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ..فضحك النبي من ضيق أفقه فصحح له ملاطفاً"لقد ضيقت واسعاً يا أخا العرب ".. ولو حدث ذلك عندنا لشتم وفضح وضرب وفسق وكفر .
وهذا عيسي نبي الله الرحيم المحسن "عليه السلام"يشتمه بعض السفهاء فيرد مبتسماً "الله محبة" وكأنه يقول: فلو أحببتم الله ما فعلتم ذلك .. ورغم سبكم وشتمكم فإني أحبكم .. فمن أحب الله أحب خلقه وخاصة الصالحين .. فمن يزعم أنه يحب الله وهو يكره الناس أو يريد هلاكهم وموتهم وتفجيرهم أو تعذيبهم أو سجنهم أو قهرهم فهو كاذب .
وهذا رسول الله "ص" الذي يوحي إليه يقف بين أصحابه ليقول لهم :" أشيروا عليًّ أيها الناس " ليطلب مشورتهم ورأيهم ولو استغني أحد عن الشورى لكان النبي أولي بذلك..وهو درس لكل من يريد أن يسوق شعبه بالقهر والسجن والكرباج ويحتكر الوطنية لمن أيده وتابعه فقط .
ويأخذ رأي سلمان الفارسي الذي يشير عليه بفكره الخندق التي كانت سبباً في النصر رغم أن الفكرة وصاحبها من بلاد الفرس .. ويستشير "أم سلمة " ولا يستكف أن يأخذ برأي امرأة وكان رأياً صائباً .
إنهم الأنبياء بحق الذين يريد البعض أن ننخلع من هديهم تارة بالتطرف الداعشي القاعدي أو بالتطرف العلماني اللاديني .